الخيارات والبدائل الاستراتيجية


[COLOR="rgb(0, 100, 0)"]لم يحدث من قبل أن مرت الشركة بمثل هذه المشكلات المتداخلة والمعقدة ، إلى جانب الغموض الذي يكتنف المرحلة المستقبلية وكثرة المتغيرات على الصعيد المحلي والعالمي ، مما جعل مجلس الإدارة والفريق الاستراتيجي يشعر بخطورة المرحلة القادمة ، وأنها مرحلة تحمل من جوانب الخطورة الكثير والكثير ، ولكنها أيضاً تحمل من الفرص الثمينة ما لو تمكنت الشركة من استغلاله لتجاوزت هذه المرحلة ، بل وربما حققت ما هو أبعد بكثير مما كانت تحلم به ، ومن يدري فربما تنطلق إلى هذه المرحلة الجديدة المشرقة , ولكن الأمر يحتاج إلى رؤية مستقبلية ثاقبة تعتمد على دراسة المعطيات المستقبلية أكثر من اعتمادها على الحدس والتجريب والمخاطرة .


الوضع الجديد وضع الشركة أمام عدد كبير من السيناريوهات المعقدة ، والخيارات الصعبة التي يحتاج كل منها إلى دراسة شاملة ، وتمثلت هذه السيناريوهات فيما يلي :
1. هل تستمر الشركة في أدائها بنفس الأسلوب السابق وتدير ظهرها لكل هذه المتغيرات باحثة عن مستهلك جديد في السوق المحلية بنفس قوة المستهلك السابق ( الحكومة) ولكن هل ذلك ممكن ؟
2. هل تواصل الشركة نموها الطبيعي على خطي الإنتاج ( الأدوية / التجهيزات الطبية ) أم تنكمش وتوقف أحد الخطين أو تتخلص منه ؟
3. هل تتفاوض الشركة مع الشركات المعنية بحقوق الملكية الفكرية ؟ وتتوصل معها إلى اتفاقيات معينة أم تلجأ للتعاقد مع شركات متخصصة في المحاماة والمرافعات في القضايا الدولية ؟
4. هل تعزز من قدراتها التنافسية ؟ أم تلجأ إلى الاندماجات الاستراتيجية ؟ وهل يتم ذلك مع المنافس الضعيف المحلي الذي ينظر إليها كشريك قوي ؟ أم مع بعض المنافسين الدوليين الذين ربما ينظرون إليها كشريك ضعيف ؟
5. هل للشركة قدرة تنافسية عالمية ؟ أم أنها تحتاج إلى تغييرات جوهرية وإعادة صياغة ؟
6. هل تتوجه الشركة بصادراتها إلى الأسواق الخارجية ؟ وهل ذلك ممكن ؟ وكيف لمنتجاتها أن تحصل على حصة سوقية في أسواق جديدة ؟


انهمك أعضاء مجلس الإدارة والفريق الاستراتيجي في دراسة دقيقة وحذرة لدراسة البدائل المتاحة , وتتبع كل منها والإبحار معه إلى المستقبل محاولين استشراف المستقبل من خلال عمليات عصف ذهني متكررة تمت الاستعانة فيها بموظفين من الشركة من جميع مستويات الشركة ، إلى جانب الاستعانة ببعض الخبراء الاستراتيجيين من خارج الشركة ، كما حصلت الشركة على أحدث القرارات الصادرة عن منظمة التجارة العالمية ، كما تم الاطلاع على جميع البنود التي لا زالت تحت الدراسة ولم يبت فيها حتى تأريخه ، كما أمعنت الشركة التدقيق في الطلبات المقدمة للانضمام والاعتراضات المرفوعات والتعديلات المتوقعة ، مما أكسب فريق الشركة قدرة كبيرة على توقع المعطيات العالمية القادمة .
[/COLOR]

سيناريوهات ومفاجآت


[COLOR="rgb(0, 100, 0)"]
أبدى بعض أعضاء مجلس الإدارة ارتياحهم الكبير لفكرة التوجه بالمنتج إلى بعض الأسواق العربية ، وعند دراسة أسواق هذه الدول تم التوصل إلى أن الأسواق العربية تنقسم إلى قسمين :

1. دول عربية غنية ومغرية ولكنها لا تمثل أي فرصة سوقية لأن بعض الشركات قد استحوذت على هذه الدول وهذه الشركات إما أنها تابعة لتلك الدول أو لشركات دولية أو لشركات جديدة ناتجة عن اندماجات بين شركات متعددة .

2. أسواق عربية فقيرة وغير مغرية ، ولديها مصانع أدوية متدنية المستوى ولا يمكن منافستها بسبب انخفاض تكلفة الأدوية المتوفرة لديها.


