الثلاثة التي ما من إنسان إلا ويتوقف فيها، وتلك المواقف:

أ - موقفنا في الدنيا. ب - موقفنا في الحياة البرزخية (القبر). جـ – موقفنا في المَحْشر يوم القيامة.

ففي تلك المواقف الثلاثة التي لا بد وأننا سَنَمُرُّ فيها، نحن في أمس الحاجة إلى من يرشدنا إلى طريق النجاة الذي يرضي الله تعالى:

أ ) ففي الدنيا قال لعبد الله بن عمر: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"([1])، وقال صلى الله عليه وسلم: "مالي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب اَسْتَظَلَّ تحت شجرة ثم راح وتركها"[2]، فأوضح لنا عليه الصلاة والسلام أن الدنيا ليست غاية يلهث وراءها المسلم، إنما هي وسيلة لنيل رضا الله تعالى.

ب) وفي القبر أخبر عليه الصلاة والسلام أن هناك منكرًا ونكيرًا، يسألان الإنسان عندما يوضع في القبر، والقبر إما أن يكون روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، كما أنه حَثَّنا على زيارة القبور قائلاً بأنها تذكرنا بالآخرة، وعندما يخبرنا عليه الصلاة والسلام بما يدور في القبر، فإن قلوبنا تتهيأ للاستعداد لذلك اليوم.

جـ) موقفنا في المحشر يوم القيامة: بَيَّن لنا عليه الصلاة والسلام أن الناس يُحْشَرون حُفاة عُراة غُرْلاً (غير مختونين) على أرض بيضاء، والكل فَزِعٌ، خائف، والناس في اضطراب، ثم أوضح لنا عليه الصلاة والسلام أن الشمس تنزل حتى تصل على ارتفاع ميل، وقد وصف الله ذلك اليوم بأنه بمقدار ألف سنة، وأخبر الصادق المصدوق أن هناك زمرة من المؤمنين يُظِلُّهُم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، منهم الحاكم العادل، والرجل الذي ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، والمتزاورون في الله والمتحابون في الله تعالى.

فقد جَسَّد لنا عليه الصلاة والسلام تلك المواقف الثلاثة (الدنيا، القبر، المحشر) حتى نكون على بصيرة لاجتيازها مُؤمِّلاً لنا عليه الصلاة والسلام أن ننال الجنة وننجو من النار، ونظرًا لذلك كله، ألا يكون هذا داعيًا لنا بأن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من والدنا وولدنا والناس أجمعين ؟!


ثانيًا: كيف نغرس حب الرسول

(1) اتخاذه القدوة الأولى للأطفال، وتعميق حبه في نفوسهم.

(2) بأسلوب مناسب لقدرات الأطفال نبين لهم فضل النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة الإسلامية.

(3) باستخدام الإثارة المُشَوِّقَة والمُحَبَّبَة للنفوس نَقُصُّ عليهم سيرته العطرة.

(4) نُعَلِّمُهُم الصلاة على النبي (يقولون صلى الله عليه وسلم) عندما يسمعون اسمه عليه الصلاة والسلام.

(5) نُربيهم على السلوكيات التي كان يتمثل بها عليه الصلاة والسلام، كطَلاقَة الوجه والسماحة وإلقاء السلام وحب المساكين وطاعة الوالدين والإنفاق في سبيل الله...

(6) تحفيظهم الأدعية اليومية التي كان يدعو بها عليه الصلاة والسلام، وذلك باستخدام أسلوب التدرج في التعليم، ومن أمثلة أدعيته اليومية، دعاء الاستيقاظ من النوم والدعاء عند الانتهاء من الأكل، ودعاء الخروج من المنزل...

(7) توجيههم ومتابعتهم نحو حفظ أحاديثه الشريفة، وليكن لكل أسبوع حديث واحد على الأقل، وتلك الأحاديث تكون قصيرة ومناسِبة لقدراتهم الذهنية والاستيعابية، ومثال ذلك:

قوله صلى الله عليه وسلم

"أفضل الإيمان الصبر والسماحة"([1])

"مَنْ صَمَتَ نجا"([2])

"أَفْضَلُ العبادة الدُّعاء"([3])

****



ثالثاً: الثمار التي نجنيها من حبه

(1) حب الله لنا:


حب الله لنا ثمرة من أطيب الثمار اليانعة نقتطفها من محبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَ اللهَ فَاتَّبِعُوْنِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوْبَكُمْ واللهُ غَفُوْرٌ رَحِيْم)([1]).

