من الأصدقاء الذين يعتز انتوني روبنز بصداقتهم مارتن شين وزوجته جانيت. فقد تزوجا منذ ثلاثين سنة تقريبا, ومن الأشياء التي يحترمها فيهما أجل الاحترام هو مساندتها التامة لبعضهما البعض, ولعائلتهما ولكل شخص يحتاج للمساندة بصورة قد لا يتصورها الناس انهما مثال للاستقامة, والتشبيه المجازي الذي يستعملانه للعالم هو أنه (عائلة عملاقة) ولذا فانهما يشعران بأعمق شعور بالعطف والاهتمام حتى بالناس الغرباء.

روى لي مارتن القصة التي حركت مشاعري حول كيفية تبدل حياته منذ سنوات أثناء تصوير أحد أفلامه. اذ قبل ذلك كان يرى الحياة على أنها شيء لابد من الخوف منه. أما الآن فهو يرى فيها تحديا محيرا.. لماذا ؟ إن تعبيره المجازي الآن هو أن الحياة هي عبارة عن لغز وهو يحب لغز كونه إنسانا, كما يحب شعور الدهشة واحساسه بالاحتمالات التي تنفتح بحكم التجارب التي يخوضها يوما بعد يوم، ما الذي غير الصورة المجازية ؟ الألم الشديد. فقد كان ذلك الفيلم يصور في أعماق غابات الفلبين وكان جدول التصوير هو من الاثنين حتى الجمعة, وفي يوم الجمعة ليلا كان هو وزوجته يتوجهان إلى مانيلا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع غير أنه في إحدى عطلات نهاية الأسبوع كان على مارتن أن يبقى في مكان التصوير لأنه كان عليهم أن يستكملوا التصوير في صباح السبت أما زوجته فكانت قد التزمت بالتوجه إلى مانيلا لشراء عين اصطناعية لأحد العاملين – الذي كان فقيرا بحيث انه لا يستطيع شراءها – ولذا قررت أن تتوجه هي إلى مانيلا وفي تلك الليلة وجد مارتن نفسه وحيدا وأخذ يتلوى ويتعرق بغزارة وبدأ يشعر بألم شديد.

وما أن حل الصباح حتى أخذ يعاني من نوبة قلبية شديدة و وأصبحت بعض أجزاء جسمه شبه مخدرة ومشلولة وقد وقع أرضا وقد خارت قواه, وبفعل قوة ارادته وحدها زحف خارجا من الباب وأخذ يصرخ طالبا المساعدة. يقول انه وهو ملقى على الأرض مر فعلا بتجربة الموت, اذ شعر فجأة آن كل شيء هادئ تماما وناعم وكان يمكنه أن يرى نفسه وهو يتحرك عبر البحيرة والماء عن بعد وأخذ يفكر: (يا الهي هل هذه هي عملية الموت) وحينذاك أدرك أنه ليس يخاف الموت وأنه في الواقع كان يخاف الحياة كما أدرك في تلك اللحظة أن الحياة في حد ذاتها هي التحدي وفي الحال اتخذ قرارا بأن يعيش جمع كل قطرة من طاقته المتبقية ودفع يده ليشد بعض العشب. وبتركيز كلي رفع العشب إلى أنفه, وكان لا يكاد يحس شيئا.

وما أن شم رائحة العشب حتى عاد الألم وعرف أنه ما يزال حيا, ولذا ظل يقاوم حين اكتشفه العاملون في الفيلم كانوا واثقين بأنه سيموت. وبملاحظة التعابير على وجوههم وتعليقاتهم أخذ مارتن يتساءل ما إذا كان سيعبر هذه الأزمة. أخذ يفقد قوته, وحينذاك قرر الطيار الموجود بين العاملين في الفيلم أن الوقت يمضي بسرعة ولذا خاطر بحياته وقاد طائرة الهليكوبتر على الرغم من شدة الرياح لكي يصل به إلى المستشفى في المدينة. وما أن وصل إلى هناك حتى نقل على النقالة وأدخل غرفة الاسعاف حيث ظل يتلقى اشارات وهو في تلك الحالة من الوعي الناقص بأنه على وشك الموت كان يزداد ضعفا لحظة بعد لحظة.

