أخلاقيات العمل
تعني كلمة " أخلاقيات " وفق قاموس وبستر " مقاييس التصرف أو السلوك الخلقي " ويمكن تعريف أخلاقيات العمل في المنشأة بأنها " إتجاه الإدارة وتصرفاتها تجاه موظفيها وعملائها والمساهمين والمجتمع عامة وقوانين الدولة ذات العلاقة بتنظيم عمل الشركات " وينطبق التعريف ذاته على عمل الإدارة . إن المعايير العالية للسلوك الخلقي تتطلب أن تعامل المنشأة كل طرف من هذه الأطراف بطريقة عادلة وشريفة والإلتزام بأخلاقيات العمل يمكن قياسه بمدى ميل المنشأة وموظفيها نحو الإلتزام بالقوانين والأنظمة المرتبطة بعوامل مثل : سلامة ونوعية المنتجات وإتاحة فرص عادلة للتوظيف والممارسات التسويقية والبيعية المقبولة ، وتجنب استخدام المعلومات السرية لتحقيق مكاسب شخصية ، والرشوة والمدفوعات أو المقبوضات غير القانونية من شركات منافسة أو حكومات أجنبية أو أطراف أخرى بهدف الحصول على عقود عمل تجارية أو صناعية .

القيم والإتجاهات السلوكية والأخلاقية

لا يكفي توفر الإمكانات المادية والتقنية لإحداث التقدم الإجتماعي والاقتصادي في أي مجتمع ، وإنما يعتمد هذا التقدم على مدى توفر الإمكانات البشرية الملتزمة بالأخلاقيات والسلوكيات الوظيفية ، ذلك أن جودة السلع والخدمات التي تقدمها الأجهزة الإدارية والفنية مرهونة بمدى تمسك الموظف أو العامل بهذه الأخلاقيات .

ولتحقيق ما سبق ، يتفاعل الأفراد مع مجموعة من العوامل والمتغيرات في البيئة في تكوين اتجاهاتهم السلوكية والتي يستمدون منها قيمهم وأخلاقياتهم في العمل ، فالإتجاه هنا هو سلوك مكتسب وليس فطري بالضرورة ، حيث لا يولد الفرد وارثاً إتجاهاً محدداً من أبويه وإنما يكتسب الفرد الإتجاه السلوكي من خلال تفاعله مع مجموعة المتغيرات البيئية التي تلازمه طيلة فترات حياته والتي يكون لها دور كبير في التعبير عن قيمه ومعتقداته وفي البيئة الأسرية تتكون الإتجاهات الأسرية للأفراد ، حيث يكون للقيم والأخلاقيات التي يكتسبها الأفراد عن طريق سلطة الوالدين والأخوة الكبار تأثيراً كبيراً في تكوين نوع من السلوك المفروض وليس الطوعي ، إن تأثير السلوك الأخلاقي المفروض من سلطة الوالدين يخلق إتجاهاً سلوكياً فردياً تجاه الأسرة ولكن هذا السلوك لا يكون له نفس مستوى التأثير في علاقة الفرد بالبيئة الخارجية التي يكتسب فيها الفرد سلوكه طواعية .

ويتكون السلوك الطوعي للفرد من خلال اتصالاته وعلاقاته مع أبناء فئته العمرية _ مثلاً عضويته في جماعة من الطلبة الذين هم أصدقاؤه ، جماعات العمل غير الرسمية _ حيث يستمد من هذه الجماعات إتجاهات سلوكية ذات قيمة إيجابية أو سلبية بحسب نوع المصالح المشتركة التي تجمع بين أعضاء الفريق الواحد والتي يحددها في الغالب ذلك الشخص الذي يمثل مصالحهم وهو الذي يحدد أهدافهم ويصمم السلوك الأخلاقي أو غير الأخلاقي الذي يعتقد أنه يحقق تلك الأهداف .

من هنا نجد إختلافاً في القيم والإتجاهات السلوكية بين فرد وأخر بحسب موقعه وسلطته ومستواه في التنظيم وحجم المسؤولية ومع مدى تفاعله ( قبوله أو رفضه ) لمجموعة من العوامل المؤثرة في بيئته الخارجية مستخدماً نظامه العرفي وهيكل القيم المرجعية التي يستخدمها في التفكير ثم السلوك الأخلاقي أو غير الأخلاقي لتحقيق رغبة أو هدف معين ، وفي بيئة العمل في منظمات الأعمال هناك أكثر من نمط من أنماط السلوك والمعتقدات الأخلاقية لدى الأفراد والجماعات حيث أن الجانب السلوكي في نظام المعتقدات الأخلاقية والسلوكية له مظهر خارجي يكون للمعتقدات دور متكامل حيث تنسجم فيها الأخلاق في العمل مع تلك المعتقدات والتي تنعكس مضامينها الأخلاقية أو غير الأخلاقية على نوعية وسلامة المنتج أو الخدمة المقدمة للمجتمع ، وهناك نظامين للأخلاقيات السائدة في العمل يشكلان مصدراً رئيسياً لتكوين اتجاهات السلوك للعاملين في المنشأة وهما :

نظام القيم الإجتماعية ويتكون من :

