أنا اكره المدرسة..
هذه الحصص مملة جدا...
سأتغيب اليوم عن المحاضرة ...
لا داعي لحضور تلك المحاضرة...سأنقلها فيما بعد..
هل تبدو هذه الجمل مألوفة لديك؟..
هل حدث أن فكرت أو تفوهت بمثل هذه العبارات من قبل؟
اذكر تماما صيحة الفرحة التي كانت تملأ الدنيا عندما يرن جرس فسحة الإفطار في المدرسة..وكأنما قد فك قيد كان يلفنا فننطلق فرحين...لا لنفطر...بل لنلعب مع الأصدقاء...ثم لا تلبث أن تمر هذه اللحظات الحلوة بسرعة ونشعر بالتذمر عندما يعلن جرس المدرسة أن الفسحة عقد انتهت... وننتظر بفارغ الصبر جرس نهاية الدوام لنجري باندفاع إلي خارج المدرسة..
ما السر وراء ذلك الإحساس؟...

انه طريقة التعلم التقليدية التي تلقيناها...طريقة المحاضرات...المملة...
يدخل الأستاذ إلي الفصل ليتحدث ويتحدث ويتحدث...ونحن مكتوفي الأيدي...حتى يصير الأمر مملا.. ولا يلبث أن يشرد ذهنك إلي خارج الفصل بالرغم من انك ما زلت بداخله !!.
لماذا إذن نستمر في هذه الطريقة العقيمة للتعليم؟!!!... لماذا لا نستمتع بعملية التعلم؟!!...
إن التعليم التقليدي يقضي علي روح المبادرة كما انه يعوّد الطالب علي الطاعة العمياء والسلبية والتردد في إبداء الرأي والتلكؤ في المناقشة...انه احد أهم الأسباب لما نعانيه الآن من عدم القدرة علي الاستماع للرأي الآخر.. كما انه احد أهم الوسائل التي علمتنا كيف نستبد برأينا ونطرح آراء الآخرين أرضا ونهملها... أو نقمعها إذا استطعنا إلي ذلك سبيلا.
تقنية التعلم السريع تقدم لنا بديلا مميزا لطرق التعلم التقليدية. إنها توفر طرق أسرع لتبادل المعلومات ولتحقيق أساليب أكثر كفاءة في التعلم والتدرب علي حد سواء.
كيف؟
للتعرف علي إجابة هذا السؤال سنحاول في هذا المقال عقد مقارنة سريعة بين التعلم التقليدي والتعلم السريع.



1. دائرة التعلم:
يعتقد بايبي Bybee (1997) أن دائرة التعلم مبنية علي خمس خطوات متصلة بشكل دائري. هذه الخطوات الخمس هي:

  • الدمج: Engagement
  • الاستكشاف: Exploration
  • التفسير: Explanation
  • الإتقان: Elaboration
  • التقييم: Evaluation

تخيل انك دخلت إلي مكان مظلم فلمست شيئا ساخنا بينما كنت تتلمس أزرار المصباح. إن أول ما سيحدث هو اندماجك مع الحدث.. حينها ستسال نفسك ما الذي حدث لي بالضبط؟ّ!!.(مرحلة الدمج).. ثم ستبدأ بتفحص المكان ودراسته (مرحلة الاستكشاف)...ولن ترتاح إلا بعد أن تجد التفسير المناسب (مرحلة التفسير)...والذي سيشكل لك خبرة سابقة تستفيد منها متي دخلت في موقف مشابه مرة أخري (مرحلة الإتقان). وفي كل مرة كنت تقوم بعملية تحليل وتقييم سريعة تتيح لك التحول من مرحلة إلي أخري وفقا لما يطلق عليه دائرة التعلم: انظر الشكل التالي.

