الثقافة هي أسلوب أو طريقة الحياة التي يعيشها أي مجتمع بما تعنيه من تقاليد وعادات وأعراف وتاريخ وعقائد وقيم واهتمامات واتجاهات عقلية وعاطفية وتعاطف أو تنافر ومواقف من الماضي والحاضر ورؤى للمستقبل.

فإذا نظرنا إلى واقع بعض المنظمات اليوم لوجدنا فيها انتشاراً لظاهرة الإلغاء لجهود الآخرين ونسف أعمالهم وهذه الظاهرة تُعد من متلازمات الماضي والتي ما زالت حتى اليوم تتمثل في عديد من السلوكيات والممارسات الخاطئة التي نشاهدها ونلمسها في هذه المنظمات.

وأصبحت مع الأسف تترسخ شيئاً فشيئاً داخل مجتمعنا، حيث يحاول البعض إلغاء ومسح دور الآخرين وجهودهم التي قاموا بها، والانتقاص من أدوارهم، وعدم الاعتراف بما قاموا به مهما كان هذا أو ذاك العمل، بل يعمد البعض إلى تغيير عديد من الإجراءات والخطوات والأنظمة عندما يتسلم منصباً وظيفياً متناسياً وناسفاً لجهد من قبله، وعدم الاعتراف بأدوار الآخرين أو استكمالها، بل يتعمد البدء من جديد وبأساليب مختلفة وأنظمة جديدة، إلى غير ذلك من تبعات، ليشد الانتباه بوجوده رافعاً شعار «هأنا ذا».

إن هذا الفعل وغيره يثير قريحتنا ببعض الأسئلة التي تبحث عن إجابة ومنها، لماذا نرى البعض يُمارس التسلط والتهميش لجهود الآخرين؟ ولماذا نلجأ للاستهزاء بقدرات الآخرين؟ ولماذا نُنكر دور الآخرين حتى ولو كان بسيطا؟ ولماذا نُفعل الذات والأنا ونلغى من حولنا؟ ولماذا لا نقدر آراء وأفكار الآخرين؟ وهل أن محو الآخرين يعني أننا أفضل وأرقى منهم؟.

إن الإجابة عن التساؤلات السابقة تكمن في وجود أسباب كثيرة تعود لغياب ثقافة المؤسساتية، وثقافة المسؤولية، وثقافة الأنا الجمعي. ومما لا شك فيه أن من شأن مثل هذه الممارسات الخاطئة، أن تبلور فكراً غير سليم في التعاطي مع مؤسسات الدولة الخدمية ذات الصبغة العامة في خدمة شرائح واسعة من المجتمع، لتتحول وكأنها مؤسسات خاصة يعبث فيها المسؤول كما يشاء.

ولو نظرنا لهذه الظاهرة من الناحية الاقتصادية لوجدنا أنها تكلف الجهات مبالغ إضافية لتغيير الأنظمة والإجراءات والموارد البشرية، وغيرها من التكاليف التشغيلية الأخرى، وذلك لأن أي تغيير في نمط العمل أو أساليبه من شأنه أن تترتب عليه تبعات من الجوانب كافة، ناهيك عما سيتكبده المراجعون من عناء وتشويش عند مراجعتهم هذه الجهات التي تتغير فيها النظم والإجراءات بين عشية وضحاها، لمجرد تغيير المسؤول، وتبعاً لذلك تتغير كل المجريات والآليات إضافة إلى أثاث المكتب والموظفين... إلخ.

إن في دولة المؤسسات والقانون دائما ما تجد الجهات راسخة وتجد الأنظمة والقوانين والقرارات ثابتة، لا تتغير لمجرد تغيير مسؤول، بل يكمل مسيرة من كان قبله لوجود خطط استراتيجية، وأهداف مطلوب تنفيذها وإكمال ما بدأ منها، وإن كان بفكر مختلف إلا أن ذلك لا يعني إلغاء السابق إلى غير ذلك من ممارسات.

وقفة:

إن الثقافة طريقة تفكير وأنماط سلوك ونُظم ومؤسسات اجتماعية وسياسية وما يعيشه المجتمع من انفتاح أو انغلاق، وظاهرة ثقافة إلغاء الآخر ناتجة عن عدم وعي وإدراك لحدود المسؤولية، ونطاق الحركة التي يمكن أن يتحرك بها المسؤول، ووضوح الاختصاصات ومهام العمل، ودائماً يجب أن يتطلع المسؤول إلى مراجعة الذات في عديد من المرئيات ذات العلاقة، حتى لا تصبح هناك متوالية إلغائية كل يلغي الآخر، وقد يلغي الجميع إن استطاع!!