بسم الله الرحمن الرحيم


الحياة الدنيا مدرسة تعلَّم فيها أناسٌ، واستفادَ من دروسها أناسٌ.
الحياة الدنيا بدروسها وخِبراتها وكلِّ معانيها، هي مجرَّد مَعبر، معبر لحياة دائمة ومستمرة.
تعامُلنا مع دروس الحياة يَختلف من شخص لشخص، وهذا التعامل يعطي نتائجَ مختلفة بطبيعة الحال.
فالتعامل المبني على علاقة قويَّة بالله - عبادة وتوكُّلاً وتضرُّعًا - يختلف عن تعامُل مبني على ثقة في نفس ضعيفةٍ لا تَضرُّ ولا تنفع، أو تعامُل مبني على جاهٍ ومال ومَنصبٍ.
مقدار توكُّل الإنسان لا تواكُله على ربِّه، ومقدار انشغاله بتطوير نفسه، والتزوُّد بالعلم، يجعل الإنسان قادرًا على الاستفادة بشكلٍ كبير من دروس الحياة.
وخُذْ لذلك مثالاً، فالتعامل مع المشكلات بالهروب منها، لا يعطي نتيجة فاعلة، كتلك الناتجة من التعامل الأمثل مع المشكلة.
كلٌّ منَّا يمرُّ بظروف قاسية ومشكلات كثيرة، فالتعامل الأمثل معها أن نكونَ على يقينٍ تامٍّ أنها حال من أحوال الدنيا المتقلِّبة، ثم نتعامَل التعامل الجيِّد، من خلال إيجاد الحلول لهذه المشكلة، ومن ثَمَّ تطبيق تلك الحلول، وتقييم النتائج؛ لنخرجَ بخِبرة جديدة، وتكون المشكلة فيما بعد مجرَّد ذكرى عابرة.
الطالب المهمل في دراسته، فلا وقت للمذاكرة، ولا وقتَ لحلِّ واجباته، لن يكونَ كشخصٍ ذاكَر الدرس جيِّدًا، وقام بأداء كلِّ ما هو مطلوب منه، فيكون الرسوب للأوَّل درسًا يتعلَّم منه هو، وعِظة لغيره.
الشاب الطائش في تصرُّفاته، والملازم لصُحبة سيئة قد تُوقِعه في المشكلات، وقد تجرُّه لأمور هو في غنًى عنها، وحين يقع في المشكلة ويتورَّط فيها، ويخسر سُمعته ويخسر دراسته، يكون درسًا قاسيًا له، كان لا بد أن يمرَّ به بعد أن فَشِلت الدروس الأخرى: فدرس العِظة بحال غيره فشل، ودرس النصيحة من مُحِبِّيه أيضًا فشل.
السائق المتهوِّر، يرى اللوحات الإرشادية وقد يدفع القسائم المروريَّة، ولا يرجع عمَّا يفعل، قد يَحدث له درس بالفعل قاسٍ، فيكون حادثًا مروريًّا قد يُفقده حياته، حينها يكون درسًا لغيره، وقد يَفقد نعمة من النِّعم التي أنْعَمها الله عليه في جسده، فيبكي ألَمًا بعد أن فَشِلت كلُّ الدروس، والتي كانت تردِّد دومًا كفى تهوُّرًا؛ أهلُكَ في انتظارك.
المدخِّن أدْمَن في تدخينه وأضَرَّ بصحته وصحة مُحِبِّيه، قد تكون زوجة مسكينة، وقد يكون ابنًا ليس له حِيلة، وقد يكون صديقًا جامَله كثيرًا، قد يحتاج لدرسٍ بعد أن فَشِلت دروس كثيرة: فضلاً ممنوع التدخين، لصحتك اتْرُك التدخين، تقارير تلفازيَّة، ومجلات طبيَّة، وحملات توعويَّة، ولكنَّ دَرْسَ إصابته بالمرض، يَجعله يُعيد الحسابات، ولَيْته يُعيدها قبل أن يفوتَ الوقت.
العاصي الذي أدْمَن المعاصي، مرَّ بنشوة المعصية وعاش لذَّتها المؤقَّتة، ثم انقَلَبت النشوة ألَمًا، واللذة حسرة، وما زال يُكرِّر المشهد، ويرتكب ذات المعصية، دون أن يفكِّر في العواقب، وبعدها يندم ويُعاد الدرس مرات ومرات، ولكن بلا فائدة، فالقلب لَم يَستوعب الدرس.
الشاب الذي يُطارد الفتيات، ويكوِّن العلاقات المشبوهة، ويَنسى أنَّ الله يراه، بل يتجاهَل ذلك، معتزًّا بنفسه تارة، وبجماله وماله أخرى، ويتجاهل النُّصح من الناصحين، والذكرى من المُذَكِّرين،، فيَقع حين يكون الدَّين وجَب قضاؤه، وحلَّ إيفاؤه، فيكون الذنب من جنس العمل، فيكون درسًا لغيره، بل أقول: لِمَن يستوعب الدرس.
الطالب الذي تدرَّب على الغِش وتمرَّس عليه، وأصبَح ينافس زملاءه بالجديد في فنِّه؛ ثقةً في نفسه ومواهبه، وتجاهَل حُرمة فِعْله، فمرَّت السنون وهو مستمرٌّ ولا يقع، سيأتي اليوم الذي يقع فيه، وتكون فضيحةً له أمام زملائه ومُعلِّميه، وقد يكون درسًا لغيره الذي فكَّر أن يُمارس ذات الفنِّ البغيض.
العاق لوالديه، رافضًا أوامرهما، مُتعبًا لهما، غير مُهتمٍّ بحالهما، لا يسمع كلامهما، ولا نُصحهما، تجرَّد من الإنسانيَّة التي تحتِّم عليه احترامَ الكبير، فضلاً عن أمر الربِّ - سبحانه - بطاعتهما في غير معصية، يتضجَّر من تصرُّفاتهما، يتأفَّف من طلباتهما، الرحمة كانت بعيدة عن قلبه، والطيب لغيرهم فقط، سيكون الدرس قاسيًا حين يُردُّ الدَّين، فيكون له ابنٌ عاصٍ، يجعله يعيش الأمَرَّين،، درس لا بدَّ أن يواجِهه بعد أن أغْضَب قلبَ الأب الرحيم والأم الرؤوم.
هي دروس وما أكثر الدروس، التي لو فَهِمناها، لَمَا وقَعنا في الكثير من المشكلات.
دروس قاسية لِمَن عايش الحدث، ولكنها فرصة لنا؛ لنتجنَّب الزَّلل.
دروس تنوَّعت وشخصيات تعدَّدت، ولكن هي نفسها تقع بصور مختلفة في أماكنَ مختلفة وشخصيَّات مختلفة.
العاقل مَن تنبَّه، وتذكَّر وتعلَّم، مَن تجنَّب الوقوع، وكان على حذرٍ من كلِّ شرٍّ يُحيط به.
ولا تزال الدنيا بخير، بها صور راقية جميلة، تدلُّ على تمسُّكٍ كبير بهذا الدين، ومستوى خُلقي عظيم، وفي الحديث قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن الدنيا حُلوة خَضِرة، وإن الله مُستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتَّقوا الدنيا واتَّقوا النساء؛ فإن أوَّل فتنة بني إسرائيل كانتْ في النساء، وفي حديث بشَّار: لينظر كيف تعملون))؛ مسلم.
اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانْفَعْنا بما علَّمتنا، وزِدْنا عِلمًا وتقوًى وإخلاصًا.