دائرة التعلم


احدي إشكاليات التعلم التقليدي إنها تعتمد بشكل كبير علي المعلم. فالمعلم هو المسئول الأول أو –فلنقل - الأوحد عن إدماج الطالب ولو قهرا في العملية التعليمية. .. فلذلك كثيرا ما نجد المعلم –خاصة في الفصول الابتدائية- يصرخ بأعلى صوته وقد يستخدم نوعا من العنف البدني أو اللفظي..وكل ذلك في محاولة منه لتحقيق الدمج بين الطالب وبين ما يقدم من ماده..وهو إذ يفعل ذلك قليلا ما ينجح في خلق رغبة حقيقية لدي الطالب في التعلم. كذلك فان المعلم هو المسئول الأوحد عن تقديم الأدلة وتفحص المادة وتقديم التفسيرات المناسبة وتحقيق عملية الإتقان. هذا يعني أن الطالب سيكون بعيدا معظم الوقت عن دائرة التعلم.
أما في تقنية التعلم السريع فما علي المعلم إلا الإشراف علي العملية التعليمية بينما تقع مسئولية التعلم علي الطالب نفسه. يعني هذا أن عليه أن يتحرك ويشارك ويناقش مع المعلم وزملاءه...عليه أن يفحص المادة ويفسرها ويحقق درجة الإتقان بنفسه..وهو حين يفعل ذلك ينغمس في العملية التعليمية ودائرة التعلم بكلياته، مما يتيح له الاستفادة القصوى من التعلم. .
إن الفرق بين استفادة الطالب من المعلومات المقدمة بالطريقة التقليدية مقارنة بالتعلم السريع هو كالفرق بين أن اشرح لك في محاضرة كيف تخيط جرحا نازفا (التعلم التقليدي) وبين أن أدخلك إلي غرفة العمليات لأدربك خطوة بخطوة علي كيفية خياطة الجرح النازف. أيهما تعتقد ابقي في الذاكرة وأفضل في تعلم المهارة؟...إن الإجابة علي هذا السؤال البسيط يلخص لك كفاءة التعلم السريع وتميزه عن التعلم التقليدي.

2. العلاقة بين الطالب والمعلم:

كما في الشكل التالي فان التعلم السريع يتيح 3 مستويات علائقية:


  • بين المعلم والطالب
  • بين الطالب والطالب
  • بين الطالب والمعلم



العلاقة بين الطالب والمعلم في التعلم السريع
أما في التعلم التقليدي فالعلاقة هرمية وفوقية بحته كما إنها ذات اتجاه واحد يصل بين المعلم والطالب كما في الشكل التالي:
العلاقة بين الطالب والمعلم في التعلم التقليدي
3. من المسئول عن التعلم: العقل ام الجسد والعقل معا؟

في التعلم التقليدي فان المبدأ المتحكم في العملية التعليمية هو أن العقل هو المسئول الأوحد عن تلقي المعلومة لذا يجب علي الجسد أن يبقي هادئا وساكنا طوال الوقت حتى يستوعب الدماغ المعلومات. أما في التعلم السريع فان تحريك الجسد وإشغاله في العملية التعليمية يساهم في تفعيل التعلم وجعله أكثر كفاءة.
في الموقع أدناه سيجد القارئ الكريم الكثير من المعلومات التي توضح الأبحاث العلمية التي تؤكد العلاقة بين الحركة والتعلم.

http://www.pesoftware.com/Resources/moveLearn.html#learn

علي سبيل المثال، قدمت أبحاث Henrietta Leiner and Alan Leiner (علماء الأعصاب من جامعة ستانفورد) أول دليل على وجود صلة بين العقل والجسم. ففي الماضي، كان يعتقد أن مسئولية المخيخ هو فقط إيصال الإشارات إلي المخ. لكن علي الرغم من أن المخيخ لا يمثل إلا عُشر الدماغ من حيث الحجم إلا إنها تحتوي علي أكثر من نصف الخلايا العصبية لمجمل الدماغ. إن مهمة هذا الجزء من الدماغ ليس فقط التنسيق والتوازن والحركة كما هو معروف وليس فقط اخذ المعلومات إلي المخ بل وأيضا وإرجاعها مرة أخري منه إلي القشرة الحركية.
وقد دعمت بحوث عالم الأعصاب Robert Dow من بورتلاند ، أوريغون، اتجاه العلاقة بين الدماغ والحركة بعد أن اجري بحوثا علي احد مرضاه الذي كان يعاني من خلل في وظائف المخيخ مما أدي إلي إصابته بضعف في وظيفة الإدراك لديه. وكانت هذه البحوث أول لبنه في تأطير العلاقة العلمية بين الدماغ والحركة.
وفي تطور لاحق أثبتت أبحاث عالمة الأعصاب Carla Hannaford التفاعلات الداخلية بداخل الدماغ والتي تساعد على الحفاظ على التوازن لدينا ، وعلي تحويل التفكير إلي أفعال وأنشطة، وعلي تنسيق تحركات الجسد . كذلك أكد هذا الارتباط بين الحركة والتعلم البحث الذي ترأسه Peter Strick في المركز الطبي لشئون المحاربين القدامى في نيويورك حيث تتبع فريق البحث مسارا من والي المخيخ والذي يمر بأجزاء من المخ لها علاقة بالذاكرة ، والانتباه ، والإدراك المكاني، فاكتشف أمرا مثيرا للدهشة وهو أن ذلك الجزء من الدماغ الذي يعالج الحركة هو نفس الجزء من الدماغ الذي يعالج التعلم. أما عالم الأعصاب Eric Courchesne من جامعة كاليفورنيا فيعتقد أن حجم المخيخ لدي الأطفال المصابين بالتوحد اصغر والعصبيات الدماغية لديهم اقل وهذا ما يفسد قدرتهم علي تحويل الانتباه من موضوع إلي آخر بالسرعة المطلوبة، وبالتالي فان مجمل بحثه يثبت مرة أخري أن ذلك الجزء من الدماغ المسئول عن التحكم في الحركة يتحكم أيضا في التعلم واتخاذ القرارات المعقدة.
مجمل هذه البحوث إذن تثبت التداخل بين الحركة والتعلم. ولهذا السبب فان التعلم السريع يوصي بالألعاب والنشاطات الجسدية وبالتالي يحقق تعلما أفضل مما يحققه التعلم التقليدي الذي يوصي بفصل الجسد عن العقل.

