مع السنين حققت النجاح من خلال عملي ولكن، رغم محاولاتي المتواصلة لم أستطع محاصرة المواصفات ولا التفاصيل المميزة بدقة.

حينما باشرت بحثي حول موضوع النجاح، قمت بمقابلة أشهر وأنجح الرجال في العالم وإجراء لقاءات صحفية معهم. كنت مهتماً بمعرفة كيفية تحقيقهم لهذا النجاح. وكنت أريد الحصول على وصفة واحدة تغطي جميع حالات النجاح. وفي الحقيقة كانت لكل شخصية من الشخصيات التي تباحثت معها حول هذا الموضوع، نظرة مختلفة عن سر نجاحها. رغم هذا، لم أنقطع عن تجميع كل المعلومات التي كنت أعثر عليها، ولا يمكنني القول أنني وجدت ما كنت أبحث عنه.

في ذات يوم.. كنت في مدينة دالاس ألقي محاضرة عن سيكولوجية النجاح حينما أتتني امرأة قائلة: «دكتور الفقي، كل ما قلته جميل، إلا أنك لم تتطرق إلى الشيء الوحيد وهو الفارق المميز». ولما رأت دهشتي قالت: «القرار، دكتور الفقي، القرار!».

فتحت هذه الكلمة عيناي - وهنا في دالاس، وجهت السؤال إلى الحاضرين: «كيف يمكنكم قبول التغيير وممارسته في حياتكم؟».. فأبدى المشتركون وجهات نظرهم - من هذه النقطة، قمت بجمع المعلومات واستمريت في طرح ذات السؤال في جميع الندوات والمؤتمرات التي ترأستها في العالم مستعيناً بمحصلة معلوماتي. وتمكنت في النهاية من تطوير ما أسمّيه «نموذج التغيير» الذي جزأته إلى ست مراحل رئيسية:

المرحلة الأولى - لاحظ:

في أغلب الأحيان، نؤدي الأشياء دون التفكير فيها. قد يكون شخص مدخن ومتسرع في اتخاذه لمواقف دفاعية، دون أن يعي أو يلاحظ تصرفاته. إن الخطوة الأولى على طريق التغيير، هي أن تدرك الشيء الخاطىء أو السيء الذي تفعله، ويؤدي ذلك إلى المرحلة الثانية.

المرحلة الثانية - قرِّر: كيف يفعل مدمنو التدخين للتوقف عن التدخين في الحال؟ الجواب ليس بعيداً: «القرار». إذا كان موضوع مثل التدخين ذو أبعاد صحية خطيرة، حسم الموقف هو الإجابة الوحيدة. يجب أن يستند هذا القرار إلى طاقة عالية، وإلى إيمان بأن التغيير ممكن. وبهذا نفتح باب المرحلة التالية.

المرحلة الثالثة - تعلَّم:

مع أن قرار التغيير هو بالغ الأهمية، إلا أنه ليس كل شيء، وعليك أن تتعلم كيف تمارسه. خذ مثال شخص يجهل السباحة، مع أنه قرر أن يصبح سباحاً ماهراً، إلا أن القرار لن يجدي بمفرده، دون قيام الشخص ببذل الجهود اللازمة لتعلّم الحركات الأساسية للسباحة.

ينطبق الشيء ذاته على الاتصال الجيد. فأنت تتعلم التحكم في انفعالاتك وتقييمك للناس من أجل تحقيق تفهم أفضل للآخرين. كما هو الحال بالنسبة لأي شيء آخر، فإن طرق التعلم عديدة ومتنوعة: محاضرات، كتب، شرائط كاسيت وفيديو، ندوات ومؤتمرات. يمكنك إذا شئت مضاهاة شخص لديه السلوك الذي ترغبه. وبعد تعلمك شيء جديد، يمكنك الانتقال إلى مرحلة أخرى.

المرحلة الرابعة - استوعب:

يتفادى بعض الناس المعالجة على خطوات، ويحاولون إحداث التغيير في مرة واحدة. إلا أن هذه الطريقة أصعب وقد تؤدي فيما بعد إلى تجنب التغيير وتفاديه نهائياً.

