وعلى الرغم من أنك ربما لم تفكر في ذلك فإن دماغك يكون قد ركّب نظاماً داخلياً لاتخاذ القرارات. وهذا النظام يعمل وكأنه قوة غير مرئية توجه كل أفكارك وأفعالك ومشاعرك، الحسنة والسيئة، في كل لحظة تعيشها. وهو يتحكم في طريقة تقييمك لكل أمور حياتك، ويدفعها في مجملها عقلك الباطن. والمخيف أن معظم الناس لا يحاولون ضبط هذا النظام مسبقاً، بل يكون قد ركّب لهم عبر السنين من قبل مصادر متباينة مثل الأبوين والزملاء والمعلمين والتلفزيون والمعلنين، والثقافة على وجه الإجمال.
ويتكون هذا النظام من خمسة أفراد:
(1) صُلب معتقداتك والقواعد غير الواعية لديك.
(2)
قيم الحياة.
(3)
مرجعيتك.
(4)
الأسئلة التي توجهها إلى نفسك عادة.
(5) الحالات العاطفية التي تخضع لها في كل لحظة.
العلاقة التعاونية بين هذه العناصر الخمسة تؤدي إلى بذل جهد يعتبر هو المسؤول عن دفعك أو إيقافك عن القيام بالعمل، ويسبّب لك القلق من المستقبل، ويشعرك بأنك محبوب أو مرفوض كما يقرر مستوى نجاحك وسعادتك. إنه هو من يقرّر لماذا تقدم على فعل ما تفعل ولماذا لا تفعل بعض الأشياء التي تعرف أن عليك أن تفعلها. بتغيير أيٍّ من هذه العناصر الخمسة وسواء أكان ذلك معتقداً جذرياً أم قاعدة أم قيمة أم مرجعية أم قضية أم حالة عاطفية- فإنك ستحدث على الفور تغييراً محسوساً في حياتك. والأهم من ذلك أنك ستحارب بذلك السبب بدلاً من النتائج. تذكّر أنك إذا كنت تبالغ في تناول الطعام فإن السبب الحقيقي في ذلك هو عادة مسألة قيم أو قناعات أكثر من كونها مسألة تتعلق بالطعام بالذات. والشيء السار هو أن بإمكاننا أن نتجاوز هذا النظام باتخاذ قرارات عن وعي في أي لحظة من لحظات حياتنا. إذ ليس علينا أن نسمح للطريقة التي برمجت ماضينا بأن تتحكم في حاضرنا ومستقبلنا.
هناك عائق يحول دون استخدام قدرتنا على اتخاذ القرار، وهو التغلب على مخاوفنا من اتخاذ القرار الخاطئ، لا شك بأننا سنتخذ قرارات خاطئة في حياتنا، سنرتكب أخطاء حتماً. لكن تذكّر بأن النجاح هو في الحقيقة نتيجة الحكم السليم، والحكم السليم هو نتيجة تجربة، والتجربة كثيراً ما تكون ناتجة عن حكم خاطئ ! فتلك التجارب التي تبدو ظاهرياً سيئة أو مؤلمة هي الأهم في بعض الأحيان. فالناس عادة يحتفلون حين ينجحون. أما حين يفشلون فإنهم يلجؤون إلى إعادة التفكير. ويبدؤون في اتخاذ قرارات جديدة من شأنها أن تعزّز نوعية حياتهم. علينا أن نلتزم بالتعلم من أخطائنا بدلاً من أن نلطم وجوهنا، وإلا فإننا سنرتكب نفس الأخطاء في المستقبل ولا شك.
إلى جانب التجربة الشخصية في الأهمية، من الممكن أن تفكر فيمن تقتدي به، بشخص ركب موجات الشلال من قبل ولديه خارطة جيدة يمكن لك أن تسير على هداها. يمكنك أن تجد قدوة لك في الأمور المالية وقدوة في العلاقات مع الآخرين وقدوة فيما يتعلق بصحتك وقدوة لمهنتك، أو قدوة لأي سمة من السمات التي تريد أن تتعلم كيف تتقنها في حياتك. إن من شأن هذا أن يوفر عليك سنوات من الألم ويحميك من الانحراف في تيار الشلال.
