بدأت القصة عندما بدأ يكبر...

كان شاباً في سن المراهقة...
وكأغلب الشبان... كانت طباعه تختلف عن طباع والديه...ولكنها ليست تلك الطباع السيئة...

ولكن...في نظر أبويه كانت سيئة!!!
في كل يوم كان يسمع من والدته هذه التعليقات....
لم ترتدي القميص بهذه الطريقة؟!!!
لماذا تفتح أزرار القميص هكذا؟!!!
لماذا تسرح شعرك بهذه الطريقة؟!!!
أخفض صوت الموسيقا... ماهذا النوع من الأغاني الذي تسمعه؟!!!

لماذا تقف في باب الشرفة؟!!! وإلى من تنظر؟!!!
ادخل بسرعة وإلا أخبرت والدك...

وكان الوالد عصبي المزاج جداً...
ولم يفكر لمرة فقط، كيف يقيم علاقة صداقة بينه وبين ابنه...

مرت الأيام والشاب على نفس الحال....
يشعر بأنه وحيداً ولا أحد يفهمه...
والأبوان يشعران بأنه شاباً يمر في مرحلة مراهقة ويجب منعه من كثير من الأشياء...

وذات يوم طلب من والدته أن يذهب لبيت صديقه الذي في الشارع المقابل يريد أن يسهر قليلاً معه...
ولكن الأم رفضت...

حاول أن يسألها عن السبب...ولكنها لم تجيب...واكتفت فقط بقول" ممنوع"...
بعد عدة أيام...
عاد الابن وطلب منها الذهاب لبيت صديقه...وبدأ يعدها بأنه سينفذ كل ماتريده، إن هي وافقت وأقنعت أبيه بذهابه...ولكن...!!!
كان جوابها سريعاً "ممنوع"...

بدأ الابن المراهق يتذمر من منعها دون مبرر...
كما أن أصدقاءه من طرف آخر بدؤوا يعلقون على عدم مجيئه.."وكعادة كل الشبان في هذا العمر"...
" آآآآه أنت لاتتجرأ على القدوم "...
" هل أهلك لايثقون بك؟؟؟"...
" لم لاتحضر أبيك معك ليجلس مع أبي بينما نحن نجلس ونمرح قليلاً!!!"...
" لماذا لايدعونك تتمتع بحريتك وبشخصيتك؟؟"...
" هل يشكون بأنك ستسلك سلوكاً خاطئاً إن تواجدت معنا؟؟"...
وغيرها...وأكثر.. من التعليقات التي بدأت تحبس أنفاس ذلك الشاب...

وفي يوم من الأيام ...
كان أصدقاءه مجتمعين في حفلة ميلاد أحد الشبان...
فلم يكف عن إلحاحه مترجياً بأن يوافقوا على خروجه للحفلة...ولو لساعة فقط...
وبدأ يتوسل بكل الأساليب التي تضمن لهم بأنه لن يتأخر...وبأنه لايريد أن يبدو أمام أصدقائه بأنه الوحيد الذي لم يأت للحفلة...

ولكن عبثاً...
خرج الأب من البيت ليتابع عمله...

جلس الابن في غرفته حزيناً...تتوالى الأفكار في رأسه...
تارة تأخذه إلى بيت صديقه عنوة عن أهله...
وتارة أخرى ترميه وحيداً في غرفته لا يتجرأ على أخذ قرار...
بدأ يجد نفسه ذلك الصغير الرضيع الذي لايستطيع الكلام أو المشي...
وبدأ يشعر بحدة أنفاسه تتصاعد رافضة هذا الوضع وهذا التسلط" كما شعر هو به"..
وفجأة ...
قرر أن يفتح الباب متحدياً أبويه ليخرج للحفلة...
وإذا بالأم تقول له "إن خرجت سوف أقول لأبيك أن يقفل الباب وليس لك عودة إلى هذا المنزل"...

نظر إليها نظرة حزينة...
وفتح الباب وخرج....

خرج وكأنه يخرج من زجاجة ضيقة أحس أنهم وضعوه فيها منذ ولادته...
خرج ولم يكن يريد الحفلة...بل كان يريد أن يتنفس الصعداء....
خرج إلى مجتمع آخر يراه هو من وجهة نظره ملاذه الذي يهنأ به...