وازدياد وزن الجسم، يسبب الآلام التي يسببها، يدفع الناس إلى اتخاذ قرارات حاسمة في هذا الصدد. يحضر البعض المؤتمرات والندوات ويقرأ البعض الآخر الكتب والمجلات ويبذلون كل ما في وسعهم لتعلم كيفية فقدان الوزن الزائد - ويطبقون الأشياء التي تعلموها بالرياضة البدنية اليومية والاستغناء عن المأكولات المحذرة - ثم فجأة يتوقفون عن التمرين ويعودون إلى أكل الطعام غير المناسب. ومع الأسف، يسترجعون كل الوزن المفقود.

هنا تظهر ضرورة الدمج. إن الخطوات الصغيرة السهلة الإجراء والتحقيق تجعل التغيير تلقائياً. كلما ازدادت الخطوات المرحلية، كلما كان ذلك أفضل. والزيادات البسيطة تمكنك من استيعاب أفضل لما تعلمته، حتى تتم برمجة كل ذلك في مستوى أعمق من عقلك اللا واعي. وتنشأ العادة، وهي عادة جديدة في الواقع تحل محل العادة القديمة. ومن هنا إلى المرحلة التالية.

المرحلة الخامسة - الممارسة:

قم بممارسة ما استوعبته في حياتك يومياً، لأن متطلبات العادات القديمة سوف تزحف إلى الخارج، ولن يكن ذلك بالشيء الميسر لأنه سوف يتم اختبارك.

من الطريف قول ذلك، ولكن عقلك اللا واعي سوف يختبرك لمعرفة ما إذا كنت ترغب حقاً في أن يحل سلوكك الجديد مكان الأنماط الحاصرة السابقة. والذين توقفوا حديثاً عن التدخين مثلاً، سوف يجدون من الصعب مقاومة الدخان لأن نمط إشعال السيجارة كائن فيهم. سوف يكون الاختيار صعباً وقاسياً خصوصاً في تلك الأوقات التي اعتادوا فيها التدخين بكثرة، ولنقل مثلاً، بعد وجبات الطعام أو خلال الأزمات.

المرحلة السادسة - المواظبة:

نفترض أنك اجتزت المراحل الخمس السابقة وحققت غايتك، ولكن إذا ما واصلت عملك حتى الإنجاز، قد ترتد إلى عادتك القديمة.

أراد صديق لي أن يفقد 18 كيلوجرام من وزنه - فبذل كل ما في وسعه من أجل ذلك، والتحق بناد معروف للياقة البدنية، مع الوقت استطاع أن يتخلص من فائض وزنه وكان في غاية السعادة، فاستمر في ممارسة البرنامج لمدة ثلاثة أشهر أخرى - ثم بدون أي مبرر ولا تعليل، انقطع فجأة عن التمرين. وفي وقت قصير، استعاد وزنه الأصلي - رجع الوزن لأنه لم يواظب - وظن أن عمل الشيء لفترة زمنية محدودة كافٍ بأن يفقده الوزن الزائد.

بالنسبة لأية مرحلة من هذه المراحل، فإن مواصلة العمل حتى الإنجاز، يعتبر جزءاً لا يتجزأ منها. وألا يكون أي تغيير مؤقتاً. بالمواظبة، يصبح التغيير دائماً - ومهما كان الهدف، يجب أن يظل نموذج التغيير جزءاً من حياتك.










المرجع: فن الاتصال اللامحدود
اسم الكاتب: ابراهيم الفقي
دار النشر: المركز الكندي للبرمجة اللغوية العصبية
سنةالنشر: 2001
رقم الصفحة: 42-46
كلمات مفتاحية: جمع المعلومات – القرار – التغيير – الملاحظة – التعلم – استنباط الاستراتيجيات – استيعاب – الواعي واللاواعي – العادات – السلوك الجديد – الأنماط – اصرار – أهدف - انجاز - تواصل
أرسل بواسطة: رامي حوالي
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=280