من المثير إدراك أن اختيار استجابتنا إزاء الظروف، يؤثر بقوة على ظروفنا، فإذا ما غيرنا جزءاً من المعادلة الكيميائية، فإننا نغير بالتالي من نتائج المعادلة. كنت لسنوات عديدة اعمل مع إحدى المؤسسات التي كان يترأسها رجل يتسم بالحيوية الديناميكية، كان هذا الرجل قادراً على استشراف التوجهات، وكان خلاقاً، موهوباً، متمكناً ولماحاً – وكان الجميع يعرف عنه ذلك، غير أن أسلوبه في الإدارة اتسم بالتسلط "الديكتاتورية" حيث كان يميل إلى معاملة الآخرين كأنهم مجرد "سعاة" كما لو أنهم يعوزهم اتخاذ أي قرار. كانت طريقته في التحدث إلى من كانوا يعملون في المؤسسة "اذهب إلى هذا... اذهب إلى ذاك... والآن افعل كذا, الآن افعل ذاك – إنني سأتخذ قراراً.."

كانت المصلحة النهائية لهذه التصرفات تغير جميع أفراد فريق المدراء المحيطين به تقريباً والذين كانوا يتجمعون في ممرات الشركة ويتبادلون الشكوى منه، وكانت مناقشاتهم كلها على أقصى قدر من الحذلقة والبلاغة كما لو كانوا يحاولون إنقاذ الموقف. غير أنهم استمروا في هذا النهج دونما نهاية، محلين أنفسهم من أية مسؤولية تحت ستار نقاط الضعف في رئيسهم.

وقد يقول أحدهم: "لا يمكنك أن تتصور ما حدث آنذاك، لقد دخل في ذلك اليوم إلى القسم الذي اعمل به. كان كل شيء جاهزاً. غير أنه لدى دخوله أبدى إشارات مخالفة تماماً. لقد قوض كل شيء استنفدت شهوراً طويلة في عمله، وبمنتهى الذهول. إنني لا أدري كيف سأستمر في العمل من أجله، وكم يستغرق الأمر لحين تقاعده ؟" ويبادر شخص آخر إلى القول: "إنه ما زال في التاسعة والخمسين هل تظن أنك ستتحمل لست سنوات أخرى؟"

إنني لا أعرف أنه من نوعية الأشخاص الذين لا يتقاعدون بأي حال من غير أن أحد المدراء كان من النوع الايجابي، كان ما يدفعه هو القيم وليس المشاعر. لقد اخذ زمام المبادرة. لقد نوقع، وتمثل الوضع وفهمه، لم يكن غافلاً عن نقاط ضعف الرئيس، ولكنه بدلاً من أن ينتقدها، رأى أن يعوضها، فحيثما كان الرئيس ضعيفاً في أسلوبه، كان أن يحاول أن يعوض موظفيه وتبين أن هذا الضعف أمر ثانوي. لقد كان يؤكد على نقاط القوة في الرئيس – على رؤيته، وموهبته وإبداعاته.

لقد ركز هذا الرجل على "دائرة تأثيره" لقد كانت تتم معاملته كساع أيضاً، غير أنه كان يحاول أن يفعل أكثر مما هو متوقع. كان يتنبأ باحتياجات الرئيس، وكان يتفهم أعماق اهتماماته غير الظاهرة. لذا، فإنه لدى تقديم معلومات ما إليه، كان يشفع ذلك بتحليل لها مع توصياته المرتكزة على هذا التحليل.

وفي يوم ما كنت في لقاء مع الرئيس في جلسة مشورة حين قال لي: "ستيفن، إني لا أكاد اصدق ما فعله هذا الرجل. إنه لم يكتف بمجرد تزويدي بالمعلومات التي طلبتها، بل أضاف إليها معلومات أخرى هي بالضبط ما نحتاج إليه, وعلاوة على ذلك قدم لي تحليله لها في الإطار الذي يتوافق مع أعمق اهتماماتي، مشفوعة بقائمة من التوصيات."

