لا شك أن التحفيز يلعب دورا رياديا في التنمية الذاتية وفي السعي لتحقيق السعادة.


من دون هذه القـــوة الداخلية، وهذه الإرادة لتقــــديم أحســــن ما لدى الذات، سيصعـــب التوفر على ميكانزمات النجــاح والتقدم.


ولكن، نحن جميعا ضحايا للهــــو، والرغبة في الاستلقاء والراحة… فمــن ذا الذي لا يريد جلب مذاخيل من دون عمل؟ ومن ذا الذي لا يريد أن يقلص من جهوده بينما يحصل على نفس المكافأة.


لا تقلق من ذلك، فهذا المسلك النفسي أمر طبيعي تماما. وأعتقد أنه حتى أولئك الذين سوف يدعونك إلى تغيير هذا المسلك، يبالغون قليلا.


اختلاق الأعذار ذلك النزوع إلى التخلـــص مـــن المسؤوليـــات، بتبريـــر النقص في المحفزات بعناصـــر خارجيــــة “سأفعل، ولكن يمكن أن” “على كل حال لقد اشتغلت بما يكفي بالأمس” “وهل بإمكاني أن أركز على عملي بينما لدي كل هـــذه المشاكل العائلية” ” لا، لا أرغب في ذلك، سأقوم به لاحقا”…


من شأن هذا السلوك أن يطمـــرنا بسرعة في دوامة من السلبية والتسويف (ثقافة التأجيل)، وهذا السلوك يجعلنا نغفل عن أهدافنا اليومية ونفقـــد في نهاية المطاف طعم التحدي المتمثل في مواجهة تحديات العمل بطريقة جيدة.


وإذا كان اختلاق الأعذار يسمـــح لنا بالشعور ببعض الراحة نظرا للتخلص من “ثقل” الواجبات، فإنها –أي الأعذار- تقوض رؤيتنا على المدى الطويل، وغالبا ما تولد شعورا قويا بالذنب والتأنيب.


نقترح عليكم بعض النصائح التي ستمكنكم من تجديد حوافزكم الذاتية، والحـــد من اختلاق الأعذار.


1. التحفيز الداخلي كحـــالة نشـــوة
لا يعني حديثنا عن نشوة أننا سنخوض في حديث صوفي صرف…


ولكن عندما نتحدث عن نشوة فإننا نتحدث عن ذلك الزخم أو ذلك السنـــد النفســي، الذي يُــكوِن فينا إرادة متينة للوصول إلـــى أهـدافنــا و إلى الاندفاع في أي نشاط كيفما كان.


وليس إنجـــاز هــذا النشــاط هو ما يمدنا بالراحة الذاتية، بل بالأحرى أن نتم إنجازه على الأرض، أي أن نجد ذاتنا فيه بالملموس. هذا بالذات ما يُشعــرنا بالفخـــر.


تـــذكر كيف أحسستَ عندما أنهيت عملا تطـلَّـــب منك إنجـــازه أسابيـــع من البحـــث؟ أو حتى عندما أنهيـــت امتحانات كنتَ قد قضيت وقتا طويلا في الاستعداد والتحضير لها.


إن الإشباع والارتياح الناتـــج عن تحفيزاتنـــا الذاتية هو سعادة عرضـــية تسطــع على نشاطنا اليومـــي، تجعلــــنا نرتقـــي في إنجازاتنا.


لا أخفيكم أنني أكون متحمسا في اللحظـــة التي تنشر فيها مقالة من هذه المقالات. أما أثناء كتابتها، فأتساءل إذا ما كنت سأصل إليكم كما أود أم لا؟


وهكذا ستكون الرغبة في المشاركة معكم محفزا بالنسبة إلي.


2. التحفيز الذاتي من خلال الاستبطان.
الأعذار التي نختلقها أمام الأشخاص المحيطيــن بنا، هم ليسوا بالضــــرورة واعــــون بحقيقتها، ولكنــنا ننظـــر إليها علــى أنها مبــررة ومقنعــة.


ولكــن الشخص الوحيـــد الذي يعرف تفاصيل الموقــف بخصوصيـــاته وعموميـــاته، هو أنت نفســك. أجل، يمكننا أن نخدع الآخرين بجعلهم يتقبلون الأعذار التي تذرعنا بها أمامهم. ولكن هل هذا هو الأهم؟


بدلا من أن تسعى جاهـــدا لاختـــلاق الأعــذار، لمــاذا لا تسبــر أغـــوار فطنتـــك لكـــي يتسنـــى لــك تسليـــط الضــوء على الأسبــاب الحقيقية لنقــص محفزاتك الذاتية واتجاهك للأعذار.


التحفيز الذاتي لا يأتيك من تلقاء نفسه عندما تستيقظ صباحا. إنه ثمرة تفكير وإعادة نظرة دائم. إنه هو تحديد أهداف ملموسة، قابلة للتحقيق، ومفيدة هذا ما يمكنك من تطوير محفزاتك الذاتية.


