السلام عليكم ورحمة الله.
اليوم نتحدث عن رجل بلغ في الخط العربي شأواً عظيماً، صاحب خطٍ حسنٍ، أبدع في هندسة حروفها وقدّر مقاييسها وكان خطه يضرب به المثل في عهده، ذلكم هو أبو علي محمد بن علي بن الحسن بن مقلة، شيخ الخطاطين ومهندس صناعتهم، وهو كذلك وزيرٌ وأديبٌ وشاعرٌ مبدعٌ، وناثرٌ بليغٌ.
ولد هذا الوزير سنة اثنتين وسبعين ومئتين للهجرة ببغداد، في أسرة عملت في الخط زمناً طويلاً، فكان جده خطاطاً، وأما أبوه فقد كان استاذه الذي علمه الصناعة، وكذلك كان استاذه إسحاق بن إبراهيم الأحول صاحب كتاب " تحفة الوامق " وتتلمذ على يد ثعلب وابن دريد، وتقلد الوزارة ثلاث مرات في زمن ثلاثة خلفاء !
وكان من إنجازات هذا الوزير أنه أول من هندس حروف الخط العربي، ووضع لها القوانين والقواعد، وإليه تنسب بداية الطريقة البغدادية في الخط، وأول من كتب مصنفاً في الخط العربي ذكر فيها مصطلحات هذا العلم البديع، كما أنه وضع قواعد دقيقة في ابتداءات الحروف وانتهاءاتها، وفي علل المدّات، وأنواع الأحبار، وفي أصناف بري القلم , و أشياء أخرى كثيرة .
تقلده الوزارة ثلاث مرات، لثلاثة خلفاء عباسيين هم المقتدر بالله والقاهر بالله والراضي بالله، ثم وُشي به فقطع الراضي بالله يده اليمنى، وقيل أنها أُلقيت في دجلة ! وكان يبكي على يده ويقول " قد خدمت بها الخلافة ثلاث دفعات لثلاثة من الخلفاء، وكتبت بها القرآن مرتين ، تُقطع كما تقطع أيدي اللصوص " .
! ، وكتب أبياتاً فريدة في معناها العميق، مملوءة بحزن سرّي عجيب، مرسومة بحروف تساقطت منها صيحات الألم والدموع على اليد التي أبدعت أيّما إبداع فقال :
ما سئمت الحيـاة لكـــن توثقت *** بأيمـانهم فبـانت يميني
ولقد حُطتُ ما استطعت بجهدي *** حفظ أرواحهم فما حفظوني
ليس بعد اليمـين لذة عيـــــــشٍ *** يا حيـاتي بانت يميـني فبيني
و لكن رغم ذلك كان يكتب بيده اليسرى، وقيل كان يشد القلم على ساعده اليمنى وهو مقطوع اليد و يكتب , و أبدع في الكتابة أيما إبداع حتى خرج خط النسخ على يديه أول مرة , و هو الذي تكتب به المصاحف الآن.
ماقال فيه المؤرخون
ذُكر في صبح الأعشى عن خط ابن مقلة " ثم انتهت جودة الخط وتحريره على رأس الثلاث مئة إلى الوزير ابي علي محمد بن علي بن مقلة، وهو الذي هندس الحروف وأجاد تحريرها وعنه انتشر الخط في مشارق الأرض ومغاربها " ، مما يعني أن خطه اتسم بالجمال البديع وذاع صيته في الدنيا، وبلغ به درجة عالية في نفوس الناس حتى وصفوه بأنه أجمل خطوط الدنيا.
وقال عنه ياقوت الحموي أيضاً " كان الوزير أوحد الدنيا في كتبه قلم الرقاع والتوقيعات، لا ينازعه في ذلك منازع، ولا يسمو إلى مساماته ذو فضل بارع " .
وقال الثعالبي أيضاً " خط ابن مقلة يُضرب مثلاً في الحسن، لأنه أحسن خطوط الدنيا، وما رأى الراؤون بل ما روى الراوون مثله " !
تأمل في هذه القصة , هل رأيت علو همة كهذه ؟؟؟
ماهي تعليقاتكم ؟؟؟؟
المفضلات