وجاء الاقتراح الخطير من أحد أعضاء مجلس الإدارة بضرورة التركيز على إحدى كبريات الدول في العالم واقتحام أسواقها بكل قوة والانتشار بها عن طريق القنوات الإعلامية المختلفة وتنفيذ خطة تسويقية ترويجية تستهدف مواطني تلك الدولة حيث تقدم لهم الأدوية بتكلفة أقل من الأدوية الأخرى المنافسة ( تخفيض السعر بهدف كسب شريحة كبيرة من المستهلكين الجدد ، ثم العودة به تدريجياً بعد الاستحواذ على حصة سوقية مجدية ) خاصة أن لدى الشركة ودائع مالية مرتفعة تساعدها على الصمود على المدى البعيد وخاصة أن منتجاتها ستكون معفاة من الرسوم الجمركية في البلد المستهدف ، ولكن جاء جواب الفريق الاستراتيجي مخيباً لآمال مجلس الإدارة إذا أن قوانين منظمة التجارة العالمية تنص على أن هذا التصرف هو ما يسمى بسياسة الإغراق في السلع وهو محرم دولياً حسب اتفاقيات المنظمة ، وعلى كل دولة أن تقدم منتجاتها إلى العميل النهائي في البلد المستهدف بتكلفة لا تقل عن وصوله إلى العميل في بلد الإنتاج ، كما بدا أن المنافسين في هذه الدول أكثر خبرة ومنتجاتهم أكثر جودة وسمعة ، كما أن دولهم الصناعية قد خفضت الرسوم الجمركية للسلع المستوردة لأنها غير مؤثرة على اقتصادها أصلاً وذلك لأن الرسوم الجمركية لهذه الدول غير مرتفعة أصلاً ،كما أن وارداتها لا تكاد أن تذكر قياساً إلى صادراتها ولكنها تفرض رسوماً ضريبية ( غير مشمولة باتفاقيات منظمة التجارة العالمية ) على المستهلك النهائي للسلع المستوردة من الخارج مما يرفع سعر المنتج الوافد على المستهلك النهائي ، وبذلك يصله المنتج أعلى كلفة من المنتج المحلي الذي هو أفضل أصلاً من حيث الجودة ، إضافة إلى أن هذه الدول تمارس أنواعاً شتى من الضغوط على منتجات العالم النامي لكي لا تغزوها في عقر دارها مثل حقوق الملكية الفكرية ( التي هي مشكلة كبيرة للشركة العربية المتقدمة ) ومثل خلو هذه السلع من الإشعاعات ، ومطابقتها للمواصفات القياسية للدول المستوردة لا المصدرة .

ومرة أخرى عادت الأمور إلى حيثما بدأت وبدا كأن النقاش يدور في حلقة مفرغة ويسير في طريق مجهول المعالم وكثير الأخطار .
[/COLOR]



( الخيار الاستراتيجي )



[COLOR="rgb(0, 100, 0)"]أو ما يسمى بالخيار المفضل جاءت فكرته من أحد أعضاء الفريق الاستراتيجي وهي فكرة جديدة وجيدة حيث اقترح أن تقوم الشركة بعقد اتفاقية ثنائية تبادلية مع إحدى كبرى الشركات المتخصصة في المجال الصحي في إحدى الدول ذات الكثافة السكانية الكبيرة بحيث تكون منتجات هذه الشركة مختلفة عن منتجات الشركة العربية المتقدمة ولا يهم إن كانت هذه المنتجات تابعة أو مكملة أو مستقلة ، بل المهم أن تكون الشركة ذات سمعة عريقة في بلدها وذات إمكانات مادية مغرية وصناعة متميزة مطلوبة في السوق السعودية بحيث ينص هذا الاتفاق على إحداث نوع من الاندماج والشراكة الشكلية وهي في حقيقتها اتفاقية تسويق بحيث يعلن عن هذا الاندماج في وسائل الإعلام المختلفة وتصدر له المستندات الرسمية اللازمة في كلا البلدين وبعد ذلك تتولى كل شركة مهمة فتح أسواق بلدها لمنتج الشركة الأخرى وتسوق كل شركة منتجات الشركة الأخرى في موطنها على أنه أحد منتجاتها مقابل نسبة مجزية من صافي الأرباح المحققة ، وبهذا تجد هذه المنتجات سوقاً جديدة واعدة وتسلم في نفس الوقت من الضرائب ومن الرسوم الجمركية حتى ولو كانت مخفضة .

أبدى عدد كبير من أعضاء الفريق الاستراتيجي ومن أعضاء مجلس الإدارة ارتياحهم العميق لهذا الخيار ، وأكمل رئيس مجلس الإدارة هذه الفكرة بقوله : ولعلنا إذا وفقنا في التعاون مع شركة مناسبة تماماً لأهدافنا بحيث نكون مكملين لبعضنا البعض أن نتحد في شركة واحدة عملاقة ونحقق العالمية لشركتنا خاصة أن بلادنا منضمة إلى منظمة التجارة العالمية ويحق لنا الاندماج مع أي شركة بدولة أخرى ذات عضوية مادام هذا التعاون أو الاندماج في إطار بنود المنظمة .
[/COLOR]



