مدربون معتمدون
المدربون المعتمدون
- معدل تقييم المستوى
- 33
المعتقدات - القواعد التي تقرر مشاعر الألم والسعادة
أنظر وأنا أكتب هذه الكلمات من نافذة غرفتي في منتجع حياة ريجنسي في وايكواوا, أكبر جزر الهاواي, فأرى المحيط الهادئ بزرقته العميقة لقد رأيت للتو شيئا لا يمكن لنا أن نشهده في أمريكا الشمالية ثانية حتى العام 2017, ألا وهو الكسوف الكلي للشمس ومنذ الساعة الخامسة والنصف من صباح هذا اليوم استيقظت وزوجتي لنرى مع الألوف من الزوار هذه الظاهرة الفلكية الفريدة حين احتشدت جموع الناس عند موقع مراقبة الكسوف أخذت أمتع ناظري بمراقبة هذا التنوع من البشر الذين أتوا للمشاركة في ذلك الحدث: الجميع, من كبار رجال الأعمال إلى السواح, ومن العلماء الذين يجرجرون عشرات المناظير الكبيرة, إلى متسلقي الجبال الذين نصبوا خيامهم أثناء الليل في التجاويف التي تركتها الحمم البركانية, إلى الأطفال الصغار الذين لم يكونوا يعلمون أن هذا الحدث هو حدث مثير إلا لأن ذويهم أخبروهم بذلك تجمعت هنا حشود من البشر قدمت من جميع أنحاء العالم, وأنفقت في سبيل ذلك آلاف الدولارات لتتاح لها فرصة مشاهدة منظر لا يتجاوز في وقته أربع دقائق لا غير.
ماذا كنا نفعل هنا؟ كنا نريد أن نقف في الظل! إننا مخلوقات مضحكة, أليس كذلك ؟! ما إن حلت الساعة السادسة وثماني وعشرين دقيقة حتى بدأت الدراما تأخذ مجراها, وأخذ القلق يعم المكان ليس بسبب ترقب رؤية الكسوف فحسب, بل خوفا من خيبة الأمل أيضا, اذ إن الغيوم أخذت تتجمع في هذا الصباح الفريد بحيث حجبت السماء, وكان من الطريف أن تراقب الناس وهم يخشون ألا تتحقق توقعاتهم فهم لم يأتوا ليروا القمر وهو يحجب الشمس لفترة وجيزة فقط, بل أتوا ليروا كسوفا كليا للشمس يستمر لمدة أربع دقائق حين يحجب ظل القمر أشعة الشمس بصور كلية لكي يلفنا الظلام بل أنهم أطلقوا على ذلك اسما خاصا هو الكلي!
بحلول الساعة السابعة وعشر دقائق كانت السحب قد تكاثفت وأخذت تزداد حجما شيئا فشيئا وفجأة ظهرت الشمس من خلال فتحة بين السحب وللحظة استطعنا أن نرى كسوفا جزئيا, حيته الجوع بالهتاف والتصفيق ولكن السحب ما لبثت أن عادت لتتجمع من جديد لتحجب عنا الرؤية بشكل كامل وباقتراب اللحظة التي سيحل فيها الكسوف الكامل – أي الظلام الدامس – أدركنا أننا لن نتمكن من رؤية القمر وهو يغطي الشمس بكاملها، فجأة اندفع الآلاف من الناس ليشاهدوا إحدى شاشات التلفاز الكبيرة التي نصبها طاقم التليفزيون.
جلسنا هناك لنشاهد الكسوف عبر التليفزيون المحلي شأن جميع الناس في أنحاء العالم كله! وتسنى لي في تلك اللحظات أن أرى قدرا لا تحده حدود من العواطف البشرية, حيث كان كل شخص يتجاوب مع الموقف طبقا لقواعده الخاصة, أي طبقا لقناعاته المحددة حول ما يجب أن يحدث لكي يتمتع بشعور حسن إزاء هذه التجربة، أخذ رجل خلفي يشتم قائلا: لقد أنفقت أربعة آلاف دولار, وتحملت مشقات السفر, لا لشيء إلا لكي أشاهد هذه الدقائق الأربع على شاشة التليفزيون؟ وصاحت امرأة على بعد أمتار مني: لست اصدق أن شيئا مثل هذا قد فاتنا! غير أن ابنتها الصغيرة الفطنة قالت لها في نفس اللحظة: ولكن الكسوف يحدث الآن يا أماه بينما هتفت امرأة تجلس إلى يميني (أليس هذا أمرا لا يصدق؟ إنني محظوظة لأن أكون هنا!
وما لبثت أن اكتنفنا حدث درامي ففي نفس اللحظة التي كنا نراقب فيها على شاشة التلفاز آخر ضوء فضي لأشعة الشمس يغيب خلف القمر غمرنا ظلام دامس. كان الأمر مختلفا تماما عن هبوط الليل حين تظلم السماء تدريجيا كان هذا الظلام آنيا وشاملا عم في البداية صخب بين الجموع, ثم ما لبث أن تحول إلى سكون. وطارت العصافير إلى الأشجار ولاذت بالصمت التام كانت لحظة مدهشة حقا وما لبث أن حدث أمر هستيري.
