يقول الباحثون :"إن دماغنا لايميز بين تجربة حقيقية حدثت في الواقع,وبين تجربة تخيلناها بكثرة وبكل تفاصيلها". بمعنى آخر: إذا كنت لاتفكر طول الوقت إلا في الفشل,إذا كنت تتخيله باستمرار وبكل جزيئاته كأنه واقع، فإنك بهذا تغذي ذاكرتك بتجارب فاشلة، وبالرغم من كونها خيالية، فإنها يمكن أن تؤثر سلبياً على تصرفاتك في المستقبل.

بينما، ولحسن الحظ، إذا تمكنت من استرجاع ذكريات تجاربك الناجحة في الماضي، صغيرة كانت أم كبيرة، إذا تخيلت باستمرار وبدقة ما تريد تحقيقه، فإنك بهذا تشحن ذاكرتك بمشاعر انتصار ونجاح من شأنها أن تؤثر إيجابياً على حياتك.

كيف تحيي نجاحك السابق؟

كل الناس حققوا النجاح يوماً ما، حتى لو لم يكن نجاحا باهراً (نجاح في الدراسة أو في إلقاء محاضرة نالت إعجاب الجميع أو في مشروع مربح). المهم أنهم شعروا وقتئذ بالفرح والرضا لتحقيق هدف معين. أنت أيضاً حققت النجاح في عدة مناسبات بدون شك.

اجلس غداً في مكان مريح، وابحث في ذاكرتك عن تجربة ناجحة. عندما تتذكر واحدة. حاول أن تعيد تركيب المشهد بكل تفاصيله: المناسبة، المكان، الطقس، الألوان، الأصوات، تسلسل الأحداث... الخ.

لا تنس أيضا أن تعيش من جديد مشاعر الفرحة والرضا، لأنها هي التي ستشحن ذاكرتك بطاقة بناءة تؤثر بدورها إيجابياً على جهازك الداخلي.

هذا النوع من التمارين عندما يمارس بكثرة، يمكنك من التغلب على تخيلاتك الهدامة، فتصبح لاتتخيل سوى النجاح.

استعن بالارتكاسات الشرطية.

استعمل مثلاً تنفسك كشرط، وفي كل مرة تستعد فيها لإلقاء كلمة أمام مجموعة من الناس، ردد في ذهنك : "عندما ابدأ في الكلام أمام الحاضرين، سأكون واثقاً من نفسي ولن أستسلم لتأثير الرهبة. وحتى إذا تملكني الشعور بها، فإن هذا الشعور سيزول حتماً عندما أقوم بتنفس عميق".

هذه الطريقة من شأنها أن تنمي فيك ارتكاسا شرطياً إيجابياً، بحيث يصبح زوال الشعور بالرهبة متعلقاً بتنفس عميق.
كيف تتعامل مع تجاربك الفاشلة؟

لنأخذ المثال التالي: في إحدى المجالس العائلية، يطلب منك أحد أقربائك إبداء رأيك بخصوص موضوع ما. كل الحاضرين يصمتون ردك. وإذا بك تفاجأ بهذا السؤال، فترتبك وتتلعثم ولا تدري ماذا تقول.

ربما تعلق على هذا الحدث كما يلي :"إنني حقاً إنسان تافه، أقل شيء يفقدانني صوابي". لكن الأفضل طبعا أن تنظر لهذه التجربة من زاوية بناءة، فتقول مثلاً : "هذا درس مفيد لي، فقد كان يكفي أن أتعلم الارتجال لأحافظ على هدوئي وأحسن التصرف في مثل هذه المواقف الحرجة".

بمعنى أعم، في كل مرة تشعر فيها بقلق وغم بسبب حادثة سابقة تعود لذاكرتك، بدلاً من أن تستلم لمشاعر اللوم والعتاب، حاول بالعكس أن تستفيد من الأخطاء التي صدرت عنك خلال تلك الحادثة. أعد إذاً تركيب المشهد من جديد كما كنت تود أن يحدث، وأبدل الصورالسلبية بأخرى إيجابية. باستعمال هذه الطريقة مع كل فشل سابق ويصبح بإمكانك أن تمحي ذاك الفشل من ذاكرتك ليحل محله نجاح جديد.

يقول أحد الباحثين : "يجب على كل شاب يرغب أن يصبح عالماً، أن يكون مستعداً للإخفاق تسعاً وتسعين مرة قبل أن ينجح مرة واحدة، ولا يشعر بأية إهانة شخصية بسبب هذا الشيء".

ماذا يمكن أن نستخلص؟

نعرف الآن أنه باستطاعتنا أن نتخلص من عيوبنا المتجذرة في أعماقنا، حتى ولو لم نكن مسؤولين عن الإصابة بها. بمعنى آخر: نحن لسنا سجناء ماضينا.

لا، فهل العوامل الخارجية يمكننا استعمالها فقط لفهم الأسباب التي أوصلتنا لهذه الحالة. أما التستر وراءها طول الوقت. فلا يحل المشكل أبداً ولا حتى يحسن حالتنا الحاضرة أو المستقبلية. والآن وقد فهمنا هذه الأسباب، فعلينا نحن أن نبني مستقبلنا بكل مسؤولية.