4- الغاية من التعلم:

في التعلم التقليدي فان المعلومات المقدمة من المعلم هي محور العملية التعليمية... لكن الإشكالية هنا أن الطالب سرعان ما سيبخر تلك المعلومات لأنه يعتمد علي حاسة واحدة فقط وهي حاسة السمع والتي أيضا لا تكفي مطلقا لاكتساب مهارات جديدة. وحتى عند إدخال البوربوينت فانه سيفعّل حاستين فقط السمع والبصر.
أما في التعلم السريع فان اكتساب المعلومة هي وسيلة فقط وليست غاية وحيدة وذلك من اجل اكتساب الخبرة أو المهارة. لذا فان الاستماع إلي المعلومة واجترارها فقط أمر غير مجدي من وجهة نظر التعلم السريع. بل يجب دعم تلك المعلومات بنشاطات الطالب لتحويلها إلي خبرة أو مهارة مما يعمل علي إبقاء المعلومة لأطول وقت ممكن. وفي سبيل ذلك يقوم الطالب بتفعيل حاستي السمع والبصر إضافة إلي الحركة التي تعمل علي تفعيل عقله بالتفكير والمشاركة بدلا من أن يكون مجرد متلقي سلبي للمعلومة. أي أن التعلم السريع يعبر الحاجز الفاصل بين فصي الدماغ الأيمن والأيسر من اجل ضمان اكبر مشاركة للدماغ في العملية التعليمية.

5- مستويات التعلم:

يؤكد Raymond J. Wlodkowski في بحثه تحت عنوان Accelerated Learning in Colleges and Universities أن هناك بعض البحوث المقارنة التي تم إجرائها علي مستوي التعليم الدراسي الجامعي بين مستويات التعلم باستخدام التقنيات التقليدية وتلك السريعة. وقد أثبتت تلك البحوث أن التعلم السريع يساهم في جعل العملية التعليمية أكثر كفاءة.
علي سبيل المثال، البحث الذي أجراه Wlodkowski, Iturralde-Albert, and Mauldin (2000) في اسبانيا علي أربعة مواد دراسية جامعية والتي أثبتت أن درجات الطلاب الذين تلقوا تعلم هذه المواد بتقنية التعلم السريع قد فاقت كثيرا درجات الطلاب في السنة السابقة الذين تلقوا نفس المواد لكن بالطريقة التقليدية.
كذلك أثبتت بحوث Conrad (1996) أن التجربة التعليمية تصبح أكثر كفاءة عندما تتخللها تفاعل بين الطلاب، نشاطات، وتخفيف الضغط علي الطلاب.
لكل ما سبق فان التعلم السريع يبحر بالطالب إلي أقصي درجات التعلم، بينما في التعلم التقليدي فلا يصل الطالب إلي أقصي مستويات التعلم...وان وصلها فسيكون ذلك في وقت أطول وبجهد اكبر.

للمزيد من المراجع حول الموضوع:

Bybee, R. 1997. Achieving Scientific Literacy: From Purposes to Practices. Portsmouth, NH: Heinemann Educational Books.
Bybee, R. 1996. National Standards and the Science Curriculum: Challenges, Opportunities, and Recommendations. Dubuque, IA: Kendall/Hunt Publishing Co.
Caine, R.N. and G. Caine. 1997. Unleashing the power of perceptual change: The potential of brain-based teaching.
Caine, R.N. and G. Caine. 1991. Making connections: teaching and the human brain. Alexandria. VA: ASCD
Chomitz, V.R., Slining, M.M., McGowan, R.J., Mitchell, S.E., Dawson, G.F., & Hacker, K.A. 2009. Is there a relationship between physical fitness and academic achievement? Positive results from public school children in the Northeastern United
States. Journal of School Health, 79, 30-37

بواسطة أسماء حسين محمد أدم
موسوعة التعليم والتدريب
http://www.edutrapedia.illaf.net/arabic/show_article.thtml?id=800