إن الحياة مليئة بالمصاعب ومواجهة المتغيرات الطبيعية والاجتماعية التي تهز كيان الإنسان وتجعله يشعر بالضعف إزاء حوادث الحياة وتعقيدات المجتمع.
فمن جهه يشعر الفرد بأنه ضعيف أمام قوى الطبيعة، ومن جهة أُخرى يعيش الفرد ضعف آخر في مقابل الآخرين وذلك لأنّ الإنسان يجّد نفسه دائماً أقل من الآخرين في مرحلة الطفولة، أو بعبارة أصح أنه عندما يقيس نفسه إلى الآخرين يجد فيهم مميزات لا توجد فيه لأنّهم أكبر سناً منه وأكثر تجربة، فيشعر في قرارة نفسه بالتهديد المبطّن من هؤلاء، حيث وضعهم المتفوق يوحى اليه بأنّه أقل شاناً منهم، فيحاول أن يدرأ عن نفسه هذا التهديد للشخصية، لأن الرغبة في التفوّق متأصلة في ذات الإنسان وعندما يدرك تفوق الآخرين وقصور نفسه تنعكس فيه حالة الخلل النفسي وعدم التوازن بين ما هو فعلاً وبين ما يطمح أن يكون، وكلما اشتد فيه هذا الشعور تطلّب منه السعي الجاد لإعادة التوازن باكتساب امتيازات جديدة في التنمية النفسية.
وهذا الأمر طبيعي ولا يشكّل ظاهرة سلبية في الفرد لأنّه من الطبيعي أن يحاول الإنسان التغلّب على ما يواجهه من مشاكل وقوى مضادة بدافع التكامل الذاتي وغريزة التفوّق أو استعادة التوازن النفسي والغلبة على الخلل الناشىء من طموحات الفرد وقابلياته الفعلية.
ولكن إذا زادت القوى الخارجية من ضغطها على الفرد، وشعر بالعجز عن مواجهتها والتوافق معها، وشعر بأنّ هذه القوى تشكّل سداً منيعاً يقف أمام نموه النفسي وتوسعة دائرة وجوده الشخصي فذلك كفيل بايجاد الإحساس بالحقارة والذلة، وفي حالة الاستمرار على هذا الحال يتراكم هذا الاحساس ويتحول إلى عقد الحقارة وبالتالي يؤدي ذلك إلى الضعف في شخصيته، وهذا الضعف يعيق الفرد عن استغلال طاقاته وقابلياته في تنمية شخصيته وترشيدها بما فيه صلاح مستقبله ومستقبل أُمته، وذلك لأنّ الـمُصاب بهذا المرض يصرف جل طاقاته في سبيل التغلب على هذا المرض والتخلّص من الألم النفسي في عملية جبران الخلل وتعويض النقص.
جبران النقص في الشخصية
تقوم النفس لدفع ألم النقص بمحاولات عديدة لدفع هذا الألم وجبران ذلك النقص، فتارة يتخذ الفرد أساليب وهمية لجبران النقص وهذا هو الغالب في مرحلة الطفولة والمراهقة، حيث تحاول النفس استغلال الفرص والقابليات في الإنسان في أعمال وهمية من أجل لفت الأنظار وكسب اعجاب الآخرين والحصول على عناوين وسمات وهمية تغطّي على النقص الحقيقي كالتفنن في الحديث أو اختراع القصص البطولية الكاذبة عن نفسه، وإن لم تكن فيه منقبة يتحدث عنها فانه يستبدل عن ذلك بالتحدث عن مناقب أبيه أو عشيرته أو من يعتبره مثالاً في حياته فيحيطه بهالة من القدسية والعناوين البراقة وينسب نفسه اليه.
ومن الجبران الوهمي التكاثر في الأموال والأولاد، أو التكبر والاستعلاء واحتقار الآخرين وفي الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام:
((ما من رجل تكبّر أو تجبّر الاّ لذلة وجدها في نفسه))(1).
وبالامكان ترتيب أشكال الجبران كما يلي:1 -
1 -الجبران الكتماني: وفيه يسعى الفرد إلى كتمان نقصه وستره باخفائه بالسكوت أو بالعزلة وعدم الاختلاط مع الناس.
2 - اللجوء إلى أحلام اليقظة: فيحاول أن يعيش دائماً في عالم الخيال، وأن يكسب منه وجوده وشخصيته وكماله بما يجبر به ضعفه ونقصه الحالي.
3 - اللجوء إلى اتهام الآخرين بالنقص ليصرف ذهنه إلى الطرف المقابل وكانه يريد أن يقول: إنني لست وحيداً في هذا النقص فالآخرين أيضاً لديهم نواقص مماثلة فيشعر في قرارة نفسه بارتياح خفي. وبهذا يستطيع الفرد من تخفيف الضغط النفسي والشعور بالحقارة والنقص.
4 - التقمص وتقليد شخصيات العظماء لجبران حقارته، وهذا التقليد وإن كان نافعاً للطفل في تنشئته الاجتماعية، الا أنه إذا زاد عن حدّه واستمر في سنوات الرشد فانه يعبر عن مرض نفسي وإن هذا الشخص لا يحب شخصيته الفعليه ويشعر معها الدناءة والحقارة فلذلك يريد التخلّص منها.
5 - جبران الشعور بالحقارة بطلب الرئاسة والسلطنة، وذلك إن خضوع الآخرين له وتملّقهم اليه يروى فيه ظمأ العزة والرفعة والتفوق على الناس، ويعوض فيه ما يشعر من النقص والحقارة.
جملة من أسباب المرض:
1- السبب الاجتماعي كأن يكون من طبقه دانية أو من قومية سافلة في نظر الناس وإن كان الواقع غير ذلك.
2 - تأثير التربية القاسية في مرحلة الطفولة واحتقار الطفل وتقريعه المستديم وتوبيخه أو الافراط في التدليل واظهار المحبة.
3 - الحكومات الجائرة وذلك لاستخدامها أساليب التحقير واذلال الناس ليمهدوهم للطاعة العمياء.
4 - تراكم الذنوب حيث يشعر الإنسان معها بأنه مذنب وآثم ولكنه يحاول التغطية على ذنوبه أمام الآخرين.
علاج المرض
عندما نستعرض المفاهيم الإسلامية والتعليمات القرآنية نرى أن أغلب هذه الأسباب تتعلق بافكار وهمية واعتقادات باطله ولهذا اهتم الإسلام بتصحيح هذه المفاهيم الخاطئة فشجب هذه الأفكار الوهمية لتزول عند ذلك الكثير من أحاسيس الحقارة لدى الناس.
وبعد أن يحل الإسلام كثيراً من المشاكل الوهمية المؤثرة في الاحساس بالحقارة، يأتي إلى مجال التربية ويؤكد للوالدين احترام الطفل وتربيته على ضوء المنهج الإسلامي.
اما الحكومات الجائرة وأساليبها في ترويض الناس وتحقير الأفراد واذلالهم، فالحل الوحيد هو التصدي لها بمختلف الأساليب وأولها هو الاعتقاد بعدم مشروعيتها، لأن هذا الفهم يمثل القاعدة التحتانية لكافة البناء العلوي للثقافة الاجتماعية في الإسلام ويضمن للفرد حصانه نفسية من التلوث بالمحيط المنحرف على الأقل.
اما مسألة الذنوب ومدى أثرها في توكيد عقدة الحقارة فهي الأصل الذي اهتم الإسلام بمعالجتها ولا علاج لها الا بالتوبة وتعميق الايمان بالله وتوفير أفضل الاجواء لتزدهر فيه الفضائل والخصال الحسنة.