بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله الواحد الأحد الفرد الصمد
الذي لم يلد ولم يولد
والصلاة والسلام على خير من قرأ القرآن وركع وسجد
و أصحابهم ومن تبعهم إلى الأبد
تحية طبية
نقدمها من
منتدى قلوب
"لاننا نحبك أتبعناك وأتبعنا من أحببت"
ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حسن معاملة النساء، فقد كان قدوة حسنة في معاملة زوجاته، وكان دائماً يوصي بالنساء خيراً، ويأمر بحسن معاشرتهن بالمعروف وكان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى والقدوة في معاملة أزواجه والشفقة على أهل بيته
في البداية تقول دكتورة عبلة الكحلاوي الأستاذ بجامعة الأزهر لقد ضرب رسولنا الكريم المثل الأعلى في العفة والطهارة والتمسك بالآداب العليا والقيم الرفيعة، حتى يمكن ان يقال انه بلغ الذروة في الفضائل كلها، فوصفه ربه بقوله تعالى {وإنك لعلى خلق عظيم} ووصفت السيدة عائشة خلقه فقالت كان خلقه القرآن
ومن أرقى ضروب المثالية أهدافه السامية من زواجه وسيرته الميمونة في اختيار زوجاته وسماحته المثلى في معاملتهن فكانت أهدافه تختلف عن أهداف معظم الناس فلم يلتفت إلى لون ولا إلى جمال ولكنه اهتم بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة والسريرة الصافية
وفاء الرسول
تزوج السيدة خديجة وهو في الخامسة والعشرين وهى في الأربعين من عمرها استجابة لما كان يجمع بينهما من قبل البعثة من الخلق ونبذ الحياة الفاسدة التي كان يحياها أهل مكة قبل الإسلام
والتاريخ يشهد ما لهذا الزواج من اثار مبهرة على مسيرة الدعوة الإسلامية فقد واسته خديجة بنفسها ومالها وحبها وتصديقها ولم يتزوج بغيرها في حياتها في وقت كان التعدد عند العرب مطلقا وبلا حدود او قيود
وكان صلى الله عليه وسلم وفياً لزوجته خديجة في السر والعلانية وفي حياتها وبعد مماتها وظل يذكر السيدة خديجة بالخير طوال حياته ويقول انها واسته بمالها حين حرمه الناس وآمنت به اذ كذبه الناس ورزق منها البنين والبنات
حياة زهد وتقشف
وتؤكد الدكتورة سعاد صالح سمو أهداف الرسول من زواجه فإذا بينا ظروف الحياة التي كان يحياها عليه الصلاة والسلام في بيته فقد كانت حياة خشنة الى أبعد حد
تقول السيدة عائشة رضى الله عنها كان يمر الشهر والشهران وما توقد في بيت رسول الله نار فلما سئلت: علام كنتم تعيشون؟ قالت على الأسودين التمر والماء وقالت ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية، ولو شئنا لشبعنا، ولكن نؤثر على أنفسنا
فلو كان الهدف من الزواج المتعة لأنفق على هؤلاء الزوجات باغداق حتى يشعرن برخاء وهناء في العيش ولكنه التشريع الحميد ولذلك حينما اجتمعت نساء الرسول يطلبن مزيدا من النفقة ومتع الحياة رفض الرسول ذلك ونزل القرآن يؤيده يقول {إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً، وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فان الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً}
فاخترن جميعاً الله ورسوله والدار الآخرة لانهن ادركن حينئذ الهدف الحقيقي من تكريم الرسول لهن بالزواج منهن
حسن معاشره الرسول لزوجاته
حثه صلى الله عليه وسلم الرجال على حسن معاشرة أزواجهم
ومع ذلك فقد دل النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى ما تنبغي أن تكون عليه العشرة الزوجية بقوله، كما دلهم على ذلك بفعله، والثابت عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أحاديث كثيرة أقتطف منها ما يأتي من ذلك
ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : استوصوا بالنساء خيرًا فإن المرأة خلقت من ضِلَع، وإن أعوج ما في الضِّلَع أعلاه، فإذا ذهبت تُقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً "
الراوي: أبو هريرة خلاصة الدرجة: صحيح المحدث: البخاري المصدر: الجامع الصحيح الصفحة أو الرقم: 3331
وفي رواية عند مسلم: "إن المرأة خلقت من ضلع . لن تستقيم لك على طريقة . فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج . وإن ذهبت تقيمها كسرتها . وكسرها طلاقها
الراوي: أبو هريرة خلاصة الدرجة صحيح المحدث: مسلم المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 1468
فانظر كيف جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الوصية بهنَّ وبيان حقيقتهن، ليكون ذلك أدعى إلى قبول وصيته، لأنه إذا كان طبعها العوج، فإن من الواجب على الرجل أن يصبر عليها ولا يؤمل أن تكون مستقيمة على الصراط، فإنها تصير إلى ما جُبِلت عليه ولا بد، ولذلك كان طلب استقامتهن على النحو الأعدل مثار تعجب الشعراء حتى قال بعضهم
هي الضِّلَعُ العوجاء لست تُقيمها ألا إنَّ تقويم الضُّلوع انكسارُها
وقال آخر فيما هو أعم منه
ومكلِّف الأشياء غير طباعهـا متَطَلِّب في الماء جَذوة نــار
وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يكرر هذه الوصية كلما حانت الفرصة ، ففي خطبة حجة الوداع أفرد لها جانبًا كبيرًا من خُطبته العظيمة حيث قال صلى الله عليه وسلم " استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن لكم من نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن "
الراوي: عمرو بن الأحوص خلاصة الدرجة: حسن المحدث: الألباني المصدر: صحيح ابن ماجه الصفحة أو الرقم: 1513
وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر وصيته بالنساء، لما يعلمه من حالهن الذي بينه في الحديث السابق، وهو الحال الذي قد لا يقدر على تحمُّله بعض الرجال الذين لا يملكون أنفسهم عند الغضب فيحمله عوج المرأة إلى أن يفارقها فيتفرَّق شمله، وتَتَشتَّتُ أسرته وأهله .
ولذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأزواج في حديث آخر إلى ما فيه صلاح حاله مع أسرته بقوله:
لا يفرك أي: لا يبغض مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخر "
الراوي: أبو هريرة خلاصة الدرجة صحيح المحدث مسلم المصدر: المسند الصحيح الصفحة أو الرقم: 1469 .
وقال لهم أيضاً: " إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً وألطفهم بأهله " الراوي: عائشة خلاصة الدرجة [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] وقال الترمذي لا نعرف لأبي قلابة سماعا من عائشة المحدث: المنذري المصدر الترغيب والترهيب الصفحة أو الرقم: 3/95
وقال: " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي "
الراوي: عائشة خلاصة الدرجة: إسناده صحيح المحدث: ابن جرير الطبري المصدر: مسند عمر الصفحة أو الرقم: 1/408
وقال: "كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال مشي الرجل بين الغرضين وتأديبه فرسه وملاعبته أهله وتعليم السباحة "
الراوي: جابر بن عبدالله الأنصاري أو جابر بن عمير خلاصة الدرجة: إسناده جيد المحدث: المنذري المصدر: الترغيب والترهيب الصفحة أو الرقم: 2/248
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة المعلومة الحاثة على انتهاج الأخلاق الحميدة مع الأهل والعشيرة
تأديبه صلى الله عليه وسلم نساءه إذا اقتضى الأمر ذلك
ومع تلك المعاشرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتهجها مع أهله أمهات المؤمنين رضي الله عنهن رحمة ورأفة وعطفاً وتلطفاً، إلا أنها لم تكن على ذلك الحال في جميع الأحوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حكيمًا يضع كل تصرف في مكانه اللائق به، فحيث كانت تلك العشرة أجدى وأولى انتهجها، وإذا كان التأديب والزجر والهجرة هو الأجدر اتخذه لأنه كما قيل
ولا خير في حلم إذا لم يكن له بوادر تحمي صفوه أن يًكدَّرا
فالنساء بما فطرن عليه من الاعوجاج، وحدة العاطفة، يحتجن حتماً إلى تقويم وتربية وتأديب، ولأجل هذا خوَّل الله تعالى الرجال هذه المسؤولية حيث قال: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا النساء: 34
والنبي صلى الله عليه وسلم في عشرته مع أهله لم يستغن عن اتخاذ هذا الأسلوب ليكون أسوة لأمته في التربية والتأديب
فإنه عليه الصلاة والسلام لما سأله نساؤه النفقة الخارجة عن حده، وأردن التوسع في الدنيا ولذَّاتها، خلاف ما اختاره لنفسه منها، هجرهُنَّ وآلى من الدخول عليهن شهراً، حتى أنزل الله تعالى عليه: يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيما الأحزاب : 28 - 29 ، فخيَّرهن النبي صلى الله عليه وسلم في البقاء معه على الكفاف، أو المفارقة فاخترن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما تقدمت الإشارة إلى ذلك من حديث أنس وأم سلمة وابن عباس في الصحيحين وغيرهما.
وهكذا كان عليه الصلاة والسلام إذا جد الجد في معاملته لهن، بأن أخطأن خطأ لا يمكن التغاضي عنه، وذلك بأن كان دينياً، فإنه لا تأخذه في الإنكار عليهن وزجرهن في الله لومة لائم، فكان يعظ، ويوجِّه، ويخوف، ويغضب، بحسب مقام كل قضية مما هو معلوم ولا يخفى أمره
وهذا مما يدل على تكافؤ أخلاقه صلى الله عليه وسلم وتوازنها، حيث يضع كل أمر في نصابه ومحله اللائق الذي لا ينبغي غير