حينما كنت في المرحلةالابتدائية ، وفي نهاية حصة الرياضيات .. كتب المدرس مسألة رياضية يتحدانا بها : س × 7 = 3
حينها رفعت يدي مباشرة لأقول لمدرسي وبكل ثقة : يا أستاذ ، المسألة ليس لها حل !

ابتسم أستاذي ثم قال : بل لها حل ..
فأجبته بنفس إجابتي الأولى وبثقة أكبر أني متأكد من أن المسألة لا حل لها ، فقيم السين الممكنة: الصفروالواحد والاثنين وجميع الأرقام؛
إذا ضربت في السبعة فمن المستحيل أن تكون الإجابة ثلاثة !

كانت ثقتي بنفسي كبيرة بأنه لا وجود لرقم يضرب في السبعة فيخرج الناتج بثلاثة ! لأن الأرقام في عقلي آنذاك هي الصفر والواحد والاثنين ... .
كبرت شيئا فشيئا ، فتعلمت ما يسمى بـ"الأعداد النسبية" وهي التي تحوي الكسور العددية ، كالنصف والربع والثمانية على الثلاثة وغيرها .

حينها عادت بي الذاكرة إلى صورة ذلك الطفل الذي قام واثقا ليقول لمدرسه: يا أستاذ،المسألة ليس لها حل !
وعادت بي الذاكرة إلى صورة المدرس وهو يبتسم قائلا: بل لها حل ..
وبين هذه الصورة وتلك ، تذكرت صورة المسألة التي كتبها لأجد من الأعداد ما يؤدي إلى النتيجة المطلوبة ،
ثلاثة على سبعة !



هذا الموقف البسيط ، هو مثال حي -لو تأملنا- لكثير من آرائناومواقفنا التي كنا نبنيها على معطيات معينة نرى من خلالها العالم ،
وأن العالم هو ما نملك من الأفكار والرؤى ، فما لم يتوافق معه رددناه ونافحنا عن رأينا بكل ثقة .

إن الذي يحكم على رأي معين بناء على أفكار معينة احتواها عقله ، لايرى في العالم سواها ؛ هو كذلك الطفل الذي رفع يده بكل
ثقة ليقول لمدرسه بأن المسألة لا حل لها .. ولا غرابة في إجابته إذ لم يكن حينها يعرف من الأرقام سوى الصفر والواحد والاثنين
وما شابهها من الأعداد الكلية ، فكان يبني رأيه من خلالها على جميع المسائل ، بل ويجزم بصحتها .

كل هذا يؤكد على مبدأ مهم ألا وهو الاستماع إلى آراء الآخرين بتفكر واعتبار ، وبخاصة إلى من لهم قدم في هذه الحياة وتجربة ونظر وحكمة ..
إن أكثر كلمة كانت تزعجني من أمي حينما كنت -جهلا مني- أناقشها في عدم قبولها لرأيي ، هو قولها " طبيعي أن تقول مثل هذا الكلام ، فلا زلت صغيرأوحينما تكبر ستعلم"
كانت تلك الكلمة تزعجني لأني كنت حينها أرى بأن أفكاري ورؤاي قد اكتملت بما وهبني الله به من عقل يمكنني من بلورتها على نحو لا مجال للشك فيصوابها .
وعلى إثر تلك الصور ، عشرات من المواقف التي كنا نرى أنفسنا فيهاعلى جادة الصواب ثم ما تلبث الأيام لتمضي إلا ونتعجب ، كيف قلنا بهذا ؟ وكيف فكرنا بتلك الطريقة ؟!

ما أود الوصول إليه من كل ما سبق ، هو أن لا نبني أفكارنا ومواقفنا كما لو كانت نصوصا مقدسة لا تحتمل الخطأ ، لأن هذه الأفكار إنما بنيت على معطيات معينة ،قد تكون صائبة وقد تكون خاطئة ، وهي على أقل أحوالها إن كانت صحيحة؛ قد تكون مفتقرة إلى غيرها من المعطيات التي بها قد تتغير النتائج والأفكار ،فالعالم مليء بالمعطيات التي لا نعلم منها إلا القليل ، والقليل جدا . وقد لاتكمن المشكلة في وفرة تلك المعطيات ، إنما في طريقة التعامل معها لاستخراج الأفكار والرؤى .
وكل هذا يدعونا إلى الاستماع لآراء الغير ، ووضعها في أدنى الاحتمالات موضع نظر وروية واعتبار ؛ لأن صحتها قد لا تتضح إلينا إلا مستقبلاً ..

(منقول)