إذا كان الكائن البشري يتمــيز بالعقل ويسمح بشكل إرادي لأحاسيسه بالتأثير عليه، فإنـــه قادر على ضبط هذه الأحاسيس والتحكم فيها بفضل التحكم في النفس وضبطها.



ماذا كنا سنكون من غير القدرة على ضبط النفس؟ لا شك كنا سنكون وحوشا كاسرة، متعطشــــة للدماء، لا تتبــــع ســـوى غرائزها.


هذه القدرة على عــــدم التصــــرف على عجـــل ودون تفكيــــر مسبــــق، يجب أن يُعــــاد فيــــها النظـــر في حياتـــنا على الدوام.


لدينا في موروثنا الإسلامي أثرا نبويا يقرر أصالة ضبط النفس، ويوضح كيف أنها علامة على الـقوة.


يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) رواه البخاري، والصُّرعة أي الذي يغلب الناس بقوته. فالقوة تتجلي في القدرة على ضبط النفس.


إذا كان بإمكاننا فعـــلا أن نتصف بهــذه القدرة، فإن بعـــض الأحداث قد تنتـــصر علينا وتجعــــلنا نخضـــع لبعض الأحاسيــــس الشيطانية التي تهيمن على وعينا وتقوده إلى الهاوية في بعض الأحيان.


هناك أيــــضا بعض الأحاسيس التي لهـــا مظـــاهر خارجية أو بعض السلوكات المكبوتة اجتماعيا قــد تبرز في هذا الإطار مثل: الغضب ، العنـــف…


ضبط النفس والتحكم فيها ينتج إذن عن استيعـــاب الضوابط الاجتمـــاعية والسلوكات التي يتعين تبنيهـــا في محيطنا الاجتماعي.


من أجل الارتقاء في حياتنا اليومية و في بيئتنا، من الواضح أنه يجب علينا أن نعرف كيف نحــــد من بعض ردود الفعل مثل الاندفاع.


إليك بعض النصائح التي ستمكنك من ألا تتجاوز الحدود وأن تطور ضبطك لنفسك.


1. ضبط النفس من خلال تحليل حياتك
من أجل بلــــوغ الشخصـــية المتوازنــــة يتعيـــن ممارسة عمليـــة استبطـــان ذاتي عميقة.


فـبتحليل أي جزئية صغيرة أو كبيرة مـــن حيــــاتـــك، ستتمكن من تسليط الضــــوء على الجوانـــب والأحاسيس التي ينبغي السيطرة عليها، والتي قـــد تشكل نقصا أو عيبا فيك.


هل لديك مشكلة في كيفية التصرف مع الانتقادات؟ وخوف دائم من الفشل أو الرفض؟


بسبرك لأغوار ذاتك وتحديد أحاسيسك العميقة، ستعرف الأســـباب الكــــامنة وراء مثــل هذه التـــوعكـــات، التي قـــد تسبب خللا في حياتك ؛ ومن تمة تستطيع تجاوزها.


أغلب الناس الذين يتصرفون بطريقة عنيفة، أي الذين لم يتمكنوا من جعل ضبط النفــــس عنصرا حاضرا في شخصيتهم، هم غير متقبليــن لضعفهم.


لا ينبغي أن نخجل من الفشل أو أن نكون سريعي الإثارة والغضب، يكفي أن نكون واعين بحدود الأحاسيس التي قد تظـــهر على السطح، حتى لا ننفجر في لحظة ما. فضبط هذه الأحاسيس هو ضبط النفس.


لا تنس أن المعرفة هي السلطة، وبالتالي، فمعرفتك وإدراكك لنزوعـــك إلى التصرف بطريقة مبالغ فيها، هو خطوة باتجاه تقوية ضبط النفس لديك.


2. ضبط النفس كــمُولد للتحفيز
بمجرد أن تتمكن من رصد العناصر التي قد تكون مسئولة عن الضعف في ضبطك لنفسك، سيكفيك أن تركز على هذه العناصر بشكل يومي، لتتمكن من تحويلها إلى محفزات.


لا داعي لتكرار الحديث عن الدور الريادي للتحفيز الذاتي في الارتقاء بالذات. فقد تحدثنا عنه بما يكفي.


إن مجرد انتقاد موجه إليك قد يجرفك بعيدا ويجعلك تتصرف تصرفا غير محسوب، ولتفادي مثل هذه التصرفات العشوائية سيتعين عليك أن تتمرن على تصريف غضبك بطرق أخرى غير المواجهة: تسجل في جمعية رياضية للجمباز مثلا أو تابع تمارين في الملاكمة أو قم بنزهات طويلة في الغابة…


يتعين إذن أن تبحث عن أنشطـــة موازية، تمكنـــك من استعـــادة بعـــض الاستقــــرار النفسي.


هناك ارتباط بين ما يركد بداخلك من أحاسيس سلبية وبين ردود الفعل غير المحسوبة.


الأحاسيس السلبية التي قد تكون متخفية بأعماقك، قد يتم إثارتها بواسطة بعض المثيرات الخارجية، لكن يجب ألا تسمح لها بإثارتك، لتُــصدر ردود فعل عشوائية وغير مناسبة، فتكون بذلك، أنت الزيت وهي عود الثقاب.


3. ضبط النفس تُــقويه الثقة في النفس
التفاعلات الاجتماعية تقوم على هذا النحـــو: دائمـــا ستقابل أشخاصا مستعدين لزعزعة استقرارك…


إذا حدث أن بلغوا هدفهم ستكون أنت الخاسر الأكبر.


وعلى العكس، إذا نجحت في إدراك أنك أكبر من هذه الحركات، حينها ستكون لمحاولاتهم تلك نتيجة واحدة، هي تبيان طيشهم.


فأشخاص يحسدونك، يغارون منك… ماذا ستفعل بآرائهم؟


الثقة بالنفس هي تحديدا تلك القدرة على عدم الخضوع لنظرة الآخرين.


فأنت تعرف من أنـــت وماذا تريد… حافظ على هذه القوة التي تجسد ضبط النفس.


بتشكيكك في نفسك ستقوض مصداقيتك في أعين الناس، وبالتالي سيضعف ضبطك لنفسك. كيف ستصل إلى درجة أن تتصرف بطريقة رائقة وهادئة إذا كنت تُــعِر أحكامَ الآخرين اهتماما كبيرا؟


أنت تعرف الجواب…


لكي تضبط أحاسيسك، يجب أن تفسح لها المجال لتعبر عن نفسها، وأن لا تكبتها، شريطة ألا تسمح لها بأن تملي عليك سلوكاتك.


لا تطرح الكثير من الأسئلة، فقط كن كما أنــــت، وستلاحظ كيف ستتغير نظرة الآخرين إليك.


إذ ليس صعبا أن نميز الأشخاص الذين يتظاهرون بشخصيات غير شخصياتهم ويتصارعون مع أحاسيسهم الداخلية.


وضبط النفس هو تلك القدرة على تقبل الأحاسيس وإدماجها في الشخصية، لتشكيل كلا متجانسا.


لا تنس أبدا أنه من أجل الاحتفاظ بضبط النفس يجب أن تحتفظ بما يمكن أن نسميه الروِيـــة في الوعي وأن تتصرف بعقلانية في أيما موضع.