قد تصادف أن تجد نفسك وحيداً تخوض أمواج النهر، وعليك أن تتخذ قرارات هامة بمفردك. والخبر السار إن كنت راغباً في التعلم من تجاربك فإن ما تظنه صعباً في الكثير من الأحيان يصبح رائعاً لأنه يوفر لك معلومات قيمة- تمييزاً أساسياً- ستستخدمه في المستقبل لاتخاذ قرارات أفضل. والإنسان الناجح جداً الذي تصادقه سيقول لك- إذا كان صادقاً معك- إن السبب الذي مكّنه من تحقيق نجاح أكثر. مما يحقق غيره هو أنه اتخذ قرارات سيئة أكثر مما فعلت.
وهناك شيء أضمنه لك مهما كنت مستعداً وهو: إنك ما دمت تسبح في نهر الحياة، فإنك تصطدم ببعض الصخور. وهذا ليس أمراً سلبياً بل هو دقيق ومضبوط. مفتاح الأمور هو أنك حين تصطدم بعائق ما فإن عليك بدلاً من أن تلطم خديك لأنك " أخفقت " أن تتذكر أنه لا يوجد إخفاق في الحياة. هنالك نتائج فحسب. فإن لم تحقق النتائج التي تتوخاها فعليك أن تتعلم من هذه التجربة لكي تكون لك مرجعية تمكّنك من معرفة كيفية اتخاذ قرار أفضل في المستقبل.
تحكّم في القدرة على اتخاذ القرار
هناك ستة مفاتيح سريعة تمكّنك من التحكم في قدرتك على اتخاذ القرار، وهي القدرة التي تشكّل خبرتك وتجربتك في الحياة في كل لحظة من لحظات حياتك:
1- تذكّر القوة الحقيقية لاتخاذ القرارات:
إنها أداة يمكنك استخدامها في أية لحظة لكي تغيّر حياتك برمتها. وفي اللحظة التي تتخذ فيها قراراً جديداً فإنها تطلق في الواقع هدفاً وتأثيراً واتجاهاً جديداً لحياتك. فإنك بمعنى حرفي تغير حياتك في اللحظة التي تتخذ فيها قراراً جديداً. تذكّر حين تحس بأنك مشوش، أو حين تشعر بأنه لا يوجد أمامك خيار، أو حين تحدث لك أشياء معينة، بأن بإمكانك أن تغير الموقف كله إن توقفت وقررت ذلك. تذكر أن القرار الحقيقي يقاس بتحقيقه ما إن كنت قد قمت حقاً بفعل جديد، أما إن لم تقم بالفعل فإنك في الواقع لم تتخذ قراراً حقيقياً.
2- عليكَ أن تدرك بأن أصعب خطوة على طريق تحقيق أي شيء هو الالتزام الحقيقي الصادق- اتخاذ قرار صادق.
إن تنفيذ التزامك أسهل من اتخاذ القرار نفسه في الكثير من الأحيان. لذا عليكَ أن تتخذ القرارات بذكاء، ولكن بسرعة. لا تجهد نفسك إلى الأبد وأنت تفكّر في مسألة كيفية أو فيما أن كنت قادراً على الإقدام على هذا العمل. فقد دلت الإحصاءات أن أنجح الناس هم من يتخذون قراراتهم بسرعة نظراً لأنهم يمتلكون الوضوح فيما يتعلق بقيمهم وبما يريدون تحقيقه في حياتهم. كما تبيّن نفس الإحصاءات فإن هؤلاء الأشخاص أبطأ في تغيير قراراتهم، إن فعلوا. ومن ناحية أخرى فإن الأشخاص الذين يفشلون هم أولئك الذين يتخذون قراراتهم ببطء ويغيرون أفكارهم بسرعة.عليكَ أن تدرك بأن اتخاذ القرار هو نوع من التنفيذ في حد ذاته، لذا فإن التعريف الجيد للقرار قد يكون: " معلومات وضعت موضع التنفيذ " فأنت تعرف أنك اتخذت قراراً حقاً حين يتدفق الفعل منه، إذ يصبح القرار هدفاً وُضع على مسار التنفيذ. وتأثير اتخاذ القرار كثيراً ما يساعد على خلق فرصة التوصل إلى هدف أكبر. وهنالك قاعدة حاسمة اتخذتها لنفسي وهي ألاّ أترك مسرح قرار ما دون أن أتخذ خطوات فعلية لتحقيقه ووضعه موضع التنفيذ.
