أوبرا وينفري .. قصة نجاح مذهلة



محمود الزواوي- ربما لم يشهد المجتمع الأميركي على مر العصور قصة نجاح تضاهي قصة نجاح الفنانة ومضيفة برامج المقابلات التلفزيونية أوبرا وينفري، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ظروف نشأتها الفقيرة وحجم الإنجازات التي حققتها، وما ينطوي ذلك على مفارقات. فقد ولدت أوبرا وينفري خارج إطار الزوجية لأبوين مراهقين ذهب كل منهما في طريقه بعد ولادتها وتركاها تحت رعاية جدتها التي عاشت معها في كوخ لم يصل إليه الماء أو الكهرباء، وحصلت على أول حذاء في سن السادسة، وتعرضت لسلسلة من الاعتداءات الجنسية من قبل الأقارب وأصدقاء الأسرة، وقامت بتعاطي المخدرات. وفي سن الرابعة عشرة وضعت طفلا خديجا عاش أسبوعين فق
ط.
ولكن أوبرا وينفري تحولت إلى أشهر شخصية تلفزيونية في الولايات المتحدة وفي العالم أجمع، وأصبحت أول امرأة أميركية سوداء تتحول إلى مليارديرة، وبلغت إيراداتها الإجمالية 260 مليون دولار في العام 2006، وتقدر ثروتها حاليا بنحو 2,7 مليار دولار، وهي أغنى شخصية سوداء في الولايات المتحدة.
ومما قالته أوبرا وينفري عن إنجازاتها «إن الحظ هو مسألة تتعلق بالاستعداد حين يلتقي بالفرص»، وذلك في إشارة إلى كفاحها ومثابرتها وعملها الجاد وبناء وتطوير نفسها وتأكيدها على أهمية التعليم في حياتها للخروج من الهاوية التي نشأت وترعرعت فيها والتغلب على الظروف القاهرة التي عانت منها.
من المفارقات الكثيرة في حياة أوبرا وينفري أن شهادة ميلادها تحمل اسم «أورباه»، إلا أن صعوبة لفظ هذا الاسم حوّلته مع مرور الوقت إلى «أوبراه». وظهرت حدة ذكاء أوبرا وينفري في سن مبكرة، حيث كانت تجيد القراءة وتنشد التراتيل في الكنيسة قبل سن الثالثة. وساعدها انكبابها على القراءة ومواهبها في الأداء في الأماكن العامة وعفويتها وتلقائيتها على الفوز بعدد من المسابقات كمسابقة ملكة جمال المراهقات السود.
ومن المفارقات أن الصدفة لعبت دورا مهما في حياة أوبرا وينفري. فخلال زيارتها لإحدى محطات الإذاعة المحلية بمدينة ناشفيل بعد فوزها بإحدى المسابقات دعيت على سبيل المداعبة لقراءة نشرة الأخبار، فقامت إدارة المحطة بتوظيفها كمذيعة للأخبار، ما مهد لها الطريق لاستضافة برنامج صباحي في تلك المحطة. وانتقلت بعد ذلك إلى محطة تلفزيونية، وأصبحت أول امرأة سوداء تذيع نشرات الأخبار في تلك المحطة.
وبعد التخرج من الجامعة انتقلت أوبرا وينفري إلى مدينة بلتيمور، حيث برزت كمذيعة للأخبار ومضيفة لبرنامج للمقابلات التلفزيونية، قبل أن تواصل مشوارها التلفزيوني وتصبح من أكبر نجومه في مدينة شيكاغو. وسرعان ما أطلق اسمها على برنامجها الذي يحقق شعبية كبيرة منذ ذلك الوقت. وفازت أوبرا وينفري بجائزة إيمي التلفزيونية عشر مرات، كما فاز برنامجها التلفزيوني بهذه الجائزة تسع مرات كأفضل برنامج مقابلات تلفزيوني، وفازت بجائزة خيار الشعب التي تمنح في تصويت شعبي سنوي في الولايات المتحدة لأفضل مضيفة برنامج تلفزيوني أربع مرات بين العامين 1988 و2004.
وقبل أن تأسر أوبرا قلوب الشعب الأميركي في برنامجها التلفزيوني تركت أثرا ملحوظا لدى النقاد والجمهور بأدائها القوي في باكورة أفلامها السينمائية «اللون الأرجواني» (1985) الذي رشحت عن دورها فيه لجائزتي الأوسكار والكرات الذهبية. وأصبحت أوبرا وينفري أول امرأة أميركية تملك وتقوم بإنتاج برنامج مقابلات تلفزيوني وثالث امرأة تملك استوديو للإنتاج السينمائي في الولايات المتحدة بعد الممثلتين الراحلتين ماري بيكفورد ولوسيل بول. وأطلقت أوبرا وينفري في بداية العام الحالي شبكة أوبرا وينفري لتلفزيون الكابل والأقمار الصناعية في الولايات المتحدة. وظهرت في العديد من المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية، ومنها فيلم «محبوبة» (1998) المبني على رواية للمؤلفة الأميركية السوداء توني موريسون الحائزة على جائزة نوبل في الأدب.
من أهم ما يميز إنجازات الفنانة أوبرا وينفري أنها أثرت ولا زالت تؤثر في حياة عشرات الملايين من الناس الذين أصبحت مصدر إلهام لهم. ومن الأمثلة على ذلك أنها أدلت بشهادتها أمام اللجنة القضائية لمجلس الشيوخ الأميركي، مستذكرة ما تعرضت له من مآس في طفولتها، ووقع الرئيس بيل كلينتون في العام 1993 ما يعرف بـ «قانون أوبرا» ضد المسيئين للأطفال، بحضورها في البيت الأبيض.
وأوبرا وينفري معروفة بالدفاع عن حقوق المرأة والأطفال والأقليات العرقية والفقراء، والتبرع بملايين الدولارات سنويا للمعاهد العلمية والمؤسسات الخيرية، ونشر قراءة الكتب الجيدة بين ملايين الناس عن طريق «نادي كتاب أوبرا» الذي تقدمه في برنامجها التلفزيوني. وقد منحت أوبرا وينفري عشرات الجوائز والألقاب، ومنها لقب أكثر الشخصيات نفوذا في عالم السينما والتلفزيون من مجلة «إنترتينمنت» الفنية، ولقب واحدة من أكثر 100 شخصية نفوذا في القرن العشرين من مجلة «تايم»، ولقب أهم شخصية في عالم الكتب ووسائل الإعلام من مجلة «نيوزويك». ومما قالته مجلة «فانيتي فير» «إن نفوذ أوبرا وينفري في عالم الثقافة يفوق نفوذ أي رئيس جامعة أو سياسي أو زعيم ديني، ربما باستثناء قداسة البابا».
هناك نخبة قليلة من شخصيات العالم الشهيرة التي تعرف على الفور بأسمائها الأولى. وفي مقدمة هؤلاء المشاهير «أوبرا» التي تربط بينها وبين الناس أواصر الألفة والمودة. وأوبرا ليست مجرد إعلامية وفنانة مشهورة، بل إنها صديقة للعالم وقدوة لجميع الناس من جميع الأجناس والأعراق. كما أنها مصدر إلهام لملايين الناس الذين يشاهدونها يوميا عبر شاشات التلفزيون في جميع أنحاء العالم ويعرفونها جيدا مع أنهم لم يلتقوا بها شخصيا ولو مرة واحدة.

الرأي الأردنية
أبواب