الزمن القادم زمن التكتل من أجل التنافس


[COLOR="rgb(0, 100, 0)"]
من خلال الوصول إلى هذه الفكرة أظهرت الشركة العربية المتقدمة أنها فعلاً تمتلك المرونة اللازمة للتأقلم مع متغيرات السوق العالمية الجديدة ، وسواء أتم الاندماج مع الشركة التي تم الاتفاق على مواصفاتها الأساسية أم لم يتم فلا خوف على الشركة العربية المتقدمة لأنها أظهرت قدراً كبيراً من المرونة ودراسة واعية للحاضر والمستقبل بكل تغيراته المتسارعة ، فقد أبدت الشركة استعدادها وقدرتها على تبني كثير من السيناريوهات الواقعية من انكماش وتوسع واندماج كلي أو جزئي ، المهم أن هذه الشركة أدركت المتغيرات وأبدت قدرة كبيرة على التعايش معها ، وهذا ما سوف يعزز مكانة هذه الشركة ويجعلها تقتحم بعض الأسواق العالمية بكل ثقة وتطور منتجاتها ، وخاصة أنها منذ البداية حرصت على تبني قيم الجودة والإنتاجية والوفاء بالالتزام والتحسين المستمر والتطوير الدائم وهذه هي مقتضيات البقاء في الزمن القادم الذي هو زمن التكتل من أجل المنافسة الأقوى وليس التشرذم أو التقوقع لأنها الخيارات الأضعف .
[/COLOR]



القرار الاستراتيجي


[COLOR="rgb(0, 100, 0)"]
بعد دراسة واسعة للسوق العالمية ومتابعة كبرى الشركات الطبية فيها , وجدت الشركة العربية المتقدمة ضالتها في شركة هندية تسمى نفسها ( شركة المستقبل الواعد ) وكانت هذه الشركة متخصصة في صناعة الأطراف الصناعية ومستلزمات التحاليل الطبية ، ولها رغبة قوية في دخول السوق السعودية بل والخليجية ، ورأت أن الشركة العربية المتقدمة تعتبر ممراً رائعاً تلج من خلاله إلى هذه السوق الواعدة وخاصة فيما يتعلق بمستلزمات التحاليل الطبية ، كما أنها تسعى أيضاً إلى تكامل المنتجات وإلى السمعة والمكانة الدولية من خلال الشراكة الإيجابية الفعالة ، كما أن للشركتين نفس الروح المتطلعة الوثابة التي ترنو إلى أسواق جديدة واندماجات أكبر مع شركات في الدول الصناعية الكبرى في مستقبل الأيام .
[/COLOR]


خاتمة


حققت الشركة العربية المتقدمة للأدوية والصناعات الطبية بغيتها وحفظت مكانتها وجميع خطوط إنتاجها كما حصلت على سوق عالمية كبيرة متمثلة في السوق الهندية ، وكذلك حققت شركة المستقبل الواعد لصناعة الأطراف الصناعية ومستلزمات التحاليل الطبية أهدافها في دخول السوق الخليجية وكانت كل واحدة من الشركتين تسعى إلى علاقات أشمل وأكبر .. الخ


أثر هذا الاندماج على سمعة الشركة العربية المتقدمة إيجابياً وأعطاها قفزة نوعية ومكانة أعلى مما كانت ، فما كان من وزارة الصحة إلا أن جددت عقدها مع الشركة ولكن لفترة خمس سنوات حيث إن حجم المتغيرات ، لم يعد يسمح بالاتفاقيات بعيدة المدى ، وهكذا أثر هذا الاندماج إيجابياً على الشركة فكسبت حصة أخرى من السوق المحلية إلى جانب فرصة واعدة في السوق العالمية ، ولو أنها لجئت إلى سيناريو واستراتيجية الانكماش أو الإنزواء والتقوقع لخسرت السوق المحلية والعالمية على حد سواء ، ومع حدوث هذا التوفيق الجميل الناتج عن حسن التخطيط للمستقبل والاستفادة من التغيرات العالمية إلا أن هذا كله لا يمنعنا من القول أن الظروف الحسنة والدعم الحكومي قد لعب دوراً مؤثراً في دعم الشركة العربية المتقدمة ، وكانت غلطتها الكبيرة أن صورة المستقبل لديها كانت ضبابية وغير واضحة المعالم ، وأن رؤيتها واستشرافها للمستقبل بعد تأثير اتفاقيات منظمة التجارة العالمية لم تكن كما يجب .


ويبقى السؤال الكبير والمهم : كم من الشركات العربية سوف يسعفها التوفيق في الحصول على حليف مناسب ومكمل؟ وكم من الشركات يمكن أن تجد دعماً حكوميا كبيراً؟

كما يبقى السؤال المهم الذي لم تجد الشركة العربية له إجابة حتى هذا اللحظة وهو :
ما هي الحلول التي قدمتها إزاء مشكلة حقوق الملكية الفكرية ؟؟؟

نتمنى من الله أن يوفق كل الشركات العربية إلى المسارعة في دراسة الوضع الحالي والمستقبلي بكل آماله وآلامه , وأن يوفق قيادات هذه الشركات للصمود واختيار البدائل الاستراتيجية المناسبة لكل مرحلة بما يحقق آمال الشعوب العربية التي ملت من كونها شعوباً للدول النامية ( وللأسف فإن بعضها من الشعوب غير النامية ) وكلنا أمل أن تتقدم نحو الصدارة