الحياة الزوجية: من الداخل ومن الخارج


الدكتور موفق العيثان ، استشاري علم النفس العيادي والعصبي

رغم أن رائد كان يتحدث عن موضوع حساس إلا أنه كان مرتاحا جدا للتحدث والتعبير عما في خاطره. كانت الجلسة الأولى متعبة له وللزوجة. والجلسة الثانية طلب أن يتكلم وحده......ووحده تكلم.

لقد مر على زواجهما 8 أشهر والمعاناة والإرهاق النفسي الذي مرا به يعد بمقدار السنين. إن كل كلمة أو مزحة من الأهل بخصوص "العريس" ويا بختك ومشغول جدا هذه الأيام العريس"كل هذا يزعجه بدرجة لا يمكن تخيلها وتصل به الأمور لأن يكره نفسه. أصبح يتهرب من المناسبات الاجتماعية ولا يطيق التحدث إلى الأقارب.
أهله وأقاربه المقربون يعرفون أنه لا يعيش حياة زوجية سعيدة. كما يعرفون أن الأهل والزوجة طرقوا كل العلاجات من أبوابها وشبابيكها...ولا فائدة.
كان رائد متفوقا في الدراسة وبعد فترة من الثانوية اختلط بناس اثروا عليه وعلى دراسته. أصبح متأخرا دراسيا وترك الدراسة في عمر العشرين والتحق بالجيش ولكنه ترك الجيش أيضا بعد فترة لأسباب ليست واضحة منها صحية. على الرغم من أن عمره الآن 26 سنة إلا أنه يعاني من صعوبة من التكيف وهو لا يجد أي عمل يعيش من ورائه. ساعده الأهل كثيرا وزوجوه من فتاة يعرفون أهلها. هو لا يشكو أبدا منها...لكن الحياة الزوجية في بركان من المعاناة. لأنه بعد مضي أسابيع لم يستطع أن يقارب زوجته التي لا ينقصها شيء.. فبدأت المشاكل. تدخل الأهل بطريقة أحيانا مقبولة وأحيانا أخرى مرفوضة مما سبب مزيداً من التعقيدات في البداية لكن الأمور هدأت بعد حين.
ثم بدأت العلاجات...أو "الشعوذات" أحيانا. ذهبوا برائد والمسكينة زوجته إلى من يقرأ عليها ويشربها ماء مقروء عليه وهي ساكتة. قام هو بغسل أكواب من الشاي والقهوة (بعد شرب الآخرين بها) وشربها مباشرة للعلاج.. ولا فائدة. سافر إلى آخرين ممن طافت سمعتهم الآفاق ودفع الآلاف لكي يحصل هو وزوجته على العلاج. وأهله يقومون بالواجب...حتى أهل زوجته لم يترددوا في دفع الأموال لعلاج ابنتهم وزوجها- هم ككثيرين يظنون أن المشكلة مرض أو اضطراب بسبب السحر أو العين....... حتى إن بعض المشايخ قالوا لهم إنه لا دليل على إصابة الاثنين بهما.
بدأ رائد يعاني أكثر وبدأت علامات الاكتئاب تنتابه وهو لا يعرف ما يفعل. كما أن الزوجة أصبحت تتوارى عن الأنظار وكأنها قد اقترفت جرما. لا حل بأيديهما- هكذا بدأت الأمور من الخارج- والأهل عجزوا عن فعل أي شيء.
سيقول القراء الكرام إن الموضوع متكرر وإن الأحداث ليست غريبة، وهذا بيت القصيد. كثيرا ما نتصرف من غير تأمل في محتوى وصورة المشكلة. نتدخل من غير أن نتأكد أنه هناك مشكلة حقيقية- كونه لا يقترب من زوجته مشكلة بلا أدنى شك...لكن ليست المرأة السبب في هذه الحالة وليست الصورة كما نتوهمها أبدا. عدم توخي الدقة وعدم البحث الجيد الهادف والبناء هو الذي يسبب ضبابية في التفكير وتخبط في السلوك مما يزيد - الطين- بلة.
أضحت الشقة التي يعيش فيها مع الزوجة دار حزن- "ينقبض قلبي كلما أقترب من الدار" كما عبر هو عن حالة المنزل الذي استأجره أهل الزوجة.
ربما فكر الأهل كثيرا وبعد أن عجزت كل المحاولات الكثيرة والطويلة في العلاج- تذكروا بأن الأجداد قالوا "آخر العلاج الكي" ـ الكي النفسي....!!! لا يقتربون من المعالج السلوكي النفسي خوفا من تهمة الجنون.....وما أخطأهم اليوم في ذلك.
