اللغة هي صوت الإنسان المعبر عنه بالكلام، وهي عند عالم النحو ابن جني “أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم” وعند أبو علم اللسانيات نعوم تشومسكي هي “مجموعة متناهية أو غير متناهية من الجمل ، كل جملة طولهـا محدود ومؤلفة من مجموعة متناهية من العناصر”

واللغة أيضًا كالكائن الحي يكبر ويكبر ثم يشيخ إلى أن يموت! حيث هناك الكثير من اللغات القديمة التي لم يعد لها وجود بسبب توقف عملية التغيير في الكلمات والمعاني وتناقص عدد الأفراد المتحدثين بها فمثلًا: اللغة اللاتينية لغة ميتة لأنه لم يحصل بها تغيير منذ مئات السنين. ومثلها اللغة الإغريقية القديمة وغيرها وغيرها.

أساس اللغة الاستماع!

حسنًا هل تساءلت يومًا كيف نكتسب اللغة؟ كيف يبدأ الطفل الصغير بالكلام؟ -أقصد باللغة هنا اللغة الأم وهي اللغة الأولى لأن اللغة الثانية لها تفصيل آخر- تبدأ رحلة اللغة منذ الصغر بالبكاء، الذي يهيئنا للكلام فيما بعد فنبدأ بعدها بتكوين كلمات ثم جمل قصيرة فطويلة فقولٌ كامل مفهوم المعنى. وكل هذا بالطبع أساسه الاستماع، فالشخص الأصم كما نلاحظ لايمكنه الحديث بلغة واضحة!

هناك ثلاث نظريات لاكتساب اللغة وهي: النظرية السلوكية و النظرية الفطرية والنظرية التفاعلية الاجتماعية. يرى ب.ف.سكنر (١٩٥٧) وهو من أصحاب النظرية السلوكية أن الطفل كالإناء الخاوي تضع فيه ماتريد من المعلومات؛ بمعنى أن اللغة مُتعلمة وليست فطرية لدى الطفل حيث يتعلم اللغة عندما يكون داخل محيط (بيئة) من الأشخاص الذين يتحدثون بلغة معينة ويبدأ حينها بالاستجابة. فمثلًا إذا تذوق الطفل الليمون وحس بطعمه الغريب فستخبره أمه بأنه “حامض” بناءًا على ذلك سيتعلم الطفل كلمة جديدة عن طريق الاستجابة والربط، وهكذا دواليك.

أما النظرية الفطرية وهي لنعوم تشومسكي تعارض النظرية السابقة بشدة، حيث يؤكد تشومسكي على أن البشر مهيئون بشكل فطري لتعلّم اللغة، وذلك بوجود جهاز استقبال للغة في عقولنا (LAD). وهناك حقيقتان تدعمان هذه النظرية: ١- أن اللغات البشرية تتشارك بطريقة أو بأخرى في عدة أوجه. حيث أطلق تشومسكي مصطلح القواعد العالمية (Universal Grammar) الذي يعني -كما ذكرت- بأن هناك تشابه بين اللغات البشرية، فكل لغة لديها فعل وفاعل ومفعول به -بغض النظر عن ترتيبهم في الجملة فكل لغة لها ترتيبها الخاص-. ٢- أن الأطفال لا ينسخون الكلام كما يسمعونه من الكبار فقط من غير تغيير، أي أن الطفل ليس متلقٍ سلبي، بل إنه يبدع في اختراع و تكوين الجمل فقد يخترع في بعض الأحيان كلمات وجمل لم يسمعها من قبل.

وأخيرًا جاءت النظرية التفاعلية الاجتماعية لصاحبها الروسي ليف فيغوتسكي والذي يؤمن بأن اللغة تنبثق من البيئة الاجتماعية. فهو يوافق السلوكيّين في ضرورة وجود بيئة لاكتساب اللغة لكنه يخالفهم في اعتبار المتلقين أواني فارغة، في حين أنه يعتبرهم كمشاركين، لكل واحد دوره الفعّال. ونستطيع أن نلخص هذه النظرية في معادلة بسيطة، LAD+Environment= Language – [جهاز استقبال اللغة+بيئة=لغة]

قصة الفتاة جيني خير مثال!

سأنهي مقالي بقصة قصيرة تلخص كل هذه النظريات. بطلة هذه القصة فتاة أمريكية تدعى جيني، ولدت جيني سنة ١٩٥٧، حبسها أبوها داخل حجرة منذ أن كانت ذات عشرين شهرًا إلى أن أصبحت في سن الثالثة عشر لأنه كان يعتقد بأنها كانت متخلفة عقليًا وظنًا منه أن هذه أفضل طريقة لحل هذه المشكلة وأيضًا لخجله من إظهارها بحال كهذه! عندما خرجت جيني للنور ظلت صامتة غير قادرة على التفوه بكلمة واحدة على الإطلاق وذلك بسبب أنها لم تتعرض ولم تسمع لأي نوع من الحديث منذ أن كانت طفلة صغيرة. أقاموا العلماء عليها تجارب حيث وضعوها في مجتمعات مختلفة ليعرفوا ما إن كانت ستتكلم؟! في بادئ الأمر كانت جيني صامتة ومع الوقت بدأت بتكوين جملًا قصيرة غير مرتبة حيث كانت تعبر عما في نفسها بطريقتها الخاصة، وخطوة بخطوة تطورت لكن بشكل ضئيل جدًا. تلخص هذه القصة بأن اللغة فطرية لكنها تحتاج بشدة إلى بيئة تفاعلية لتتكوّن بشكل جيد لدى الشخص، فمن غير بيئة تفاعلية لن تصبح هناك لغة!