عاد بعد انتهاء الحفلة وإذا بباب المنزل موصداً في وجهه...!!!!!
بدأ يطرق ويطرق ولكن...دون جدوى...

كان يتمنى لو أنه سمع صوت أقدام أمه تركض مشتاقة لتفتح له الباب...
تركض لتفتح وتضمه...وتسأله " هل قضيت وقتاً ممتعاً مع أصدقائك"...

كان يتمنى أن ينزل من بيت صديقه ليرى أبيه منتظراً أمام المبنى...ليقول"هيا بني...لقد انتظرتك هنا لأصحبك للمنزل معي...هيا حدثني عن الحفلة.."..

وبين ماتمناه الشاب ومايحدث أمام الباب....تلاشت تلك الأفكار...فجلس على الأرض يبكي...
ومن شدة بكائه طرق على الباب بقوة كفيه التي كادت أن تحطمه...
وهو يصرخ...
"أبي ....أمي ...أنا أحبكم ولم أقصد أن أتحداكم...ولكني أريد أن أعيش حياتي كما أراها مناسبة لي...
ساعدوني أرجوكم.....أحبكم....وأحب بيتي....أحب غرفتي....ولكنني..!!!
أكره تلك الزجاجة الضيقة التي تضعوني فيها....
أبي ....أمي...."......

كانت تلك الكلمات آخر كلمات قد نطق بها...ثم اختفى الصوت...

ظن أبواه أنه قد رحل من أمام الباب...
فدخلا إلى غرفتهما وأبى كل منهما أن يفتح الباب...
وكانت ليلة من أتعس وأسود الليالي التي عاشاها...

لم تغمض عينيهما...ولكن...
كانت المعتقدات التي تعم رأسيهما عن ابنهما العاق أكبر من أن يركضا ويفتحا الباب له...

ومضت تلك الليلة الباردة طويلة طويلة كأنها أكثر من عام...
وفي الصباح..
كان الأب كعادته يهم بالخروج إلى عمله...
وماإن فتح الباب...!!!!

حتى ارتمى ابنه الذي كان مسنداً على الباب أمامه..
وهنا...
تذكر أنه ابنه...
هنا تحركت عاطفته...
بدأ يصرخ ابني...حبيبي...
بدأ يضرب بكفيه على وجهه يريده أن يصحو....ولكن.........................!!!!! !!!!

كانت آخر كلمات نطقها هذا الشاب قبل أن يفارق الحياة هي تلك الكلمات التي كان يرددها من خلف الباب......
" أبي ....أمي ...أنا أحبكم ولم أقصد أن أتحداكم...ولكني أريد أن أعيش حياتي كما أراها مناسبة لي...
ساعدوني أرجوكم.....أحبكم....وأحب بيتي....أحب غرفتي....ولكنني..!!!
أكره تلك الزجاجة الضيقة التي تضعوني فيها....
أبي ....أمي...."......


الاختلاف بين الآباء و الأبناء...
هذا الموضوع يهمنا جميعاً..
وكلنا عشناه في مرحلة من مراحل حياتنا...وأحسسنا في كثير من الأحيان أننا داخل تلك الزجاجة التي كان يشعر بها ذلك الشاب...


إذاً.. أين تكمن المشكلة ؟؟ هل المشكلة فينا أم في أهلنا؟؟
ما سبب اتساع الفجوة الدائم بين الآباء والأبناء ؟؟
ما هو الحل الأمثل لمثل هذه المشكلة وهل هذا الحل بأيدنا نحن أم بأيديهم هم ؟؟؟
هذه دعوة لنا جميعاً لنفكر بما يجب القيام به حيال أبنائنا...
دعوة لنا...
لنجعل من أبنائنا أصدقاءاً لنا....أو بالأصح لنجعل من أنفسنا أصدقاءاً لأبنائنا.....

من الممكن أن تستخدم هذه القصة في دورات العلاقات الأسرية...
أو في الدورات التي تخص التواصل...
أو في فن التواصل مع المراهقين...