يا لها من محبة يتمنى أن يَبْلُغَهَا كل مُوَحِّد لله رب العالمين.


(2) اكتمال الإيمان:

من اكتمال الإيمان حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث خير دليل على ذلك، والمؤمن يحرص دائمًا على اكتمال الإيمان في نفسه ووجدانه، أفلا يود أن يتوج إيمانه بحب خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ؟!

(3) الارتقاء لمعالي الأخلاق والفضائل:

المُحِبُّ مُولَعٌ بتقليد المحبوب، والله تعالى أرسل إلينا حبيبنا محمدًا صلى الله عليه وسلم لكي ينتشلنا من دياجير الظلام إلى نور الإسلام، وأمرنا بحبه والاقتداء به، وإذا أحببناه أحببنا أعماله التي أضاءت قلوبنا، فها هو متواضعًا، خافضًا الجناح للمؤمنين، صادقًا، موفيًّا بالعهد، محبًّا للفقراء، أمينًا، متسامحًا، حليمًا، منفقًا في سبيل الله، تلك الفضائل يجب أن نتحلى بها؛ لأنها تمثلت في محبوبنا، ومن ثَمَّ يجب أن نترجمها واقعًا من خلال سلوكنا الظاهري ناتجًا من حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

والنفس اكْتَنَفَتْهُما المادية فلهثنا وراء الدنيا، وأسلوب تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الدنيا عَبَّر عنه في حديثه الذي قال فيه: "مالي وللدنيا إلا كراكب اسْتَظَلَّ تحت شجرة ثم قام وتركها"، فهذا مقدار الدنيا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للآخرة مكانًا كبيرًا في نفسه ووجدانه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرًا ولضحكتم قليلاً"، وترجم ذلك عمليًّا عندما كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، وهاهو أحد الصحابة يصف حالة الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء الصلاة، فقد قال رضي الله عنه: "كان له أزيز كأزيز المِرْجَل"، والمِرْجَل القدر المملوء بالماء والموضوع فوق النار، فعندما يصل لدرجة الغليان يتحرك الماء بداخله ويُصْدِر صوتًا، فصدر رسول الله يصدر صوتًا تأثرًا بتلاوة القرآن. فحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعلنا مرتقين وجدانيًّا وروحيًّا متذكرين حالنا في القبر والآخرة.

(5) حب المسلمين أجمعين:

أث
مر حب رسول الله صلى الله عليه وسلم محبتنا لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن والصحابة رضي الله عنهم، كما أثمر حب التابعين رحمهم الله وحب جميع المسلمين الذين سبقونا بالإيمان، كما أثمر حب المسلمين الذين يعيشون معنا الآن، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه"، وتلك المحبة الأخوية أثمرت التكافل الاجتماعي.. فعلى سبيل المثال مسلمو الكويت يتصدقون لإخوانهم المسلمين في إفريقيا وأفغانستان، فأعانوا إخوانهم مسلمي إفريقيا على توفير المواد الغذائية والقضاء على الجهل ومحاربة الأمية بفتح المدارس والقضاء على الأمراض بفتح المستوصفات، كما أعانوا إخوانهم في أفغانستان بتوفير المال اللازم لهم لشراء السلاح وتوفير الأجهزة الطبية والمستشفيات كمستشفى الفوزان الذي يقوم بإجراء العمليات للجرحى المجاهدين.. فكل ذلك يدعونا للتساؤل.. ما سبب تلك المساعدة ؟! أهناك رابط دنيوي أو مصلحة مادية لا ورب الكعبة.. إنها المحبة التي أمرنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فأثمرت تلك الثمار اليانعة التي شملت المسلمين بمشارق الأرض ومغاربها