التعليم المستمر..الحل الحقيقي لمشكلة البطالة

بشار عباس
ستتبدل مجموعة المفاهيم الأساسية حول القوة العاملة في الصناعة والزراعة والخدمات، وحول البطالة، والحلول الضرورية لحل هذه المشكلة المستعصية التي تهدد استقرار المجتمعات العربية، فقد بلغت البطالة في بعض البلدان معدلات خطيرة تستدعي قرع ناقوس الخطر. وبالتالي فإن التخطيط الموضوعي للتعليم ولتحديد توجهات التنمية المستقبلية في البلدان العربية، لا يستطيع أن يتجاهل التغيرات المرتقبة في المفاهيم الأساسية لإقتصاد المعرفة ومجتمع المعلومات.
ولابد أن نتذكر أن الثورة الصناعية حملت معها أساليب ومفاهيم جديدة، فبعد أن كان العاملون في الزراعة يشكلون الغالبية العظمى من السكان، انخفضت هذه النسبة إلى النصف ثم الثلث ثم الربع ثم الخمس، وفي الولايات المتحدة الأمريكية لا يشكل المزارعون أكثر من 2% من السكان، ورغم انخفاض نسبة المزارعين، فإن هذا لا يعني تراجع الإنتاج الزراعي نفسه، بل إن هذه النسبة القليلة من السكان /2%/ تمتلك أعلى معدلات الإنتاجية في المجال الزراعي في العالم.
وهكذا فإن قضية البطالة تأخذ مفهوما مختلفا تماما، كان سائدا في منتصف القرن الماضي، حيث كان حل مشكلة البطالة يستند إلى بناء المجتمعات الصناعية الضخمة، أما القضاء على البطالة اليوم فيعتمد على برامج إعادة التأهيل، وهي المعلومات عن المجتمع الصناعي، بل هي عنصر أساسي في تكوين مجتمع المعلومات، مجتمع التغيرات السريعة، وهو بحاجة دائما إلى تأهيل العاملين لاستيعاب هذه التطورات المستمرة.
وهكذا يجري اليوم البحث عن حلول لمشكلة البطالة في حدود مختلفة عما كان سائدا حتى اليوم، إذ إن البطالة في مجتمع المعلومات هي مشكلة نوعية وليست كمية، يعتمد فيها على رفع المستوى المعرفي والمهني للعامل.
وتسعى اليوم الإدارات الحكومية للبلدان المتقدمة، إلى تقديم نظم إعادة التشغيل للعاطلين عن العمل، وهي نظم لا تستند إلى (البحث) عن وظائف جديدة، وإنما تستند بالدرجة الأولى إلى تدريب العاملين والعاطلين عن العمل وتأهيلهم للعمل في مهن أخرى مطلوبة، فيكون العامل جاهزا للإنخراط في عمل جديد موجود ومطلوب، ولا تشمل برامج التأهيل العاطلين عن العمل فقط، بل يتوجب أيضا على العاملين في المؤسسات، الإنخراط في دورات تدريبية كي يكونوا قادرين على مسايرة التطورات التكنولوجية.
ويتعزز اتجاه التأهيل والتدريب بصورة مستمرة، فمن المقدر أن /60%/ من المهن الجديدة عام 2010م ستتطلب مهارات ضرورية متطورة، وسيكون المجتمع الأمريكي بحاجة إلى تأهيل /22%/ من عمال اليوم.
كما ويتعزز دور التعليم في رفع مستوى الدخل المتوسط للعاملين في اقتصاد المعرفة، إذ تبين الإحصاءات الأمريكية أن معدل الدخل المتوسط للعاملين الحاصلين على الدراسات العليا قد تزايد كثيرا بالمقارنة مع العمال الذي يحملون فقط شهادة الدراسة الأساسية أو المعاهد المتوسطة، أي أن ارتفاع مستوى دخل العامل يعتمد على العلم وعلى المستوى التعليمي، وهذا أمر طبيعي في ( مجتمع المعلومات) و(اقتصاد المعرفة) ومن المؤسف أن معظم البلدان العربية لا تتجه نحو تشجيع التحصيل العلمي، فالفوارق في رواتب الخريجين الجامعيين لا تزيد بأكثر من /10%/ في بعض البلدان عن العاملين من حاملي الشاهدة الثانوية، وفي هذا التشجيع للإبتعاد عن الحرم الجامعي الذي (يضيع) /4-7/ سنوات من حياة الطلبة مقابل مميزات زهيدة في نهاية المطاف. وحتى تلاميذ التعليم الأساسي بدؤوا يعون هذه الحقيقة، ويلجأ بعضهم إلى الهرب من سلسلة غير مجدية من التعليم، الذي لا يمنح أحد المهارات التي تؤهله لمواجهة الحياة العملية، ولا يمنحه المستوى اللائق اجتماعيا واقتصاديا بعد تخرجه، وبدلا من ذلك يفضلون الإنخراط المبكر بالحياة العملية، رغم نجاحهم في حياتهم الدراسية، كي يكتسبوا المهارات التي يحتاجها (السوق)، وهو سوق العمل وسوق التجارة, وهكذا تنغلق دائرة التخلف، ويعيد هذا الوضع إنتاج نفسه، غير عابئ بهموم الإتجاهات الحديثة في التعليم والثقافة، فهي مشكلات تخص مجتمعات أخرى، ولا تستجيب (لحاجاته) و(طموحاته). وفي كل ذلك تشجيع لتجهيل المجتمع، وتهميش لدور التعليم في مجتمعاتنا العربية، وتهميش لدور المعلم والمتعلم فكليهما يقف في أسفل السلم الإجتماعي.
منقول...........