من أجل أن تعــزز تحفيــزك الذاتي وأن تصنــع منـــه حالــة وعـــي صحيــحة، يبدو أنه من اللازم أن تعــرف مـا الذي تنتظره من نشاطك اليومي.


ما الذي بإمكانك تحصيله من نشـــاطك اليومي فيما يخص الإشباع الذاتي؟ وكيف تجســـده فــي الواقع؟ هل المجهودات المبذُولة في تناسق مع النتيجة والمكافأة؟


وفي حالة غيــاب هــذا التناسق، حينها ستكون ملزما بالتفكير في وضعـــك. السعي إلى تحقيق السعادة يمــر عبر مكافأة الذات والازدهار في أنشطتــنا اليومية . وإذا كان شغلــك لا يتطـــابق مع شخصيتك، فلا تُــخْف ذلـــك.


يجب أن تكـــون واعيا بأنه لـــم يــفت الأوان للتغيير في حيـــاتك، على شرط أن تكــون خطتــك للتغييــر واضحة ومتينة. يجب أن تـثــق بحـــدسك، فهو سيدلك أين تكمن محفزاتك الذاتية.


3. التحفيز الذاتي كمؤشر على حالتــــك الصحية
الأعذار التي نستخـــدمها لتبريـــر غياب المحفزات الذاتية لدينا أو نقصها، هي مظاهـــر عن حــالة صحتنا النفسية. جسدنا أو عقلنا يبعث لنا إشارات و إخطارات إن صح التعبير عما نعيشه من تدهور وتعب.


الأسباب متعــددة ومتنوعة (إرهاق، إجهاد…) ويجب عدم تجاهلها. فالمحفزات الذاتية يمكن أن تدفعنا أحيانا إلى تجاوز ما لدينا من معوقات.


أن تجدونني أشاركــكم هذه المقالات بعد بذل جهود البحث والتمحيص، فهذا لا يعني أنني كنت دائما أكثـــر التزاما وتحـــملا للمسؤوليـــة، بل على العكس كنت أراني أكثر الناس تقاعسا وخمولا. الآن كل ذلك أصبح من الماضي.


الآن أقضـــي وقتـــا طويلا في البحـــث وتدقيــق المعلومات والمقارنة بينــــها وترتيبـــــها، وحتى عندما أتناول وقتـــا للراحة أجدني أفكـــر في هذه المواضيع، أشعر أحيانا أني منهك، وهنا أدرك بأنني يتوجب علي الاعتناء بنفسي.


الجســـد لا يمكــن أن يكون تابعا للعـــقل دائمــــا، يجب أن تحترم ذاتك بتوفير وسائل العيش في ظروف جيدة للحفاظ على أقصى قدر من الكفاءة.


الترفيه، أخــــذ وقت للراحة… هي عـــوامل لازمة لتهدئة نفسيــــتك.


لا تهمل حالتـــك الصحية.


إذا كنت بـــدأت في اختلاق الأعذار من أجل تخفيـــض إيقـــاع عملــك، أو من أجل تخفيف نشــــاطاتـــك، حينها يجب أن تلتفـــت إلى حالتـــك الصحية.


يمكن أن يكون لاوعيــك يحاول أن يقول لك شيئا ما.


4. التحفيز الذاتـي والمخاوف اللاشعورية
تفسيــــر اختلاق الأعـــــذار والــذي يحـــد من تجاوز إملاءات الأنا، والتركيز على الأهـــداف الشخصيــــة، لا يكمن في تلك الرغبة الصغيرة في عدم القيام بأي شيء أو في نقص المحفزات الذاتية.


في الواقع، الكثير من الأشخاص سطروا أهدافا قابلة للتحقيــــق، أهدافا ملموسة وذات فائدة، لكن لديهم ذلك الخوف من النجاح. هم يعرفون جيدا أنهم وحدهم من يتحمل المسؤولية في تحقيق هذه الأهداف.


المحفزات الذاتيــــة إذن دائما حاضـــرة، ولكن هناك مجال لظهور مجموعة من الضغوط، تضغـــط باتجاه تعكير نفسيتهم وتقديرهم لذاتهم. الأعذار التي يطلقونها تكون بمثابة “الوقاية” أو الفراش الذي يضعونه لتخفيف آثار السقوط المتوقع.


نحن لا نتشكك أكثر من اللحظة التي يكون فيها النجاح في متناول اليد…


المحفزات الذاتية تتأثـــر ببيـــئتنا وقيمنـــا ورؤيتنا للعالـــم من حولنا.


ومن أجل أن نبرر غيابها أو نقصها نعمد إلى اختلاق التبريرات والأعذار، كمحاولة للتهرب من مواجهة مسؤولياتنا: مسؤولية أن تأخذ بيد نفسك لتباشر العمل، مسؤولية أن تحاسب نفسك ومسؤولية أن تصل إلى السعادة.