بعد انتهاء الحرب الضارية التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية في شمالي إفريقيا، وفي اليوم الثاني من الاحتفال بانتصاراتها، وكان لي ابن أخت يخوض الحرب، بعثت إلي إدارة الحرب ببرقية ثانية، أخبرت فيها بقتله.. لن أبالغ إذا قلت بأن الحزن أخذ مني كل مأخذ وحطم كياني وزعزعني وجعلني أعيش في دوامة ما عرفت مثلها دوامة قوية قلبت حياتي من سعادة إلى حزن وملل. كنت قبل وصول هاتين البرقيتين المشؤمتين أركز حياتي على عملي الذي دأبت على أن أوليه كل اهتمامي. وفي هذه الفترات السعيدة التي تملأ حياتي مكتملة كان ابن أختي الذي ربيته وأنشأته على الأخلاق القويمة والطبع الحسن، والتصرفات الرشيدة، وقد أعجبني فيه كل ما كان يعجبني من شاب طيب العنصر، قوي الشكيمة سلس المعشر، حاد الذكاء، إن رعايتي له وجدت، ما تأملت أن أجده منه عندما يكبر، وبالفعل لاقيت ضالتي. إلى هنا والسرور مرفوف في بيتي لكن لدى وصول الرسالتين من إدارة الحرب تعكر صفو هذه الحياة بفقدان عنصرها- ابن أختي- ولم أعرف طعما للذتها.

بعد هذه الحتمية المريرة لواقعي المرير رحت أسأل نفسي، لماذا كتب لطفلي الموت وهذا الحتم الشؤم لماذا؟ لماذا قدر لهذه الزنبقة أن تذوي كما يذوي القضيب من الرند؟ لم أستطع إيجاد أجوبة لهذه الأسئلة، وفي هذه اللحظات الأليمة التي أعيشها لم أجد أقسى من الواقع الذي يغمني بدون رغبة فيه.

صدقوني فيما أقول.. لقد قررت جمع حوائجي من مقر عملي إيذانا بالاعتدال منه، وبينما أنا أفعل هذا عثرت على خطاب كان قد أرسله لي ابن أختي الذي فقدته يعزيني بوفاة والدتي منذ بضع سنين، وقد جاء في الخطاب ما معناه: سنة الحياة الأكيدة، وأنا أعلم بأنك ستفقدين أمك، وذلك تنفيذا لما هو مكتوب في قانون الحياة، اعلم هذا مما علمتنيه في الحياة ولقنتنيه، وأني ذاكرك ولن أنسى ما ابتعدت عنك -خالتي- عودتني أن أبتسم في كل ما هو محتوم حين نتوصل إلى حل له وعلمتني القبول بما لا بد منه.

بالفعل واصلت طريقي في الحياة عاملة بموجب ما قاله لي ابن أختي منذ بضع سنوات من إزالة حزني عليه،… وانتقلت إلى ميادين متعددة في الحياة ناشدة آفاقا جديدة، متعرفة على أصدقاء جدد، وكأن حياتي انقلبت جديدة بعيدة عن الحزن… وأدركت أني لم أفعل هذا إلا بعد أن اقتنعت بحتمية الأمور والواقع.









الكتاب: دع القلق وابدأ الحياة
الكاتب: دايل كارينجي
دار رحاب 2000
ص:80
كلمات مفتاحية: الحرب، الولايات المتحدة الأمريكية، شمال إفريقيا، إبن أخت، برقية، وفاة، حزن، سنة الحياة، ابتسم،حتمية.
أرسل بواسطة: وردة بلحسيني
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=369