◄مع انتشار أنواع متعددة من المعرفة والأفكار والأحداث نجد أنفسنا في تشتّت كلي لا نكاد نقدر معه الإبقاء على أذهان مركّزة لما نرغب أن نقوم به، ويتجاذبنا عندئذ ألف اتجاه واتجاه. وليس هناك إستراتيجية أبسط للمرء من وضع هدف واحد في الذهن والتركيز الكلي عليه، لأنّه عندما تنطلق بكل قواك الذهنية وبفعل تفكيرك المركز وتصرفك المدروس تصل أخيراً إلى ما يهمك، وعندها تكون السعادة الأمثل. تأتي النهايات السعيدة من وراء ذلك الصوت الخافت الذي يتردد صداه في داخلك وفي أعماقك وعقلك، من ذلك الحافز المثير في عواطفك ومشاعرك الذي يجعل الناس يتبعون أحلامهم سواء سمحت ظروفهم أو لم تسمح؛ لا يدعون شيئاً يُحبطهم لأنّهم يؤمنون بأن: كما القواعد وضعت لنخالفها كذلك الحدود وضعت لنتخطاها. لذا كن مدركاً بوضوح لما يجدر بك أن تفعله، فالنجاحات الرائدة هي "ثمار" التصرف العقلاني.
كثير من الناس يعزون نجاحهم الباهر إلى ضربة حظ مفاجئة، ولكن هذا الحظ السعيد الذي حالفهم لم يأت صدفةً إلا بعد سنوات من البحث والتجربة والمحاولة والإخفاق والتفكير الموجّه نحو أمر معيّن: يحبونه، يستشعرونه، يسمعون نداءه على مرّ الأيام ولم يكن بمقدورهم أن يحققوه، إلا أنهم ثابروا واجتهدوا وأخذوا يبحثون عن كل فرصة تُوصلهم إلى النجاح المرتقب. ومع الشعور بأنك تقترب أكثر وأكثر من الشيء الحقيقي تُدرك إلى حد كبير ماذا يعني أن تكون واعياً بشأن ما تتمناه. إنّ فعل الأشياء "بالرغم من..." وليس "لم يكن بمقدوري.." هو ثمن الدخول لكل حياة ذات تأثير هام. وعندما يُرسّخ المرء ذهنه لما يُريد أن يقوم به وينشغل بالتخطيط له مستبعداً كل ما عداه، فلابدّ أن ينجح مهما كانت المصاعب، ومثل هذا الرجل المصمم يستطيع حتى أن يصير وزيراً عظيماً.


المثال:


إنّ فعل الأشياء من باب "لم يكن بمقدوري" هو ما أوقع نبيل في حيرة من أمره مع زوجته حيث توترت علاقتهما لسبب بسيط: وهو أنّ زوجته (الموظفة) كانت تعرّج يومياً بعد عملها على منزل والدتها حتى ساعة متأخرة من المساء نتتظر فيها زوجها كي يعود من عمله الليلي ويقلّها إلى المنزل، وفي الطريق لا تنتهي المناقشات الحادة بينهما، يبدأ الحوار بالأسف على الوقت الضائع ولوم زوجها لها على شغفها بجلسات الثرثرة والحكايات النسائية.. ولكن ما يحدث وحسبما يُخبر نبيل:
"حين أعود مساء، أمرّ عليها في بيت والدها، أصعد، يصرّون على أن أجلس كي أشرب فنجان شاي، يتلوه فنجان قهوة، فعشاء خفيف، فدردشة.. فسهرة، وفجأة نكتشف أنّ الليل قد انتصف ونسرع عائدين إلى بيتنا.. وقد ضاعت منا لحظات عمرنا، وتجري الأيام والأسابيع والأعوام على هذا المنوال. مرة يكونون بانتظاري للذهاب في زيارة، ومرة أخرى لديهم ضيوف ونجلس لمشاركتهم السهرة.. حتى أخذتُ أشعر – وبمرور الوقت – أنني في علاقة اجتماعية تحيط بيّ وتأكلني كما يفعل العنكبوت حين يلتهم فريسته بالخيوط التي نصبها". ويتابع نبيل وهو يشعر بنوع

من الضيق من واقعه:

"لماذا نترك العمر يتسرب سدى؟ لماذا لا نستثمر الوقت فيما يمكن أن يفيد..؟؟
نقرأ شيئاً ينفعنا، ننضم إلى مركز دراسات، نتعلم لغة جديدة، نطرق أبواباً جديدة لعلاقات اجتماعية أخرى تضاف إلى رصيد حياتنا الخاصة. هذا ما يؤرقني صراحة ويضغط على أعصابي ووجداني.. وليست زيارة زوجتي لبيت ذويها التي تعتبرها القضية الأساس في انزعاجي اليومي..".
إذاً ما يُزعج نبيل هو السيناريو اليومي الذي لا يتغيّر.. والأمسيات التي تتوالى متشابهات وبدأت توتره لأنّه وجد بأن حياتهما أخذت تمر بروتين مملّ وأراد أن يضع حدّاً له.. ورغم أنّه أخذ يفكر بالبدائل مرة ومرتين وثلاث مرات كيف يمكن أن يحوّل وقته ووقت زوجته إلى قيمة تضاف إلى مستقبلهما.. لم يحسم تفكيره بفعل ملموس، لأنّه وقع تحت تأثير العاطفة التي كانت تثيرها زوجته حين حولت قضية ما ينزعج منه إلى قضية عدم رغبه بزيارة ذويها.. بهذا السياق كانت تلوي ذراعه.. ويبرر لها بأنّ لا دخل للعواطف في الموضوع، وتصر هي على موقفها حتى يصبح الحوار تراشقاً كلامياً حاداً... بينما إذا أرادا أن يضعا حدّاً لهذا "الضياع اليومي" ويجدا لحياتهما طعماً آخر فلابدّ من أن يرسخا فكرة التخطيط لما يُريدان أن يقوما به جدية وإحساساً وفعلاً.. وليس بتبادل الاتهامات، فقبل أن يتكلما مرة واحدة ليفكرا مرات ومرات.. لرب كلمة منطوقة سهواً نسفت علاقة طيبة ولرب تفكير موزون وحكيم أنقذ مواقف محرجة وأشاع سعادة.



- الملخص:


إنّك لا تستطيع أن تصيب هدفين بسهم واحد فإذا شطحت بأفكارك فإنك تخطئ الغاية، فيجب أن يعمل العقل والسهم معاً في تكامل، إذ باجتماع التركيز العقلي والحماس البدني والإحساس العاطفي يمكن لسهامك أن تصيب وتنفذ.


المرادف:


· العقل حجم من التركيز والكثافة وليس حجماً من الاتساع والامتداد. (شوبنهاور)
· إنّ مجرد معرفتك لما تريد بدقة لا يكفي إن لم تعرف أين تبحث عما تريد وكيف نجده. (باحث في المهارات الذاتية)
· التركيز على الأمور الهامة فحسب هو مفتاح النجاح، إلا أنّ الحذر مطلوب، الأمور التي تستحق الإنجاز لا تستحق أن تجهد نفسك لأجلها، وكذلك تلك التي تستحق أن تجهد نفسك لأجلها لا تستحق أن تفرط بالاهتمام بها، الأمر أشبه بطهو وجبة طعام فاخرة إذ يجب أن لا تبالغ في الطهي، وفي الوقت عينه ألا ترفعها عن النار قبل أن تنضج حتى الدرجة المناسبة