تنتج الغيرة المرضية عند كثير من الاطفال غالبا من عملية التنافس الأخوي، التي يخلقها الأهل، وقد تبدأ عند الطفل بعد السنة الأولى من العمر وذلك عندما يرى أمه ترضع طفلاً آخر من دون تهيئة نفسية مسبقة، أو يراها تحمل صغيراً غيره وتهمله نجده يحاول بكل الطرق ابعادها عنه.


ان تربية الأولاد ومعاملتهم كإخواتهم البنات، يجعلهم رجالا ناجحين وأقوياء في المستقبل.


بعض الأهل يطلبون من الولد، حتى وان كان صغيرا، ان يتصرف كرجل، وهذا قد يسيء إلى نفسيته، وخاصة عندما لا يستطيع انجاز عمل ما، ومثل هذا التعامل مع الولد قد يزيد من فرص اصابته بمشكلات سلوكية في فترات الطفولة وبأمراض نفسية وعقلية عندما يكبر.


يعتقد البعض أن التعامل مع الصبي يتطلب الحزم والشدة وعدم التسامح معه والقسوة والعقاب، وذلك لتدريبه وتعويده على هذا النمط من السلوك وبالتالي سوف ينشأ ويتصرف ضمن هذه العقلية، غير ان الدراسات النفسية والسلوكية توصي بعدم الضغط على الطفل الذكر، لأن ذلك لن يكسبه رجولة وصلابة،


بل اضطراب في مكوناته النفسية وخلل في أسس التنشئة الصحية، إن ما يحتاج إليه الطفل الذكر هو العطف والاهتمام والرعاية مثل البنات، علماً أن الأطفال الذكور أكثر عرضة من الإناث للاصابة:


1ـ بصعوبات القراء والكتابة.


2ـ مرض التوحد.


3ـ متلازمة «اسبيرجر»


4ـ الاضطرابات السلوكية.


5ـ زيادة النشاط وقلة التركيز.


وهذا مما يستوجب رعاية إضافية.


ان معاملة الصبي كالبنت من حيث الحنان والعطف يزيد ثقته بنفسه ويقلل من عدوانيته ومشاعر العنف لديه، ويزيد سيطرته على نفسه بشكل أفضل، فهذه المعاملة ستجعل الصبيان يتصرفون كالبنات، ليس من حيث الأنوثة والدلال، وإنما من حيث اكتساب قدرة أفضل على التماسك والصبر، فيقل خطر تعرضهم للاصابة باضطراب فرط النشاط وعجز الانتباه، ويتحسن أداؤهم الدراسي وتحصيلهم العلمي.


ويمكن تفسير بعض الاضطرابات السلوكية لدى الأولاد:


1ـ بسب مطالبة الأهل والآخرين لهم بعدم التصريح بمشاعرهم، بل بخنقها وعدم التعبير عنها بهدف اكتساب الصلابة والقوة والقدرة على التحمل، وهو ما يؤدي إلى قلة نشاطهم الذهني وضعف ذكائهم وانخفاض درجاتهم في الامتحانات، مقارنة بالبنات، لذا فليس هناك أي هدف صحيح من الضغط على الأطفال الذكور.


2ـ بسبب التمييز في المعاملة بين البنت وبين أخيها كونه ذكراً، وهو مفضل من قبل والده والآخرين، الذين يسكنون معهم في البيت نفسه، حيث يعاقبون البنت على أي سلوك مزعج تقوم به وبالمقابل لا يعاقبون أخاها على أي شيء فعله، والهدايا والنزهات والكلام اللطيف غالباً ما يكون من نصيبه، مما يسبب الحزن لها وكراهيتها لأخيها ولكل من يهتم به.


3ـ يعود السبب الأخير إلى العادات السائدة في المجتمع العربي، والتي تولي الأبناء اهتماما أكثر من البنات، مما يؤدي إلى وجود فروق بين الذكور والاناث في مستويات الأمان والاستقرار العاطفي والنفسي.


وينبغي على الوالدين عدم التفرقة في المعاملة بين الذكور والإناث، بل توفير الرعاية النفسية والمادية بالمقدار نفسه لجميع الأطفال على حد سواء.


إن الوالدين والمدرسين يلعبون الدور الرئيسي في تشكيل الغيرة لدى الأطفال، من خلال الاهتمام الذي يبدونه لأحد الأولاد دون سواه، فقد يخلق ذلك في نفوس باقي الأولاد عقدة الغيرة أو عقدة التنافس المرضي، كما أن بعض الآباء او المدرسين يظنون ان التنافس ظاهرة صحية ويسعون لزرعها في الأولاد، وذلك من خلال تشجيع أحد الأولاد دون غيره، لتميزه في حاجة ما، رغبة منهم في حث الآخرين على التزام السلوك السليم أو التفوق دراسياً مثله، إلا أن ذلك ينمي الضغينة والبغضاء في نفوس الأولاد، وخاصة إذا كان عن طريق عقاب الآخرين وتركه يفعل ما يشاء، وذلك يولّد عقدة التنافس والتي قد تتحول إلى الحقد المتبادل.


إن المقارنات التي يجريها الكبار بين الأطفال الذين يعانون من صعوبات ما، مع غيرهم من الأطفال الناجحين، غالباً تخلق في نفوس الاطفال عدم الثقة بالنفس «عقدة النقص»، وبذلك يتحمل الآباء والمدرسون خصوصاً، وباقي الكبار عموماً، دوراً كبيراً في تنمية هذه العقدة في نفوس الاطفال والمراهقين،


حيث تزداد لديهم مشاعر النقص بسبب ما يلجأ إليه الكبار باستمرار من أساليب اللوم أو الاستهزاء، كأن يقول المدرس للتلميذ: «أنت تلميذ فاشل» أو الأب لابنه أنت ولد غبي، وغالبا ما يتوهم الكبار أنهم بهذه العبارات يستحثون الاطفال على الاعتراف بالخطأ والعمل على اصلاحه، ولكنهم لا يدركون الدلالة التربوية والنفسية الخطرة لتلك العبارات، فتولّد في نفوسهم تأثيراً عكسياً.


ان توفير الصحة النفسية لاطفالنا في مراحل نموهم المختلفة يتطلب الوقوف على احتياجاتهم النفسية ومساعدتهم في اشباع هذه الاحتياجات لكي يشاركوا بايجابية في مجتمعهم الصغير