3- اتخذ قرارات عديدة:
كلما أكثرت من اتخاذ القرارات تحسنت قدرتك على اتخاذها. فالعضلات تزداد قوة بالاستعمال، وهذا ينطبق على عضلات اتخاذك القرار: أطلق ما لديك من قدرة منذ هذه اللحظة باتخاذ قرارات كنت ترجئ اتخاذها منذ وقت طويل، ولن تصدق مدى الطاقة والإثارة التي ستخلفها هذه الخطوة في حياتك.
4- تعلّم من قراراتك:
أجل، لا يمكنك أن تتجنب الفشل، إذ إنك ستواجهه في بعض الأحيان، مهما فعلت. وإذا حدث فلا تلطم على خديك فزعاً بل تعلّم شيئاً جديداً اسأل نفسك: " ما هو الأمر الحسن في ذلك، ماذا يمكنني أن أتعلم من ذلك؟ " فقد يكون هذا الفشل هبة لا تصدق ولكنها تبقى خفية إلى أن تستخدمها لاتخاذ قرارات أفضل في المستقبل. وبدلاً من التركيز على الانتكاسات قصيرة الأجل احرص أن تتعلّم دروساً يمكنها أن توفر لك الكثير من الوقت أو المال أو الألم، كما يمكنها أن تعطيك القدرة على النجاح في المستقبل.
5- التزم بقراراتك ولكن احرص على المرونة في اتجاهك:
ما إن تقرّر ما تنوي أن تقوله كشخص مثلاً، فلا تتوقف بعناد بالنسبة لوسائل تحقيق هذه الغاية. فما تهدف إليه هو تحقيق غايتك النهائية. وقد يختار الناس في كثير من الأحيان أفضل السبل التي يعرفونها حين يقررون ماذا يفعلون بشأن مستقبل حياتهم- إذ يرسمون خطة وخريطة للوصول إلى غايتهم- غير أنهم يفشلون في الانفتاح على سبل أخرى قد تكون أفضل منهم. لا تكن متصلباً في الاتجاه الذي تنتهجه، بل استثمر فن المرونة.
6- تمتع باتخاذ القرارات:
لابد لك من أن تعرف بأن اتخاذك قراراً في أية لحظة قد يغيّر مسار حياتك إلى الأبد: الشخص الذي يقف خلفك في الصف، أو ذلك الذي يجلس إلى جانبك في الطائرة، أو المخابرة الهاتفية التي تتلقاها أو تقوم بها، أو الفيلم التالي الذي تراه، أو الكتاب التالي الذي تقرؤه، أو الصفحة التي تقلّبها، قد يكون أي من هذه الأمور هو الشيء الذي يفتح الأبواب أمامك، وبالتالي ستنتظم كل الأمور التي كنت بانتظارها في المكان المناسب لها.
إذاً، ما هو الشيء المميّز الأهم الذي يمكن استخلاصه من هذا المقال؟
عليكَ أن تدرك بأن قراراتك، وليست ظروفك، هي التي تقرّر مصيرك. وقبل أن تتعلّم تقنيات تغيير طريقة تفكيرك ومنحى شعورك في كل لحظة من لحظات حياتك، تذكّر أنها كلها ستظل عديمة القيمة، إلا إذا قررت استخدامها. تذكّر أن قراراً تلتزم به بحق هو القوة التي تبدّل حياتك. إنها قوة متوفرة لك في كل لحظة بمجرد أن تقرّر استخدامها. برهن لنفسك أنك قررت الآن. اتخذ قراراً أو اثنين كنت تحاول إرجاءهما: قراراً سهلاً، وآخر أكثر صعوبة. أثبت لنفسك ما تستطيع تحقيقه. افعل ذلك الآن، قف ! اتخذ قراراً واضحاً واحداً على الأقل كنت تُرجئه حتى الآن- واتخذ أيّ إجراء نحو تنفيذه- وتمسّك به! وبِعمل ذلك فإنك ستبني تلك العضلة التي ستمنحك الإرادة لتغيير مجمل حياتك.
المفضلات