تعتبر اجتماعات فريق العمل من أهم المحطات التي ترسم مساره وتحدد وجهته، فلست هنا بصدد بيان أهمية الاجتماع واللقاء لأن هذه قضية واضحة ومفروغ منها، إنما أعمل جهدي هذه المرة في تحديد وصفة الاجتماع الفعّال المفيد الذي يقدم إضافة لإنجازات فريق العمل بمراجعة وتثمين الإيجابيات.


اجتماعات فريق العمل (Business Meetings) هي لحظات يلتقي فيها شخصان أو أكثر بغرض مناقشة فكرة، أو اتخاذ قرار أو مراجعته، كما يتم الاجتماع أيضا لتقييم فترة معينة، أو إنجاز محدد، أو لوضع خطة عمل، من هنا نرى أن أنواع اجتماعات فرق العمل كثيرة جدا إلا أنها تنبني على نفس الأسس في أصولها تقريبا.


ربما هناك من يتبادر لذهنه بعد كلمة “اجتماع” تلك الطاولة المستديرة الكبيرة، تحوم حولها كراسي فخمة أقرب في شكلها للأرائك، تزين القاعة نباتات خضراء نضرة، وفي الجدار خريطة العالم، في قاعة شديدة الإنارة تعلو برجا زجاجيا يطل من خلالها المدير على بحيرة ومساحات خضراء… إلخ، هذا حلم كل منا نعم إلا أنه وسيلة فقط وليست غاية في حد ذاتها، وهدفي هنا هو تقريب مفهوم الاجتماع الفعال من وجهة نظر بسيطة دون تكلف لكل من يود تحقيق النجاح لفريق عمله.


ليس بالضرورة أن يدوم أي اجتماع لساعات، إنما يمكن أن يكون لبضع دقائق، كما لا يستلزم إقامته في قاعة بكل مواصفات البذخ والفخامة، إنما يمكن أن يتحقق بوسائل أبسط أكثر مما نتصور ربما، مع ملاحظة أننا لا يمكن أن ننكر أهمية اختيار مكان الاجتماع وهذا ما سيذكر لاحقا.


لتحقيق اجتماع فعّال ينصح بالاعتماد على بعض اللمسات والمهارات، مع وضع قواعد معينة في الاعتبار، فكلما كان اهتمامنا بها أكثر كان الأداء أفضل:


الهدف من الاجتماع: قبل القيام بعقد الاجتماع لابد لفريق العمل أن يكون ملما بمحتواه، ليس بالضرورة في كامل التفاصيل وإنما على الأقل فكرته العامة، أما إن كان هناك ما عليهم تحضيره من قبل فإخبارهم بذلك واجب ليكون الاجتماع مثمرا ومفيدا.


وثيقة الاجتماع: الاجتماعات مليئة بالكلام، ولكن ما يبقى مهما فيها هي القرارات والتوصيات فلا يكفي أن تبقى للتذكر ذهنيا إنما يجب تقييدها بكتابتها ولو على شكل نقاط مختصرة دقيقة، ثم البسط فيها في تقرير الاجتماع، فوثيقة الاجتماع تؤدي دورا محوريا في تحديد خطته ومساره، وهي عبارة عن ورقة عمل تكتب فيها محطات الاجتماع الرئيسية والفرعية، وتكون متاحة لكل معني بالحضور لأجل وضعه في الصورة.


مسيّر اللقاء: لكل عمل أو مجموعة أو فريق رجل يدور عليه الأمر، ليس بالضرورة أن يكون هو دائما، وإنما لكل ظرف ما يناسبه، فالاجتماع يحتاج لمسؤول، يحرص على أدائه إن كان دوريا أو ظرفيا، يبلّغ المهام لأصحابها ويسعى لكل ما يجعله أكثر مردودية، يسيّر أدوار المشاركة ويقرر بشأن ما اختلف فيه دون الوصول لحل معين فتكون له الكلمة الأخيرة، يحاول الحفاظ على حسن سير العمل كمنع مقاطعة المتكلم، أو الخروج عن الموضوع مثلا.


تحديد المعني بالحضور: على المكلف بعقد الاجتماع تحديد حاجته جيدا من المعنيين بالحضور، لأن حضور شخص غير معني بموضوع ما مثلا قد يجعله يتدخل دون معلومات مسبقة كافية فيؤثر سلبا في القرار ويجعل فريقه ينزل عند رغبته فقط لكونه (فلان)، أو ممن لا يمكن أن نقول لهم: لا! لذا فالصرامة في هذا الأمر واجبة، ويستثنى من القاعدة كل من نرى فيه إضافة للقضية كمستشار ذو تجربة سابقة.