وما لبثت زوجته أن وصلت, حيث كانت قد أبلغت أنه أصيب بسكتة قلبية, وأبلغت بخطورة حالته غير أنها رفضت قبول ذلك, وكانت تدرك أن مارتن يحتاج لمن يمده بالقوة, كما أدركت أن عليها أن تكسر نمط خوفه وخوفها أيضا. لذا اتخذت اجراء فوريا ونفذته بجملة واحدة. اذ ما أن فتح عينيه حتى ابتسمت ابتسامة عريضة وقالت انه مجرد فيلم سينمائي يا صغيري! انه مجرد فيلم! ويقول مارتن أنه أدرك في تلك اللحظة بأنه سيتغلب على حالته وبدأ يتماثل للشفاء ما أروع هذه الصورة المجازية!

اذ بدت المشكلة على أنها ليست بتلك الخطورة, بل أصبحت أمرا يمكنه التعامل معه (فالفيلم لا يستحق أن يصاب المرء بنوبة قلبية من أجله) كان هذا هو المعنى الضمني لما قالته زوجته, بل إن هذه الرسالة تغلغلت أبعد من ذلك في حالة نصف الوعي التي كان فيها فالألم الذي تعاني منه وأنت تمثل فيلما لا يستمر أبدا, فهو غير حقيقي, وسيقول المخرج في لحظة من اللحظات: (قف! وكان استخدام جانيت لهذه الصورة التشبيهية رائعا في تعطيل نمطه, وساعدت هذه الصورة النمجازية المفردة مارتن على استجماع قواه, وهو يعتقد حتى هذااليوم أنها هي التي أنقذت حياته.

لا تؤثر التعبيرات المجازية على الأفراد فقط, بل كذلك على المجموعات البشرية وعلى العالم ككل. اذ أن هذه التعابير التي نتبناها ثقافيا قد تشكل ادراكنا وأفعالنا, أو عدم قيامنا بالأفعال. وتجدر الاشارة إلى أنه خلال العقود الماضية, وبعد الرحلات الفضائية إلى القمر أخذ الناس يسمون الأرض (الأرض سفينة الفضاء) وعلى الرغم من أن هذا التعبير المجازي بدا عظيما إلا أنه لم يقم بدور حسن في خلق استجابة عاطفية بسفينة للتعامل مع كوكبنا من الناحية البيئية لماذا؟ اذ إن من الصعب أن ترتبط عاطفيا بسفينة فضاء, فهي مفككة لنقارن ذلك بالمشاعر التي يحققها التعبير المجازي (أرضنا الأم) كم سيختلف شعورك حول حماية أمك مقارنة بالمحافظة على نظافة سفينة فضاء؟ كما أن الطيارين والملاحين يصفون طائراتهم وسفنهم باعتبارها نساء جميلات وهم يقولون (انها الجمال بعينه) لماذا لا يقولون (انه الجمال)؟ لأنهم سيتصرفون بخشونة أكبر مع السفينة أو الطائرة إذا تعاملوا معها وإنها رجل ضخم بدين اسمه جو بدلا من كونها أميرة جميلة القد, رشيقة القوام تنساب عبر الهواء أو البحر المتألق.










المرجع: أيقظ قواك الخفية
اسم الكاتب: انتوني روبنز
دار النشر: مكتبة جرير
سنةالنشر: 2003
رقم الطبعة: الخامسة
رقم الصفحة: 250-252
كلمات مفتاحية: تغيير التصورات الداخلية – كسر الأنماط – استخدام اللغة
أرسل بواسطة: محمد طه
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=245