عبقري يصمّم بكتيريا منتجة للوقود لحل مشكلة الطاقة في العالم




حيدر مدانات

اسمه اليوم ملء الفضائيات واخباره تتصدر كبريات الصحف والجدل لا يتوقف حول انجازه فقد قلب المفاهيم حول رسم الخريطة الجينية للانسان, وليس مبالغة وصف الصحافة كريغ فنتر، العالم الاميركي بانه قد حقق اعظم انجازات البشرية في تاريخ الطب الحديث.
كان طالباً عادياً، وقد شارك في عام 1967م في حرب فيتنام، حيث جرح وعولج لستة شهور في المستشفى، شهد خلالها وفاة الاف الجنود ممن هم في عمره، ويقول ان هذه التجربة اثرت بعمق في حياته، اذ اصبح يدرك جيداً معنى الحياة وقيمتها، وهكذا، وفور عودته من فيتنام الى الولايات المتحدة، وضع هدفاً امامه بالحصول على شهادة جامعية في الطب، وبالفعل، وفي غضون خمس سنوات فقط، كان حصل على شهادتي البكالوريوس والدكتوراه من كلية طب جامعة كاليفورنيا في سان دييغو. واتجه بعدها الى البحث الطبي والى التدريس في جامعة ستيت في نيويورك.
اثار اعجاب العالم بتطويره طريقة ساهمت في تسريع رسم الخريطة الجينية للانسان، وكان اول من عرف خريطته الجينية الشخصية حقق احد اعظم انجازات البشرية، والذي سيجعل ثروته تقاس بتريليونات الدولارات.
فنتر (60 عاماً) صاحب معامل الذكاء (142)، والقادر على ربح بليون دولار في يوم واحد في سوق الاسهم، كان انشأ مؤسسة بحثية خاصة به في التسعينات من القرن الماضي، تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية، واصبح في سنوات قليلة بفضل انجازاته، افضل عالم بيولوجيا جزيئية بعد العالمين واطسون وكريك اللذين توصلا الى تركيب جزيء مادة الوراثة DNA.
والآن، وفي معهد كريغ فنتر في روكفيل / ميريلاند، حقق فنتر مع فريق البحث العامل معه خطوة بالغة الاهمية على طريق تحقيق حلم الانسان الكبير، بخاصة انسان الحضارة الحالية، في توفير مصدر طاقة لا ينضب، يكون قليل الكلفة صديق للبيئة وفي متناول الجميع، وما يعمل عليه باحثو المعهد التوصل الى تكوين بكتيريا تنتج وقوداً غير ملوث للبيئة، وقد كان من اول انجازات هذا المسعى الاعلان عن اكتشاف مجموعة الجينات اللازمة للبكتيريا لتقوم بتكوين الوقود، وتكوين بكتيريا تحتوي على مادة وراثية بديلة من بكتيريا اخرى، اضافة الى تكوين الباحثين لمادة وراثية بتصميم خاص مكونة من عدة مئات من الجينات.
ويعمل الباحثون بمساعدة الكمبيوتر على تصميم شيفرة وراثية خاصة تتيح للبكتيريا الصناعية التي سينتجونها تكوين الوقود اعتماداً على طاقة الشمس، مما سيوفر امكانية تشغيل المصانع والسيارات وغيرها من وسائط النقل باستخدام خرطوشة او علبة صغيرة من البكتيريا.
وفي الوقت الذي يحذر فيه بعض الباحثين من خطورة ما يقوم به فنتر، في ضوء الاعتبارات الاجتماعية والاخلاقية والعسكرية المرتبطة بالمشروع فان عالماً في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا من الذين يؤيدون المشروع، قال العبارة الاكثر طموحاً في ذلك، اذ قال ان الشيفرة الوراثية للحياة بقيت كما هي منذ 6ر3 بليون سنة، وقد حان الوقت لاعادة كتابتها.
ويقول فنتر، انه عند التوصل الى انتاج البكتيريا القادرة على تكوين الوقود من ضوء الشمس، فان كل شيء في الحياة سيتغير، من آليات عمل المصانع والمركبات، الى صنع الغذاء، الى واقع البيئة على سطح الارض، وبالطبع، فان هذه البكتيريا ستكون اول كائن حي تبلغ قيمة المادية بلايين وحتى تريليونات الدولارات.
من ضمن ما قام به فنتر لتحقيق هذا الطموح، قيام اليخت Sor cerer II التابع لمعهد كريغ فنتر، بجولة واسعة في المحيطات العالمية، جمع خلالها العديد من انواع البكتيريا لاستخلاص الجينات المميزة فيها بهدف جمعها معاً في خلية بكتيريا واحدة ستكوّن ما يسميه السوبر بكتيريا، ويقول الباحثون، ان يختهم هذا الذي يماثل في جولته رحلة سفينة تشارلز داروين الشهيرة حول العالم، امكنه من بحر ساراغاسو لوحده اكتشاف 2ر1 مليون جين جديد.
فنتر الذي كان اول انسان يرسم خريطته الجينية الشخصية، ويعرف من خلالها انه معرض لخطر الاصابة بنوبة قلبية مستقبلاً، باشر بتغيير نمط حياته نتيجة ذلك، اذ اصبح يتناول طعاماً غنياً بالالياف، قليل الدهنيات.
ويشار الى ان فنتر في طفولته فنتر، الذي اخذ يهتم بأبحاث حل الغاز الشيفرة الوراثية للانسان المدعومة فيدرالياً، ازعجه ذلك البطء الشديد في عمل زملائه في المشروع. وادرك ان مسار العمل في المشروع خاطىء، لذا اتجه الى التعامل مع الحمض النووي الرايبوري (RNA) بدل مادة الوراثة (DNA) نفسها كما يعمل الآخرون. ومن المعروف ان جزيء DNA في نواة الخلية يحمل الصفات الوراثية المميزة للكائن الحي، وانه لاظهار هذه الصفات، يقوم جزيء DNA بتكوين جزيء RNA مطابق له، ينتقل من النواة الى سيتوبلازم الخلية حيث يتم ترجمة الشيفرة الوراثية للصفات الى بروتينات معينة تعبر عن هذه الصفات، مثل لون العيون او شكل الأنف، او افراز هرمون او انزيم معين او تكوين اجسام مضادة لمقاومة الامراض.
الاختراق العلمي الذي حققه فنتر بتسريعه رسم الخريطة الجينية للانسان، وهو عمل كان يتم من خلال مشروع بحث دولي، كان مهد له بتحقيق انجاز بالغ الاهمية، وهو رسم الخريطة الجينية لأول كائن حي يعيش حراً، وهو بكتيريا Haemophilus influenzae, المسبب الرئيس لالتهابات الاذن والتهاب السحايا عند الأطفال.

جريدة الراي
ابواب