حسن اختيار التوقيت: اجتماعات فريق العمل تعتبر من العمل بحد ذاته، لذا فاختيار وقت انعقادها يكون بطريقة مدروسة، وعلى سبيل المثال إن كان جدول أعماله يحتاج لجهد كبير فلا ينصح بآخر الدوام، أو لا يكون متزامنا مع حدث هام خارجه فيكون فيه الحاضرين جسدا فقط ولكن غائبين ذهنيا!


مكان الاجتماع: اختيار مكان الاجتماع يخضع لطبيعته وبرنامج عمله، يعني أحيانا ينعقد في مكتب صغير فقط إن كان بين شخصين أو ثلاث، وفي مناسبات يعقد خارج الشركة أو مقر العمل تماما، خاصة إن كان في موضوع تسوية خلاف أو محاولة إيجاد حل لمشاكل مهنية، فينصح هنا بالابتعاد عن محيط الإشكال لإيجاد الحل المناسب له، بذلك نجد اختيار مكان الاجتماع أساسه ما يريح المعنيين به ليكون أداؤهم أفضل، دون تكلف ولا التزام بمعايير محددة.


تحديد الوقت: مثل تحديد موضوع الاجتماع يأتي تحديد الوقت، وبقدر ما نؤكد على تحديد وقت البداية يجب أيضا تحديد نهايته، مع إمكانية المواصلة بعد الوقت المحدد اختياريا لمن شاء مثلا، يعني لا يمكننا أن نبقى مجتمعين إلى أن نفصل في موضوع ما، وإلا سيكون قرارنا فيه مبنيا على التسرع أو لغرض إنهاء الاجتماع مهما كان، الحل هنا أن نؤجل تلك النقطة للاجتماع القادم إن لم تكن عاجلة، أو نخصص لها اجتماعا استثنائيا.


مشاركة القرار: الناس أنواع فنجد منهم النشيط الجريء، ونجد المنطوي من حياء أو عدم ثقة، لذا فعلى مسيّر الاجتماع أن يشرك كل الفريق قدر المستطاع، وحتى إن بدا له الأمر في قضية معينة محسوما يتصنع السؤال ويتشاور مع من يلاحظ فيه كثرة صمته، ويستحسن إضافة لذلك استعمال السبورة البيضاء (Whiteboard) والتعامل معها في المداخلات فإن لها مفعولا جليا في الإقناع وتقريب وجهات النظر.


اتخاذ القرار: وعندما نقول مشاركة القرار لا نعني بها أيضا ما يؤدي لتضييع الوقت في ما هو واضح وبيّن، فعلى صاحب القرار أن يحسم الوضع أحيانا وبذكاء سواء بقرار أو تأجيل، دون تجسيد لاحتكار الرأي ودون تمييع لمفهوم مشاركة القرار والاستشارة على حساب برنامج الاجتماع.


تقرير الاجتماع: هو نفسه وثيقة الاجتماع أحيانا، كما يمكن أن يتعدد حسب المشاركين في الاجتماع فيضبطون توصياته وما كلّفوا به من ذلك الاجتماع في نقاط محددة واضحة، ليس شرطا أن تكون ضمن تعبير أدبي بليغ، وإنما المهم فيها أن ما يؤدي دوره بشكل جيد فقط، يذكر فيه وقت بدء الاجتماع ووقت انتهائه، الحاضرون والغائبون، ملاحظات أخرى إن وجدت… إلخ.


يمكن لنا عقد احتماعات بطريقة افتراضية عبر الأنترنت أيضا إضافة للأسلوب الحالي المتعارف عليه، فبفضل التطورات الحاصلة الآن أصبحت الكثير من الحالات تعالج عن بعد ولا تستلزم الحضور، ولازال هذا المجال يشهد تطورا كبيرا من يوم لآخر، أحاول تخصيص مقالة عنه لاحقا إن شاء الله.


بقدر ما التزمنا بالنقاط المذكورة في اجتماعاتنا بقدر ما اقتربنا من تحقيق أهدافها، أما ارتفاع مردودها أو انخفاضها فهو معتمد أساسا على القائمين عليها، فالعبرة دائما ليست بالكم وإنما بالكيف، وكم من اجتماع دام لساعات كثيرة جدا دون أدنى فائدة، وكم من اجتماعات لا تطول أكثر من 10 دقائق وهي تحقق النتائج المبهرة بكل فعالية ودقة… وما فازوا بمعجرة علينا ولكن في أمورهم نظام!