الذاكرة البشرية و أنواعها
حتى أثناء نومك
إن الباحثين في مجال المخ قد استطاعوا تحديد الفارق بين الذاكرة التصريحية والذاكرة غير التصريحية من النوع التلقيني من خلال النظر إلى التسجيلات التي تم رصدها لإشارات المخ المحتملة المرتبطة بالحدث (ERPS)- وهى إشارات للنشاط الكهربي التي تم رصدها عن طريق وضع قطب كهربائي على فروة الرأس. وقد ورد في دراسة حديثة تم نشرها في جريدة ناتشر Nature، والتي أظهر من خلالها الباحثون الإنجليز والاستراليون أن أنماط نشاط المخ مختلفة في كل من الذاكرتين التصريحية وغير التصريحية، وأنها تشتمل على شبكات خلايا عصبية في أجزاء مختلفة من المخ (انظر المربع التالي). إن الإدراك الواعي يعتمد على الفص الأمامي بصورة أكبر، بينما تعتمد الذاكرة من النوع التلقيني غير الواعي بصورة أكبر على الفصوص الجدارية الموجودة خلف المخ.


ذاكرة المصدر
ليس من قبيل المصادفة إذن أن الظاهرة التي تسمى بذاكرة المصدر- تذكر متى وأين وكيف تعلمت شيئًا ما – تعتمد بشكل كبير على الفصوص الأمامية للمخ. وتلك هي نوع الذاكرة التي يعانى الأطفال من قصور فيها نظراً للتطور البطيء للفصوص الأمامية للمخ (انظر المخ المخادع) عندما يُظٌهِر الأطفال حديثو الولادة أنهم يتعرفون على شيء ما – صوت أمهاتهم على سبيل المثال- تكون ظروفهم مشابهة لظروف هؤلاء الذين يعانون من فقدان الذاكرة المؤقت ممن لديهم ذاكرة ضمنية أو غير تصريحية وليس ذاكرة تصريحية. حتى بعد أن تبدأ الذاكرة التصريحية الواعية في التطور في النصف الثاني من عامنا الأول، تستمر أنظمة ذاكرتنا الضمنية في العمل وفي التأثير على سلوكنا خلال ما تبقى من حياتنا، حتى مع عدم وعينا بذلك.


الاختلافات بين الأساس العصبي للذاكرة التصريحية والتلقين
لقد تمكن الباحثون من تحديد أنماط مختلفة لنشاط المخ لكل من الذاكرتين التصريحية والضمنية من النوع التلقيني، لقد قدموا إلى الخاضعين للاختبار قائمة تضم العشرات والعشرات من الكلمات، وقد طلب من الخاضعين للاختبار استخدام نصف الكلمات الواردة في هذه القائمة ودمجها في عبارة. فإذا كانت إحدى الكلمات على سبيل المثال، أرجوحة شبكية، فربما يمكن دمجها في عبارة مثل :"لقد دخل اللص الذي قام بالسطو على البنك في سبات عميق على الأرجوحة الشبكية بعد هروبه"، وباستخدام الكلمات الأخرى في القائمة، يطلب من الخاضعين للاختبار ببساطة تحديد ما إذا كانت الأحرف الأولى والأخيرة من كل كلمة مرتبة هجائيًّا. وتقود المهمة الأولى، المشار إليها بمهمة المعالجة العميقة، الخاضع للاختبار على الأرجح إلى تذكر الكلمة المستخدمة بعد دقائق قليلة. فإنك، بصفة عامة، إذا أمضيت دقيقة في التفكير بشأن معنى معلومة ما، سيكون من الأسهل عليك تذكرها مما لو لم تقم بذلك، أما المهمة الأخرى المعروفة بالمعالجة السطحية، والتي ليس لها علاقة بالتفكير في معنى الكلمة، فلا تساعد كثيرًا في التذكر الواعي للعملية.


ثم يتم عرض كل كلمة من الكلمات على الخاضعين للاختبار بشكل متعاقب، واحدة كل خمس ثوان، مخلوطة بكلمات أخرى لم تكن واردة في القائمة الأولى. وعلى كل ممتحن أن يقرر ما إذا كان قد رأى كل كلمة من كلمات المعروضة عليه قبل ذلك أم لا، واتضح من خلال ذلك أنهم جنحوا إلى تذكر تلك الكلمات التي قاموا بمعالجتها بشكل "عميق" أفضل من تلك الكلمات التي تمت معالجتها معالجة "سطحية". لقد جنح الممتحنون إلى الوقوع في أخطاء بشأن تصنيف الكلمات المعالجة سطحيًّا حيث خلطوا بينها وبين الكلمات التي لم يسبق لهم رؤيتها من قبل.