بعد جلسات قليلة جدا مع رائد وحده تبينت أن الزوجة لا عيب فيها من وجهة نظره...وأنها على قدر من الجمال والأنوثة وأنه يستأنس بها كزوجة. وأنه لم يستطع أن يبوح لبشر إطلاقا بمشكلته- السهلة الممتنعة.
يرى رائد العاطل عن العمل أن السبب الوحيد هو أنه لا يعمل وزوجته الموظفة تنفق على البيت من راتبها الشهري.
لكم أن تتخيلوا كم عانت الزوجة وعانى هو أيضا للسبب نفسه- كالآخرين- لكنه لا يستطيع أن يصرح إن رجولته وذكورته في قمة الجرح. هذا الإدراك يخصه هو لا تستطيع أن تحكم عليه من صفحات الجريدة.
أولا يجدر أن نتأمل أن التفسيرات الشائعة للمشكلات الزوجية والنفسية ليست بالضرورة صحيحة، ولا يجب أن نقارنها بالخبرات المزعومة الأخرى. ثانيا يجب أن لا نذهب لأعقد التفسيرات لكي نفسر مشكلة أو ظاهرة نفسية- إن التفسير البسيط الذي يطرحه رائد أنه لا يستطيع الاسترخاء لكي يقترب منها كزوج لها! لكنه في نفس الوقت لا يمكن أن يصارحها بذلك لأسباب نفسية وعادات في البيئة التي أتى منها. للقراء أن يستغربوا ويسألوه لماذا تزوجت إذا؟- ومعهم كل الحق لكنه هو المسؤول والأهل الذين ظنوا أن الزواج حل للمشكلة.
هناك نقطة نفسية أخرى تجدر الإشارة إليها وهي أن المجتمع يتغير بطريقة سريعة بينما العادات والأفكار السابقة ما زالت قوية جدا- هذا الوضع الذي لا يمكن أن نسميه بالتطبيق بين الواقع والمتوقع سيسبب لنا مشكلات نفسية عديدة يجب فهمها بطرق واعية غير متشنجة. لا يمكن أن يمر مجتمع بتغير سريع من غير أثمان. مشكلة رائد واحدة من هذه الأثمان، وكم من مثله.
إن مصارحة رائد لزوجته بهذا أراحه كثيرا وقربه منها، وعملت هي -كريمة الأصل- للتخفيف عنه ومساعدته لإيجاد عمل بطريقة غير مباشرة. حل المشكلة كان ينبع من فهمها الدقيق بالأسلوب الرقيق.
سؤال:
"ابني أحمد عمره 6 سنوات ولم يدخل المدرسة.. يعاني من مشكلة في النوم...وما يسمع الكلام، عنده عناد كثير ويصر على الأمور التي يحبها وأعطيه ما يريد. أتعبني الوضع كثيرا وحاولت أنا وأبوه أن نغيره بلا فائدة. كيف يمكن أن نعالجه".
أم أحمد- الخرج
جواب:
عادة الأطفال عندهم عادات نوم وأكل طبيعي لكن ليس بالضرورة أن تكون منتظمة. ومع تغير برامج وأوقات الأهل - كالعطل ورمضان- فإن برنامج الأطفال تتغير تبعا لذلك. لكن إذا كانت هناك مشكلة كبيرة ومستمرة لأيام وأسابيع في النوم ( قلة أو زيادة مفرطة) فربما تكون هناك مشكلة جسدية أو نفسية. إذا كان الوضع المنزلي مستقراً وبدون مشاكل، يجب عرضه على طبيب أطفال للتأكد من سلامته الجسدية أولا.
أما مشكلة العناد وهي شائعة أكثر مع تغير المجتمع واعتمادنا على غير الأمهات في التربية، فإن المشكلة جزئيا تأتي من طريقة التربية. بعض الأسر تعتبر تلبية الطلب طريقة سهلة لتجنب الصراخ والـ"فضيحة" أمام الآخرين.. فيتعلم الطفل أن الصراخ والعناد هو الحل.
تعلمي يا أم أحمد وأبوه كذلك أن تقللا من تلبية طلباته تدريجيا وسيصبح الأمر عاديا بالنسبة إليه. ثم بعد ذلك تأكدي من استمرارية وعدم تغيير هذه الاستراتيجية هذه مهما غضب- القدرة على الثبات على المبدأ السلوكي في التربية. من المهم أن ننتبه أن الانضباط السلوكي هو لمصلحة الطفل وليس انتقاما أو تحكما به.