[COLOR="Green"]لا تنتش البذرة إلا إذا دفنت و أسكنت باطن الأرض

الأرض أمنا الكبرى..باطنها رحمة أخرى، ورحمة كبرى

خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث...يولد الإنسان

و من الجنين السجين المقيد بما يسمى حبلا سريا

القيد أحيانا هو الغذاء و حليب الرضا ع، و شعرة تربطنا بالحياة



ومن الجنين غير المكتمل إلى الجميل الذي خلقه الله في أحسن تقويم

كل الجمال في الدنيا يصنع في مصانع مغلقة



السيارات الفاخرة لا تعدو كونها سليلة سلسلة صناعية تؤتي أكلها كل حين

حتى الكلمة الطيبة...فما هي في الحقيقة غير ثمرة لشجرة طيبة مباركة تسكن باطن الفؤاد.



حتى الأفكار النيرة تتوالد مما يحويه سجن القبة العظيمة المسماة بالرأس: العقل، العلم، حكمة الإنسان....يجتمعون حول طاولة مستديرة، يتناقشون مصير العالمين الداخلي و الخارجي...يديرون مملكة الذات داخل قبعة محكمة الإغلاق.



إنها الصناديق المغلقة...ما أكثر الصناديق المغلقة...إنها أشبه ما تكون بحصالة الطفل الصغير يخبئ فيها الحاضر والمستقبل

... ليستقبل أياما أحسن.



الصناديق كم عملت هذه السجون الرحيمة على حفظ تراكم الخير...تراكم المعرفة

و في السراديب السوداء يحفظ قانون التسلسل ليبدأ النمو

من حيث انتهى الدافع إليه...

لا عودة إلى الصفر في صفة التوازي.



الظلمات.المغلقة و الظلمات...الظلمات ..آه على الظلمات

من ظلمات الرحم إلى ظلمات اليم

إلى قطع كالليل الحالم...الكالح الأليل، لفتن لا تنتهي و لا تنقضي حتى ظلمة القبر.

و بينهما حياة امتحان و امتحان الحياة...

و ابتلاء و أزمة...و لكنها أزمة تلد الهمة،

و اتساع لا يأتي إلا بعد الضيق،

و محنة بعد محنة...و سكينة بعد غبينة.

و في ظلمات باطن الحوت...انطلق تسبيح يونس عليه السلام

لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

حاشى أن يكون نبي من أنبياء الله الذي اصطفى أن يكون

من الظالمين.

و لكنه وعد و صدق و عد

بالتحول من حال إلى حال...من حسن إلى أحسن

انه و عد التغيير ..

التغيير عن طريق النمو..

نمو بعد نمو .. في الظلمات داخل الصناديق المغلقة

... كذلك يحدث التطور و السمو

كما يكبر الولد في أثناء النوم ..

و كما تنضج الثمار تحت ضوء القمر ..

و كما يبارك الله العابدين عند قيام الليل.



الصناديق المغلقة...أو السجون الرحيمة...أو معاهد التغيير و النمو للوصول بالإنسان إلى درجة الامتياز البشري.



و لكنها ألطف السجون جميعها و أرحمها و أرقاها و أبهاها شرنقة الحرير وهي تلف يرقة منهمكة في تجميل نفسها و تلوين جناحيها و هي تردد تساؤلاتها الملحة و وساوسها نحو الغد المبهم:



- متى أخرج للدنيا...أتشممها الزهور ؟

- هل الربيع قريب أم بعيد...ألهذا الانتظار من نفاذ ؟

ويجيبها الحرير اصنعي من خيوطي أجمل جناحين

من ألوان الأقحوان و الرياحين...و سوسن زانه ورد

وفل و الياسمين...جودي النسيج...لجناح بهي

قوي...فلا تستعجلي و لا تتعجلي...فلكل حين.



و لكن اليرقة مازالت تردد...كل حين :

" في جب عميق مغمضة العينين، لا أرى هكذا هو حالي ..

و ملمسك الحاني

لا يغني عني ما أعاني...يا شرنقة الحرير...يا مقيدا لحرياتي

سجان أنت و أنا السجين...فكيف أعيش ؟



فاسترسل الحرير في الحديث:

" و لولا سجن المدارس...لما عرف علم و لا تعلم حلم

و لو لا سجن المخابر ...لما شخص داء و لما اكتشف دواء

و لو لا سجن المناجم ....لما تزينت عذراء بماس

و لولا سجني....لما عرف معنى لحس و لا إحساس.



لأني أنا نبع المحبة الكاملة، المكنونة بالحكمة الحانية...ليد تهدهد مهدا، و تنشد لحنا...كلماته رسائل إلى باطن جميل ..

جماله حدث نفسي و أغراها...

بالمسكن الدائم الأبدي....حيث خلد الخالدين.


[/COLOR]