إن احترام القيم الإنسانية يكرس الطريقة التي ينبغي اتباعها في معاملة الناس والتعاطي معهم، ويميز السبيل أمام العاملين في مجال العلاقات العامة لإدراك الأهمية التي يقتضي إعطاؤها لثقة الجمهور والخطورة الكامنة وراء كسب تلك الثقة أو عدم كسبها.



والحديث عن الطرائق التي قد تتبع لكسب ثقة الجمهور يستدعي التطرق أولاً لما يعنيه رأي الجمهور في حقل العلاقات العامة.


رأي الجمهور في حقل العلاقات العامة:


إن رأي الجمهور هو عبارة عما يعتقده الفرد أو مجموعة من الأفراد إزاء فرد آخر أو مجموعة من الأفراد أو شيء من الأشياء، وهذا الرأي إما أن يكون فردياً أو جماعياً.


الرأي الفردي:


إن المؤثرات المادية والمعنوية التي يخضع لها الفرد في حياته من شأنها أن تؤثر في مواقفه الشخصية وتحددها، ولعل أهم العوامل التي تؤثر في تكوين الرأي الفردي وتجسيده هي:


التفاعلات والدوافع النفسية:


لا يمكن تجاهل الدور الذي يلعبه هذا العامل في تكوين مواقف الفرد وتجسيد آرائه إزاء الأشخاص الذين يتعامل معهم، أو اتجاه الأمور التي يواجهها في حياته فالإحساس البديهي الذي يشعر به الفرد وللوهلة الأولى أمام أحد الأشخاص، ولا يمكن أن يكون عليه ذلك الإحساس من انفتاح أو إحجام، ومن اطمئنان أو تخوف، يؤثر إلى حد ما في طبيعة ومستقبل العلاقة التي يمكن أن تنشأ بينهما.


العادات والتقاليد:


إن للتقاليد الموروثة والعادات المكتسبة تأثيرها الفعال على تحديد مواقف الفرد وتصرفاته وبالتالي تكوين رأيه، ولذلك كان لا بد من التأكيد على ضرورة أخذ التقاليد والعادات بعين الاعتبار عند دراسة الرأي الفردي ومحاولة تحديده أو تحليله.


الثقافة المكتسبة:


إن الثقافة لها تأثيرها الأكيد في تكوين رأي الفرد وتجسيده، فالتربية والتعليم والخبرة، كلها أمور لها تأثير لا يمكن غض الطرف في بلورة إمكانيات الفرد وطاقاته الفكرية لاستيعاب وضع من الأوضاع وتكوين رأي بشأنه.


الوعي والمعرفة:


إن توعية الفرد وإعلامه بواقع الأمور إزاء حالة أو قضية، من شأنه أن يؤثر على تكوين رأيه بصددها.
ومن الطبيعي أن يتباين رأي من يتم تنويره بالحقيقة وإعلامه بتفاصيلها عن موقف ورأي من كان جاهلاً لتلك الحقيقة ووقائعها.


الرأي الجماعي:


الجماعة هي مجموعة من الأشخاص المترابطين فيما بينهم، والذين يمكن تمييزهم عن الأشخاص الآخرين بالروابط الاجتماعية الإيجابية المتكاملة.


والرأي الجماعي ينبع انطلاقاً من رأي الفرد، ويتجسد من خلال تفاعل الفرد داخل الجماعة متأثراً بعوامل التقليد والتجاوب والمطابقة والتسهيلات الاجتماعية، كما يتبلور تحت تأثير عامل الريادة، الذي أجمع الباحثون على خطورة وقعه وفعاليته في إطار الجماعات.


ومن أبرز العوامل المؤثرة في تكوين الرأي الجماعي:


عامل التقليد:


يتأثر الفرد بغيره من أفراد الجماعة بشكل واضح، عندما يقلده، أي عندما يردد رأساً وبنفس الكيفية تصرفات الشخص الذي يكون بجواره.
فالتقليد عندما يقع يمكن أن يفهم على أساس اعتباره طريقه لبلوغ غاية ما، وأنه وقع بعامل أهمية العمل الذي تم تقليده أو مكانة الشخص الذي قام به في الأساس، أو لأن المقلَّد يشكل حلاً ملائماً للمشكلة العارضة.


