من أسهل المهام التي صار الناس يتكفلون بها بمهارة هي إطلاق الأحكام على الآخرين، وجعلهم ضمن أطر محددة لا يخرجون عنها! ففلان بخيل.. وفلانة عنيدة.. وفلان أناني و.. و.... إلى آخر تلك الصفات السلبية أو الإيجابية منها ككريم.. ومثابر وخلوق وحساس و.. و... المهم أنهم يضعون له بروازاً ليكون ضمن الإطار منذ نعومة أظفاره، فينشأ وقد اعتاد على الصفة التي وضعت عليه كبصمة لا يمكنه الفرار منها مهما حاول ذلك! وكل تصرفاته تُفسّر وفق هذه السمة أو تلك! فكّر بنفسك.. هل وُضعت ضمن أي إطار منذ نعومة أظفارك، وتحاول الآن التمرد عليه فتجد صعوبة بذلك؟ ومَن حولك.. هل تطلق عليهم أحكامك أيضاً وتعاملهم وفقها؟ إحباط التغيير المشكلة تكمن حينما يرغب شخص بأن يطور نفسه، فيجد تيار المجتمع كله يقف ضده ويعامله وفق الحكم الأول الذي أطلق عليه، مما يجعله يُحبط ويسأم المحاولة! فكوني أنانياً مثلاً مهما فعلت سيجعلني أركز على نفسي أكثر! إذ ما جدوى أن أثبت شيئاً يرفض الناس الاقتناع به! أليس كذلك؟ وحتى نتطور لا بد لنا أن نخرج من حدود هذا الإطار، وننطلق دون قيود، وحتى نجيد إقامة العلاقات السوية نحتاج ألاّ نحشر الآخرين بهذه الأطر، وألاّ نحكم عليهم بنظرة مسبقة! كرم أم سذاجة؟ ! سامية –مثلاً- اعتادت أن تثق بالآخرين، وأن تعطي دون حدود.. لكنهم كانوا دوماً يلقبونها بالساذجة! كانت هذه العبارة كفيلة بأن تجعلها ترثي لحالها دوماً، وتشعر ألاّ أحد يقدّر ما تقوم به.. كانت محبطةً جداً، حتى أتى اليوم الذي قرأت فيه السيرة النبوية بنظرة أخرى، وأدركت كم كان الصحابة يختلفون، وكم كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرتقي بهم ويربطهم دوماً بالله والأجر.. وقررت أن تعمل على نفسها لتكون كما تطمح، نموذجاً للمسلمة الذي تفخر به.. بقيت تعطي، لكن صار للعطاء معنى آخر بداخلها، واكتسبت الكثير من الثقة بفهمها لنفسها والآخرين، وإدراكها لمنظومة الحياة وكيف ترتبط بالله في النهاية! بالمقابل كان عماد يتمتع بشخصية قوية، ويفرض سيطرته على الآخرين.. كلهم كانوا يهابونه ويتملقون له بقولهم: إنه القائد المثالي، كان فخوراً بنفسه.. فقد نشأ منذ كان صغيراً بين أبوين يعطيان قيمة للثقة والقوة ويفخران به، وما كان يبالي بقسوته ما دامت شعار القوة التي يصنفه بها المجتمع. فوجئ حينما تزوج بدموع زوجته التي تزيده تصلباً وقسوة، وتلتها نظرات الرعب بعيون أطفاله، التي ذكّرته بطفولته حينما كان ضعيفاً.. وتنبه فجأة أنه لم يستمتع بلحظة حب حقيقية في حياته، ولم يكن قادراً على بناء علاقات ناجحة مع من حوله. شعر بالفشل يلفه بقوة.. واكتشف أن الإطار الذي وُضع فيه لم يكن هو الاختيار المفضل بالنسبة له! وقرر أن يعيد حساباته مجدداً، ويتحرر من ذلك الإطار المزعج.. الآن زوجته تحتويه بحب وأطفاله يلتمون حوله، وجميعهم يعيشون السيرة معاً ليربيهم على أن تكون قدوتهم حقيقية لا من عالمه المزيف! وهكذا نجد الكثير من الناس عانوا بسبب أطر ظالمة وُضعوا بها، فأثرت سلباً على حياتهم، وأعاقت مسيرتهم قبل أن يكتشفوا الخلل.. فهلا أعدنا حساباتنا، وتحررنا من هذه الأطر لننطلق ونحلق عالياً في سماء الإيمان والعطاء والإنجاز الحقيقي..