صُراخ... غضب... بكاءٌ... صمتٌ وانعزال. هي حالاتٌ تضرب كيان المرء من فترةٍ الى أخرى، حين يُعلن استسلامه لوضعٍ ما بعدما تكون كلّ طاقاته وقدراته قد نفدت.

ظروف الحياة اليومية تفرض على كلّ منّا مصاعب قد تفوق قدراته، ما يدفعنا الى إطلاق العنان للمشاعر الصاخبة، إمّا بقهقهات هستيريّة تكاد لا تنتهي، إمّا بحالةِ حزنٍ تتحوّل ألماً نفسياً ينعكس سلباً على الصحّة والأداء المهنيّ.

مخطئٌ من يظنّ أنّه في منأى عن الإصابة بتلك الحالة، ومخطئٌ من يظنّ أيضاً أنّه سيقع ضحيّة تلك المشاعر المضطربة دوماً. كلّ منّا يعبّر عن مشاعره بطريقةٍ ما، إنما كيف يمكننا التمويه عن الضغوط وإطلاق العنان لمشاعرنا؟

تتفاوت الآراء حول أهمية إطلاق العنان للنفس بين مدرستين مختلفتين: فالأولى تدعو الى التماسك والسيطرة على المشاعر كي لا تفضحنا وتجرّنا الى تصرّفاتٍ مؤذية لنا ولمحيطنا، أمّا الثانية فترى في الإفصاح عمّا يخالجنا حلاً أساسيًا للتغلب على الحزن، من خلال ممارسة الرياضة أم مزاولة أيّ موهبة فنيّة كالموسيقى والرسم، فالمشاعر كالغصّة في الحنجرة لا بدّ من أن تخرج، والا تراكمت وانفجرت بشكل مضاعف في غير محلّها، وتسبّبت بمشاكل صحيّة لا تحصى قد تؤدي بصاحبها أحياناً الى حافة الانتحار.

قد يظهر للبعض أنّ انفجار المرأة بالبكاء يزيد عن حدّه، إنما الدراسات العلمية أثبتت أنّ طبيعة المرأة الفسيولوجية الى جانب ما يفرزه جسمها من هرمون "البرولاكتين" يأتي كردّة فعل على التوتر والاكتئاب فتتضارب الأسباب التي تنتابها فتجهش بالبكاء. أمّا الرجل فهو أكثر قدرة على ضبط نفسه أكثر. فالدموع نعمة تحرّر المرء من الأثقال وتجنّبه أمراض العصر كارتفاع الضغط وأمراض القلب، بحسب الإثباتات العلمية، على عكس كبت البكاء الذي يؤدي إلى الإحساس بالضغط والتوتر المؤدي إلى الإصابة ببعض الأمراض أبرزها الصداع والقرحة.

عدا ذلك، فإنّ الهرمونات التي تطلقها نوبات الضحك تنشّط الجسم الى أقصى حدّ وتخفّف الشعور بالألم. لذلك فإنّ الضحك يزيد من العتبة التي عندها يصبح الجسم حسّاساً تجاه الألم. بعض الباحثين يعتبرون أيضاً أنّه يؤثّر إيجاباً على مناعة الجسم ضدّ الأمراض، إذ أنّه يزيد من المضادّات الحيويّة في الريق ممّا يخفّف من حساسيّتنا تجاه عدوى الأمراض الخارجيّة.

ويرى علم النفس ضرورة التمييز بين المشاعر الطبيعيّة التي لا تتعدّى الـ30% من مجمل المشاعر الآنيّة، فتأتي كردّة فعل على تعديات خارجية يومية، أما 70% من تلك المشاعر فتنتج من التراكمات على مرّ السنوات أي منذ الطفولة حيث تكون نابعة من جروحٍ أصبنا بها ولم نتمكن من الشفاء منها.

إنما ما هي السبل الأساسيّة لتفريغ مشاعر الكبت تلك؟

في وقتٍ يدعو المتخصّصون فيه الى أهمية ممارسة الهوايات لتفجير المشاعر كافة، يتحدّث البعض الآخر عن أهمية تفريغ الهموم المتراكمة عبر البكاء. كلّ ذلك، لا يمحو دور التواصل مع الآخر لإطلاق العنان بشكلٍ يساعد على حلّ المشكلة الأساسية.

وعوضاً عن الانزواء والبكاء في غرفة نومك ظنّاً منك أن هذا سيريحك، عبّري عن حزنك أمام شخصٍ آخر قد يتفهّمك ويشاركك حزنك، فيخفّف من تعاستك. وجوده هذا وحده قد يخفّف العبء عنك مرّتين. تكمن مهمّة الدموع في استدعاء العطف وطلب المساعدة. مساعدة ليست مهينة، بل نحتاجها دون استثناء. لا الكبت ولا الإنفجار يعودان بالفائدة علينا، بل أن نجعل مشاعرنا وسيلةً إتصال فقدناها لكثرة ما أخافنا المجتمع من تبعاتها.