بقلم: إبراهيم غرايبة
يعد الجانب الذاتي الجزء المهم و الأساس في برامج التربية و التدريب، و من دونه لا تنجح هذه البرامج و لا تحقق أهدافها، ذلك أن عجلة الحياة لا تتوقف؛ فتأتي في كل لحظة بتجارب و أفكار و خبرات و فرص لا يجوز فوتها.


والمنهج الإسلامي في التربية و العبادة يرى هذه الرؤية و الفلسفة، فالعبادات و المعاملات تنبثق من رقابة ذاتية و مسؤولية لدى المسلم مع الحرص والرغبة في نيل رضا الله تعالى، و الشعور بأنه يراقبه دائماً وينتظر الثواب و يخاف العذاب.

وتؤكد الآيات و الأحاديث دائماً على ضرورة وعي الأهداف والحكم من العبادات، فإنها من غير ذلك تكون أفعالاً جوفاء، قال تعالى: (أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، فإن لم يحقق المسلم بالصوم التقوى؛ فقد أخل بالغرض الذي شرع الصوم من أجله، و إن كان يشارك المسلمين بالشعائر الظاهرة للصوم، وقال صلى الله عليه و سلم : "رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والنصب" وقال تعالى: (لن ينال الله لحومها و لا دماؤها و لكن يناله التقوى منكم)، وقال: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر)، وقال صلى الله عليه و سلم : "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر لم تزده من الله إلا بُعداً".

وحين نفكر في تحقيق حكم العبادات و جوهرها؛ نجد أن الدافع الذاتي والحرص على الشعور بها هو الذي يجعل هذه العبادات و الشعائر ليست حركات شكلية؛ بل أداءً حياً يسري في حياة المسلم اليومية و في ضميره و روحه و عقله، فيصقله و يسمو به عن المعصية و الانحراف.

و يقدم الحديث النبوي تمثيلاً حكيماً مؤثراً حين يرينا كيف يختلف أثر الدعوة في الناس حسب طبائعهم و مشاربهم و صفاتهم الفردية؛ فالناس كما وصفهم الحديث في معاملة ما بعث الله به نبيهم -صلى الله عليه و سلم- كمثل الأرض و التربة: بعضها طيب فيقبل الماء فينبت الكلأ، و بعضها يحفظ الماء للناس ولا تقبله، و بعضها قيعان لا تحفظ ماء ولا تنبت زرعاً!.

و حين نستعير الأفكار السابقة، و نجعلها في برامج العمل؛ نؤكد أولاً أن منهاج العمل الإسلامي يعتمد غالباً في النجاح و الفاعلية على الجهد الذاتي والصفات الفردية لدى الدعاة، وهم يستفيدون من هذه البرامج بقدر استعدادهم وجهودهم الذاتية.

وحتى نعين الأخوة الدعاة على فهم هذه الفكرة في خطوات وبرامج عملية؛ فإننا نقدم الأفكار والاقتراحات التالية:

1 – يكف معظم الناس بعد سن الخامسة والعشرين بسبب مشاغل الحياة وزيادة المسؤولية، وضعف الحماس والتقدم في السن، وضعف الصحة عن ممارسة مواهب نافعة، يكفون عن المطالعة و القراءة و المشاركة في الأنشطة العامة، لكن على الداعية أن يلتزم مهما تكن حاله اقتصاص وقت مناسب للقراءة والمشاركة والرياضة والكتابة والأعمال الفنية والحرفية، فإنه إن لم يفعل سيجد نفسه بعد سنوات فقد صلته بالمجتمع المحيط والأجيال الصاعدة.

2 – أن يرسم الداعية خطة للثقافة الذاتية الجادة لتحقق فهماً للإسلام وأحكامه و المجتمع الواقع المحيط، و العمل الجماعي وأصوله وقواعده تعتمد على المصادر الأولية والبحث العلمي، و تتجاوز الكتب المبسطة، أو الكتب المختصرة المتكررة.

3 – أن يشترك الداعية في مكتبة عامة و يتتبع المجلات المختصة والنتاج الفكري الجديد في مجال واحد يختاره.

4 – غنيمة الفرص والسعات التي تتيحها المؤسسات التي يعمل بها أو يدرس، كالدورات مثلاً، و لا يزهد فيها أو تمنعه مشاغله أو ضعف همته و إرادته لتحول بينه و بينها.

5 – حيازة أكبر قدر ممكن من المهارات العملية و الفنية و الحرفية، كرخصة السوق و الحاسوب و المقالة الصحفية و الأدبية و الرسم، أو المهارات اليدوية و الفنية كصيانة السيارات و الأجهزة و الحدادة و النجارة و كل ما ينفع المسلم و المسلمين، والسعي الدائم في الاعتماد على النفس في أداء الأعمال اليومية والاحتياجات، قال صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده".

6 – المشاركة في الدورات التي تعقدها مؤسسات شتى لقاء أجر، كالمراكز المهنية الأهلية المختلفة.

7 – إتقان لغة أجنبية يوسع الداعية ويزيد ثقافته.

و أخيراً فثمة أوصاف و شروط تلزم الداعية والمشاركين في العمل الإسلامي نذكر الدعاة بها ليسعوا إلى تحقيقها:

- رحابة الصدر و سعة الأفق.
- احتمال الرأي الآخر والرضى برأي الغالبية.
- فهم الأحداث الجارية و ربطها و تفسيرها.
- فهم المجتمع المحيط فهماً أصيلاً يحيط بتاريخه ونشأته وأسبابه الحضارية و الثقافية و الاقتصادية و الخدمات و المرافق.
- دراسة تاريخ الدعوة الإسلامية و مبادئها، و سبر أعماق العمل الإسلامي الاجتماعية و التنموية و النقابية.
- اغتنام الوقت وحسن تقسيمه.
- القدرة على الإدارة و التخطيط، و إدراك أصول العمل الجماعي وقواعده العلمية.

ولا بد أن يحقق الداعية نفسه جملة من الأخلاق و الشروط ذكرناها آنفاً، لكننا نوردها هنا ليفهم الداعية أنها إطار التكوين الذاتي و جوهره، وبدونها يفقد العمل معناه، ولا يختلف عن سواه من الأعمال، وهي: تقوى الله وعبادته والإنابة إليه، والشجاعة و الكرم والحلم و الأناة، والقدوة الحسنة وسائر ما وصى به ديننا الحنيف وما تسعى به الدعوة الإسلامية ليتحلى به أبناؤها: (و لباس التقوى ذلك خير)، (و اتقوا الله و يعلمكم الله).