فبينما جلس الناس في الظلام يراقبون الكسوف على شاشة التليفزيون, بدأ أولئك الذين أتوا بكاميراتهم والذين كانوا مصممين على الحصول على النتائج التي يتوخونها, بدءوا يلتقطون صورا لشاشة التليفزيون وفي لحظة واحدة غمرنا النور من جديد – ليس بسبب عودة الشمس للظهور – بل بفعل وميض آلات التصوير وكما بدأ الكسوف الكلي اختفى بنفس السرعة كانت أكثر اللحظات دراماتيكية بالنسبة لي هي تلك التي برز فيها أحد الخيوط الفضية للشمس من وراء القمر, جالبا معه ضوء النهار بكامله على الفور. وخطر لي عندئذ أن القليل من الضوء يكفي لينقشع الظلام.
وفي غضون دقائق قليلة من عودة النهار بدأت أعداد كبيرة من البشر تنهض وتغادر المكان وقد حيرني ذلك فالكسوف مازال مستمرا وكان معظم الناس يدمدمون متذمرين بأنهم (قطعوا كل تلك المسافات ومع ذلك فاتتهم في النهاية فرصة تجربة قد لا تتكرر إلا مرة واحدة في الحياة غير أن القليلين تريثوا حرصا على ألا تفوتهم أي لحظة من هذا الحدث, وقد تملكهم شعور بالسعادة والإثارة. أما المفارقة الأساسية فقد جاءت حين فرقت الرياح الاستوائية السحب من السماء وخلال خمس عشرة إلى عشرين دقيقة أصبحت السماء زرقاء صافية وأصبح الكسوف واضحا للعيان ولكن الناس الذين ظلوا كانوا قليلين, بينما عاد الغالبية إلى غرفهم وهم مستاءون يتملكهم شعور بالألم لأن توقعاتهم لم تتحقق
.
وكعادتي بدأت أجري مقابلات مع الناس أردت أن أعرف تجربتهم مع الكسوف وقد تحدث الكثيرون عنها كأهم تجربة روحية لا تصدق تمر بهم. حدثتني امرأة حامل وهي تربت على بطنها قائلة أن الكسوف أشعرها بطريقة ما بعلاقة أوثق مع طفلها الذي لم يولد بعد, وأن ذلك كان المكان المناسب لها لتتواجد فيه وهكذا فقد شهد هذا اليوم تباينا هائلا بين ما يحمله الناس من قناعات وما يتبنونه من قواعد في الحياة.
ولكن الأمر الطريف الذي أثار دهشتي واستوقفني هو مدى التأثير العاطفي الذي أحدثه أمر كهذا لا يعدو أن يكون ظلا استمر لمدة أربع دقائق وحسب. إن فكرت في هذا الأمر مليا فانه لا يعدو في أهميته معجزة شروق الشمس كل صباح. هل تتخيل أن يستيقظ الناس كل صباح في جميع أنحاء العالم ليشاهدوا الشمس وهي تشرق؟ وماذا إن عمدت نشرات الأخبار المحلية والعالمية لتغطية هذا الحدث بحماس, واصفة بتقارير عميقة صعود الشمس إلى السماء، وماذا لو قضى جميع الناس صباح ذلك اليوم وهم يتحدثون عن تلك المعجزة الهائلة؟ هل يمكنك أن تتخيل نمط مثل هذه الأيام؟ ماذا لو بدأت محطة ال سي إن إن مثلا برامجها في صباح كل يوم بالقول: (صباح الخير, لقد حدثت المعجزة مرة أخرى, إذ أشرقت الشمس؟ لماذا لا نفعل ذلك؟ لا شك بأن بإمكاننا أن نفعل, ولكن المشكلة أننا أصبحنا معتادين على هذه الظاهرة لقد اعتدنا على حدوث المعجزات حولنا في كل يوم بحيث أننا لم نعد نرى فيها معجزة بعد.
الحقيقة الكامنة خلف ذلك هي أن القواعد التي يتبناها معظمنا بالنسبة لما هو ذو قيمة تفرض علينا أن نتحرق لما هو نادر بينما نتغافل عن المعجزات إن كانت وفيرة حولنا ولا نقدرها حق قدرها. ولكن ما الذي قرر ذلك الاختلاف في استجابة هؤلاء الناس للحدث؟ ما الذي يجعل رجلا يبلغ به الاستياء حدا يجعله يحطم آلة تصويره في الحال, مقابل أناس لم يشعروا بالحبور في هذا اليوم فحسب, بل إنهم سيحسون بالشعور ذاته كلما حدثوا الآخرين عن ذلك الكسوف في الأسابيع والأشهر والسنوات القادمة؟
إن تجربتنا للواقع ليست لها علاقة في الحقيقة بهذا الواقع في حد ذاته, بل إننا نفسرها ونفهمها طبقا للقناعات التي تتحكم فينا, وخاصة القواعد التي نتبناها حول ما يجب أن يحدث لكي يغمرنا شعور حسن. إنني أسمي هذه القناعات المحددة التي تقرر متى نشعر بالألم ومتى نشعر بالغبطة, أسميها القواعد وفشلك في إدراك مدى قوة هذه القواعد من شأنه أن يدمر إمكانية شعورك بالسعادة طيلة حياتك, في حين أن فهمك الكامل لهذه القواعد واستخدامك لها يمكن لهما أن يحولا حياتك.
المرجع: أيقظ قواك الخفية
اسم الكاتب: انتوني روبنز
دار النشر: مكتبة جرير
سنة النشر: 2003
رقم الطبعة: الخامسة
رقم الصفحة: 398-401
كلمات مفتاحية: القواعد – السلوك – السعادة – تبني القواعد – القناعات
أرسل بواسطة: محمد طه
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=257
التعديل الأخير تم بواسطة نادية أمال شرقي ; 15-Apr-2009 الساعة 01:51 PM
المفضلات