"لقد كانت التوصيات متناسقة مع التحليل، كما كان التحليل متسقاً مع المعلومات. إنه رجل رائع! كم يشعر المرء بالراحة حينما لا يجد مدعاة للقلق إزاء الجانب الذي يضطلع بمسؤوليته في العمل" وفي الاجتماع التالي له مع المدراء كانت توجيهاته "افعل هذا".. "افعل ذلك .." موجهة إلى الجميع باستثناء شخص واحد، لقد كان سؤاله لهذا الرجل هو، "ما رأيك ؟" لقد اتسعت "دائرة تأثيره". حرك هذا الأمر الركود داخل المؤسسة، وبدأت العقول الانفعالية في الأورقة تطلق قذائف أحقادها تجاه هذا الرجل الايجابي.

إن من طبائع الأشخاص الذين لا يمتلكون روح المبادرة أن يتملصوا من تحمل أية مسؤولية، وأكثر الأمور سلامة أن يقول، "لست مسؤولاً". وإذا قلت: "أنا المسؤول" فلقد يكون واجباً أن أقول: "أنا لست أهلاً لتحمل المسؤولية" ولسوف يكون من الصعوبة البالغة بالنسبة لي القول بأنني أمتلك القوة لاختيار استجابتي، وأن الاستجابة التي اخترتها قد أسفرت عن ضلوعي في بيئة سلبية، تصادمية، خاصة إذا ما كنت لسنوات أحل نفسي من أي مسؤولية عن النتائج بدعوى ضعف شخص ما آخر.

وهكذا ركز هؤلاء المدراء على استقاء المزيد من المعلومات، والمزيد من القذائف، والمزيد من البراهين للأسباب التي لا تجعلهم مسؤولين. غير أن هذا الرجل كان يمتلك روح المبادرة أيضاً تجاههم. وشيئاً فشيئاً، بدأت "دائرة تأثيره" تتسع لهم كذلك، واستمرت في تمددها إلى حد أن أحداً في المؤسسة لم يكن ليصدر عنه أية تحركات مهمة دون أن يكون هذا الرجل ضالعاً فيها وموافقاً عليها، بما في ذلك الرئيس وفي نفس الوقت لم يكن الرئيس يشعر بأنه مهدد؛ نظراً لأن قوة الرجل كانت مكملة لقوته ومعوضة لضعفه، وهكذا فقد توافرت لديه قوة رجلين، وفريق معاون.

لقد كان النجاح الذي أحرزه هذا الرجل غير معتمد على ظروفه، وفي حين يجد عديدون آخرون أنفسهم في نفس موقفه فإن استجابته الاختيارية لهذه الظروف. وتركيزه على دائرة تأثيره، هي التي أوجدت هذا الفرق. هناك من يفسر كلمة "روح المبادرة" على أنها تعني مقتحم، عدواني، أو غليظ المشاعر، غير أن الأمر ليس كذلك البتة. إن الايجابيين ليسوا مقتحمين. أنهم أذكياء، تدفعهم القيم، أنهم يقرءون الواقع ويعرفون ما هو المطلوب.

أدر فكرك ناحية الزعيم الهندي غاندي، ففي حين كان خصومه داخل الدوائر التشريعية ينتقدونه لعدم انضمامه إلى دائرة همومهم البلاغية بإدانة الامبروطورية البريطانية لإذلالها للشعب الهندي، كان غاندي يطوف بحقول الأرز، موسعاً في هدوء، وتأن، ودأب من "دائرة تأثيره" مع العاملين بالحقول. وقد مشت في ركابه عبر إرجاء الريف موجات التأييد، والثقة والإيمان، وعلى الرغم من أنه لم يكن متقلداً لمنصب وزاري أو مكانة سياسية، فقد تمكن في نهاية الأمر من خلال التعاطف، والشجاعة، والصيام والإقناع الأخلاقي، أن يضطر انجلترا إلى الجثو على ركبتيها وإنهاء السيطرة السياسية التي رزح تحتها ثلاثمائة مليون شخص، والفضل في ذلك لدائرة تأثيره التي لم تتوقف عن التوسع.









المرجع: العادات السبع للناس الأكثر فعالية
اسم الكاتب: ستيفن ر. كوفي
دار النشر: مكتبة جرير
سنة النشر: 2004
رقم الطبعة: السادسة
رقم الصفحة: 120-121
كلمات مفتاحية: روح المبادرة – دائرة التأثير – قرار – إدارة – قيادة – جمع معلومات
أرسل بواسطة: محمد طه
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=127