عضو جديد
- معدل تقييم المستوى
- 0
اكبح جماح نفسك...
اكبح جماح نفسك
يحكي "بيتر بريجمان" – المدرب والخبير الاستشاري – عن تجربة له قائلاً: "ذات صباح، وقبيل دقائق من تناولنا أنا وأسرتي للإفطار، سمعت صراخ ابنتي "سوزان" ذات السبعة أعوام، عندما أخذ طفلي ذو العامين من عمره قلم التلوين منها بينما كانت تلون". وعندها جرَّبتُ كل المحاولات الأبوية التقليدية لتهدئتها، فقلت لها: "أعلم أنك منزعجة جدًا وغاضبة ولكن أخاك صغيرٌ، ولا يدرك ما فعل. اللوحة التي رسمتها رائعة، عليك أن تكفي عن الرسم على أي حال فهذا موعد الإفطار، لديك العديد من أقلام التلوين الأخرى، لا بأس، لا تنزعجي، كفي عن البكاء." ولكن من دون جدوى! وعندما تذكَّرتُ أحد الأبحاث التي كنت قد قرأتها سابقًا، ناديت على ابنتي"سوزان" وقلت لها: "هل القميص الذي ترتدينه جديدًا؟!"، قالت وهي لا تزال تبكي: "نعم" . فسألت: "وصورة من هذه التي عليه؟" نظَرَت إلى القميص، وكفَّت عن البكاء، وقالت: "أوباما". فقلت لها: "لا يمكن! هذه صورة امرأة! هل يرتدي أوباما عُقدًا من اللؤلؤ؟!" فضحكت "سوزان"، ونسيت سبب بكائها" .
كان اسم البحث الذي تذكره "بريجمان" "تجربة حلوى المارشملو"؛ وقد أُجريَ هذا البحث في جامعة "ستانفورد" على مجموعة من الأطفال، حيث كانت توضع قطعة من الحلوى أمام الطفل على طاولة، ويُسمح له بأكلها في غياب المراقب، ولكن إذا انتظر الطفل إلى أن يأتي المراقب فسيعطيه قطعة أخرى.
الجدير بالذكر أن بعض الأطفال تمكنوا من تأجيل إشباعهم لرغباتهم، بينما استسلم لها البعض الآخر. وكان يستسلم معظمهم في الثلاث دقائق الأولى، بينما أوضحت التجربة أنَّ الذين كانوا يصمدون لمدة 20 دقيقة كاملة لم يكن يمنعهم عن أكل الحلوى خوفهم من السلطة، أو عدم حبهم لها، أو تمتعهم بإرادة أقوى أو قدرة أكبر على ضبط النفس؛ وإنما هو "الإلهاء"، أي تشتيت الانتباه. فبدلاً من التركيز على عدم أكل قطعة الحلوى، كانوا يغمضون أعينهم، أو يجلسون تحت الطاولة، أو يبدءون بالغناء. فهم بذلك لم يقاوموا رغبتهم الملحة لأكل الحلوى، وإنما فقط تجنبوها.
في حياتنا اليومية؛ نجد أنفسنا دائمًا أمام تحديين كبيرين في ضبطنا لسلوكياتنا:
* تحدي المبادرة (كالتمرين الرياضي أو إجراء مكالمة هاتفية لإبرام صفقة أو زيادة العمل على إعداد عرض تقديمي أو كتابته)
* وتحدي المنع (كأن تمنع نفسك من أكل كعكة أو الثرثرة في الاجتماع أو الصراخ عند الغضب).
فإذا كنت قويًا في اجتياز تحدي المبادرة، فأنت تستطيع التركيز على تحقيق الأهداف، واستخدام إرادتك القوية في ذلك، أو بعبارة أخرى لا تستطيع استخدام الإلهاء. وهذا ما يجعلك تفشل في مواجهة تحدي المنع. فتركيزك على مقاومة فعل شيء يجعل مقاومته أصعب، أي أن تركيزك على استخدام إرادتك في منع نفسك من أكل الكعكة مثلاً يجعل مقاومتك تضعف.
جَرِّبْ هذا التمرين في عشر دقائق:"لا تفكر في فيل أبيض كبير!!"
ستجد أنه من المستحيل ألا تفكر فيه؛ لأن السر هو أن تلهي نفسك بالتركيز على شيء آخر تمامًا. لذا، فالقاعدة بسيطة: إذا أردت أن تفعل شيئًا، ركِّز؛ وإذا أردت ألا تفعل شيئًا،.شتت تركيزك. وقد يُتهم أسلوب الإلهاء أو المنع بأنه قد يمنعك من تحقيق أهدافك، لذا فالتركيز والمبادرة هما الطريقة المثلى لتحقيق الأهداف. أما أسلوب المنع أو الإلهاء فهو يعتبر مثاليًا لمواجهة المخاوف والتحديات التي نعيشها اليوم.
فالخوف من أنفلونزا الخنازير، والاحتباس الحراري، وكثرة الجرائم، وخطف الأطفال، وحالة الاقتصاد العالمي، كل ذلك سيثير المخاوف في نفسك. وكلما زاد شعورك بالخوف، كلما زادت رغبتك في معرفة المزيد عن مصادر وأسباب خوفك بهدف حماية نفسك منه.
فإذا شعرت بالخوف من أن تفقد وظيفتك، سيزداد تتبعك لأخبار سوق العمل وتزداد قراءتك لمقالات عن الأوضاع الاقتصادية، مما قد يؤدي إلى تأثر صحتك بالسلب من جراء ذلك الخوف والقلق.
فما هو الحل؟ إنه "الإلهاء"، أي أشغل نفسك بقراءة كتاب مفيد، أو مشاهدة برنامج تلفزيوني، أو مداعبة أطفالك، أو تعلم شيئًا جديدًا كالطبخ مثلاً، أو التنزه مع أصدقاء لك، أو ممارسة الرياضة، أو حتى الانغماس في العمل. وفي حقيقة الأمر، لا يختلف الإلهاء كثيرًا عن التركيز؛ بمعنى أنك إذا أردت أن تشتت انتباهك وتركيزك عن شيء ما، فإن عليك أن توجه تركيزك لشيء آخر.
فعندما تركز بطريقة إيجابية على ما هو إيجابي، ستلهي نفسك بالإيجابي، وتشتت تفكيرك تلقائيًا عما هو سلبي، ومن هنا تنبع أهمية الأهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى في حياتنا. فإذا ما كانت هذه الأهداف نبيلة وإيجابية، فإنها بدورها ستحفزنا نحو مزيد من التركيز.. ركِّز وكن من الفائزين.
التعديل الأخير تم بواسطة روعة ; 16-Feb-2015 الساعة 05:23 PM
المفضلات