يعرّف كتاب اضطراب التوحد حالة التوحد التي تصيب الأطفال، بأنها عجز يعيق تطوير المهارات الاجتماعية والتواصل اللفظي وغير اللفظي، واللعب التخييلي والإبداعي، نتيجة اضطراب عصبي يؤثر على الطريقة التي يتم من خلالها جمع المعلومات ومعالجتها بواسطة الدماغ، مسببة مشكلات في المهارات الاجتماعية، تتمثل في عدم القدرة على الارتباط وخلق علاقات مع الأفراد، وعدم القدرة على اللعب واستخدام وقت الفراغ، وعدم القدرة على التصوّر البنّاء والتخيّل، أضف إلى ذلك أنماط من السلوك الشاذة.
وأشار الكتاب إلى أن اضطراب التوّحد (Autism) حيّر العلماء منذ اكتشافه عام 1943، كما أنه عادة ما يظهر خلال السنوات الأولى من عمر الطفل، ويقدر انتشار هذا الاضطراب مع الأعراض السلوكية المصاحبة لـه بنسبة واحد من بين 500 شخص، وتزداد نسبة الإصابة بين الأولاد عن البنات بنسبة 1-4، ولا يرتبط هذا الاضطراب بأية عوامل عرقية أو اجتماعية.
حيث لم يتوصل العلماء حتى الآن لنتيجة قطعية لتحديد السبب المباشر للتوحد، أو الجينات المسؤولة عنه. لكن يمكن تعديل سلوك الأطفال، وتذليل الصعوبات السلوكية من خلال تعزيز استقلاليتهم الشخصية والمسؤولية الاجتماعية، وتحسين مهارات التواصل اللفظي وغير اللفظي.
واعتبر التوحّد قديماً حالة من حالات الاضطراب العقلي أو الفصام الطفولي، حتى اكتشف الطبيب النفسي الأميركي ليو كانر عام 1943، من بين مجموعة من الأطفال ذوي الإعاقة العقلية الذين يتعامل معهم طفلاً منهم بأعراض تأخر وقصور في القدرات المختلفة، فأطلق على هذه المجموعة مصطلح التوحّ، وذلك للمرّة الأولى، ويعرف كانر التوحّد، ويصفه بالنقص الشديد في التواصل العاطفي مع الآخرين، وحبّ الروتين، والتمسك الشديد وغير المناسب بالأشياء، والظهور على هيئة طفل أصمّ أبكم، والاحتفاظ ببعض القدرات المعرفية الجيدة. كما أن طفل اضطراب التوحد يولد طبيعياً، وليس لديه أية إعاقة جسدية أو خلقية.
وتبدأ المشكلة بملاحظة الضعف في التواصل مع الآخرين، ثم يتجدّد لاحقاً بعدم القدرة على تكوين العلاقات الاجتماعية، وميله إلى العزلة، مع ظهور مشاكل في اللغة ومحدودية في فهم الأفكار، كما يحتاج إلى الآخرين في تسيير أمور حياته، ويكون مركزاً في عدم القدرة على التواصل الاجتماعي والتواصل اللغوي، وبالتالي المضي في هذه الحياة. ولا يظهر على الأطفال المتوحّدين ما يميزهم جسمانياً للوهلة الأولى، ولكن عند النظر بتروٍّ لأذن الطفل سنلاحظ تشوهاً بسيط فيها، يستدل بهذا التشوه على وجود سبب تخلقي للتوحّد، حيث ان الدماغ يتطور في المرحلة الجنينية بتزامن مع الأذن.
ويلاحظ على الأطفال المتوحّدين تأخراً وعدم التمايز بين اليمين واليسار عند وصولهم لسن يكون فيه أقرانهم قادرين على ذلك. كما تكون العلامات الجلدية المميزة، مثل (البصمات) غير طبيعية لدى الأطفال المتوحّدين، كما أن الجلد والدماغ يشتركان جينياً في المنشأ، ويعتقد أنّ الاضطراب يبدأ مبكراً جدّاً أثناء الشهور الأولى، ويفتقد الأطفال التوحديون العلاقة الطبيعية مع الوالدين والآخرين المحيطين بهم، ولا ينتبه إلى أي شخص قادم أو خارج أمامه، كما أنهم لا يلتقون بنظرات عيونهم مع عيون الآخرين، ويبدو عليهم غياب الوعي بشكل كامل. وأضاف الكتاب أن طفل التوحّد لا يستمتع بوجود آخرين معه ولا يشاركهم اهتماماتهم، ولا يحب أن يشاركه الآخرون ألعابه، بل يلعب لوحده، كما انه لا يحب أن يختلط بالأطفال.
وقد يقضي وقتاً طويلاً منعزلاً ومنفرداً. كما يلاحظ عليه أنه يلتصق بشدة بأشياء من المفروض ألا تعني لــه شيئاً، ويصطحبها معه عندما يأوي إلى فراشه، كأن يمسك بملعقة معدنية أو مشبك ملابس..الخ، وباختصار فإنّ كل ما يريده الطفل المتوحّد من الآخرين هو أن يُترك وشأنه، فهو يرفض أي محاولة منهم للتدخل في شؤونه وعالمه الخاص، لأنه يتصف بالتمسك والإصرار على أفعال معينة وصعوبة التغيير للأمور العادية. وفي الحالات التي يعبّر بها عن الحب للطفل فقد يكتفي بتقبيله بطريقة مقتضبة أو لمسة، لأنّ المزيد من العمق العاطفي قد يجعل الطفل يبتعد ويتفادى مثل هذه المواقف، وقد يجد المتوحّد متعة كبيرة في الحركات التي تثير جهاز التوازن في الأذن كحركات الدوران والقفز والأرجحة.
ورغم ذلك قد تجد لدى بعض أطفال التوحّد قدرات خارقة، كقدرة بعضهم على الرّسم بالأبعاد الثلاثة، أو عزف مقطوعات موسيقية معقّدة أو إجراء عمليات حسابية طويلة والوصول للحل بمجرد النظر إليها، كما يتميزون بذاكرة حادّة جدّاً، وخاصة في تذكر الأماكن. ونبه الكتاب إلى أن تطوير مهارات اللعب لدى أطفال التوحّد يعطيهم إحساساً بالتميز والإتقان، ممّا يزيد من سعادتهم ويحفزهم لمزيد من اللعب، حيث ان الطفل التوحّدي الذي يجد صعوبة في التعبير عن أحاسيسه وأفكاره من خلال الكلام قد يجد الفرصة للتعبير عنها من خلال اللعب.
كما أنه يعاني من صعوبة اللعب مع الأطفال الآخرين، مطالبا الجهات المختصة يجب أن توفر لأطفال المتوحّدين المرافق العامة التي تتوفر فيها الألعاب والأجهزة الترفيهية والأجهزة الإلكترونية، ذات الألعاب التعليمية المتنوعة المناسبة لهم. كما لاحظ آباء الأطفال التوحّديين أنهم سرعان ما ينهمكون في ألعاب الحاسوب بسعادة وانشراح وسلام، ويتبادلون الكلام والضحكات ومشاهدة ألعاب بعضهم بعضاً، وهذا الشعور بالثقة أثناء اللعب يقلل من اضطرابات السلوك لديهم.