عامل التجاوب أو الإيحاء:


يصعب إلى حد كبير التمييز بين التقليد والتجاوب ولكن هذا لا يمنع وجود الفرق والاختلاف بينهما. ويمكن القول بعدم صواب إرجاع معظم الحالات التي يظهر بها الفرد في علاقته بالجماعة إلى التجاوب أو الإيحاء، وهذا العامل لا يخرج عن كونه دلالة على مظاهر القبول الحرفي لمعطيات قدمت للفرد من شخص يتميز بالتفوق والتقدير.


عامل المطابقة:


إن عامل المطابقة هو من الأمور التي يسهل ملاحظتها عند دراسة علاقة الفرد بالجماعة فالميل إلى المطابقة أو الموافقة يشكل إحدى النتائج المتحصلة من وجود الجماعة. فمثلاً: برهن أحد الباحثين أن موقف الطلاب الذين يأتون من شمالي الولايات المتحدة إلى جامعات الجنوب يتحول بالنسبة لقضايا العبيد إلى مطابقة موقف طلاب الجنوب في القضية المذكورة.
ومن هذا يتضح مدى التأثير الذي تمارسه الجماعة من خلال علاقة المطابقة على تكوين الرأي الجماعي وتجسيده.


عامل الريادة:


إن للريادة تأثيرها الفعال في حياة الجماعة وتحركها، ولن يكون من المبالغة في شيء، إن نرجع إلى حد كبير المواقف التي تتخذها الجماعة والآراء التي تسود من خلالها إلى الريادة الناشطة في إطارها.


كيف تكسب رأي الجمهور:


إن الباحث في أمر العلاقات العامة يعتمد بعض المبادئ الأساسية التي توصل إلى اكتشافها العاملين في حقول العلوم الإنسانية حول طبيعة رأي الجمهور أي حول مواقف وتصرفات الفرد والجماعة.
ويمكن القول بأن النجاح في كسب رأي الجمهور وإقامة علاقات الثقة معه يتوقف بالدرجة الأولى على احترام مصالحه وإعلامه بالحقيقة المجردة وبواقع الأمور.


احترام مصالح الجمهور:


إن وجود العلاقات بين الإدارة وجمهورها، يؤدي بصورة منطقية وسليمة إلى الاستنتاج بوجود المصالح الخاصة بكل من الجمهور والإدارة.


وينبغي على الإدارة أن تسعى إلى تحقيق مصالحها من خلال تحقيقها لمصالح الجمهور، والإدارة لن تستطيع أن تؤمن مصالحها من غير هذا الطريق؛ إذ أن استمرار المؤسسة وازدهارها، ورواج منتجاتها، باعتبارها من الأمور التي تتصل مباشرة بمصلحتها لا يتحقق إذا لم تراع تلك المؤسسة المصالح الخاصة بكل مستخدم يعمل في إطارها، ومستهلك يهتم بما تقوم بإنتاجه من سلع أو تقدمه من خدمات.


إعلام الجمهور:


مما لا شك فيه أن إعلام الجمهور بعناصر الحقيقة في كل ما يعود لصالحه وشؤونه، يعتبر من الأمور الأساسية التي يقتضي تحقيقها لأن تلك العناصر هي التي تكوّن رأيه وما يفكر به إزاء ما يتصل بمصالحه وأوضاعه.


ولا يكفي أن تلتزم الإدارة باعتماد الإعلام وسيلة لتنوير الجمهور وتعتمد إطلاقه بمعزل عن الضوابط والشروط التي تقتضيها فعاليته وجدواه، لا بد من وجود بعض الشروط التي يتوجب توافرها لكي يأتي


إعلام الجمهور فعالاً يحقق أهدافه ويمكن إيجاز تلك الشروط على الشكل الآتي:


أ – أن يقوم الإعلام على الأمور التي تهم الجمهور.
ب – أن يكون الإعلام في شكله وأساسه متوافقاً مع مستوى عقلية الجمهور وعاداته وتقاليده.
ج – أن يتم تنفيذ الإعلام في الوقت الملائم.
د – أن يقابله وبنفس القدر من الأهمية إعلام الإدارة عن الجمهور.