1- قيم العمل في المنشأة
2- قيم الجماعة
3- قيم الأسرة
4- القيم الثقافية

نظام القيم الذاتيه ويتكون من :

1- القيم الحضارية
2- المعتقدات السياسية
3- القيم الحضارية


مصادر الأخلاقيات في الإدارة

هناك مجموعة من المعايير الأخلاقية التي تقوم عليها صلات الفرد بالأخرين وتحدد علاقته السوية معهم ، فالفرد لا يستطيع إلا أن يلتزم بالمعايير الأخلاقية للجماعة وإلا تعرض لنوع من العقاب ويرى " رد كليف براون " أن الأفراد في الغالب يتصرفون بالأسلوب الذي يرون أنه يتفق مع القيم المرجعية للجماعة التي ينتمون إليها ، خاصة اذا ما توقعوا أن هذا التصرف أو السلوك سوف يؤدي إلى كسب رضا الجماعة والمحافظة على تماسكها أما الأسباب الرئيسية التي تدفع الفرد العامل إلى الإنضمام للجماعة فمن أهمها شعور ذلك الفرد بأن القوانين الحكومية واللوائح المنظمة لعمل الشركة لا توفر له الحماية الكافية لحقوقه وبالتالي فهو يرى أ، الإنتماء لجماعة تحميه ربما تعوض له ذلك التقصير في قوانينالعمل ذات العلاقة ، وأهم مصادر الأخلاقيات في الإدارة المصدر الديني أولاً ثم القوانين والتشريعات ثانياً ، وثالثاً الإنتماء للجماعات

التعاليم الدينية

يمثل الدين أحد المصادر الهامة التي يستمد منها الفرد العامل القيم بل إن الدين هو المصدر الرئيسي لقيم كثيرة ، ومن الأمثلة على القيم التي تتصل بالعمل والأخلاق في الدين الإسلامي الإدارة والنية والمسؤولية والجزاء والجهد ، وهذه الأسس هي ذاتها التي يقوم عليها النظام الأخلاقي المعاصر ، والباحث عن الجانب الأخلاقي في الأديان السماوية يجد فيه ناحيتين بارزتين :

1- الناحية النظرية وهي التي تشكل الأسس والقواعد النظرية في الفلسفة الأخلاقية مثل البحث عن الطبيعة الإنسانية ومصدر الإسلام والمسؤولية الخلقية وعناصرها وقواعد السلوك الإنساني .
2- التطبيق العملي للقواعد السلوكية ومجموعة الفضائل التي يكون المجتمع بها فاضلاً .

مما سبق يتضح لنا أن الإيمان أساساً مهماً من أسس الأخلاق وأن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الإيمان وبين السلوك الأخلاقي وأما بالنسبة للأساس العلمي للأخلاقيات فإن الإسلام قد حدد للإنسان إطاراً أخلاقياً على أساس تصوره للكون والحقائق الموجودة فيه ، فالإسلام يربي المسلم تربية عقلية أهدافها من قيم العلم والمعرفة والحق كما تهدف إلى توجيه طاقات الإنسان إلى البحث العلمي والسعي وراء الحقيقة .

الإلزام

ويقصد بذلك أي عمل يوجه إليه الإسلام ويأمر به فالواجب والخير وغيرهما من المعاني النبيلة يقومان على فكرة القيمة المستمدة من مثل أعلى وياتي الإلزام معتمداً على مصدرين هما المصدر الفطري والوحي وما يتعلق به من إجتهادات على أن الإلزام المستند إلى الفطرة إنما هو إلزام إختياري غير قهري ولذا فإن الإسلام يقف لعدوين متربصين للأخلاق الإسلامية وهما :

1- اتباع الهوى دون تفكير .
2- الانقياد والتقليد الأعمى .

إن هذين العدوين يضيعان معنى الإلتزام الداخلي النابع من الفطرة البشرية وكان لا بد من محاربتهما لأنه من خلالهما تتسرب المصالح الخاصة والكسب غير المشروع وما إلى ذلك .

المسئولية

حيث يفترض الإلزام مسئولية بعقبها جزاء ويعني إئتمان المسئولية ، وتحمل الشخص التزاماته وقراراته من الناحية الإيجابية والسلبية أمام الله وأمام ضميره وأمام المجتمع ، وطبقاً للاسلام فإن المسئولية تقوم على الحرية في الأداء وتسقط عن صاحب الإراده المسلوبه والذي لا يملك حريته ، وأن يكون المسئول كامل الأهلية للتصرف لأن المسئولية تقوم على مبدأ الإلتزام الشخصي وفي إطار هذا المفهوم للمسئولية في الإٍسلام هناك ثلاثة أنواع وهي :

1- المسئولية الدينية : وهي الإلتزام أمام الله.
2- المسئولية الأخلاقية المحضة : وهي الإلتزام الشخصي من الإنسان نفسه بالإتيان بشي أو الإنتهاء منه .
3- المسئولية الإجتماعية : وهي الإلتزام تجاه الأخرين وما يفرضه المجتمع من قواعد آمرة وناهية


الجزاء

وهو العنصر الثالث من أركان الفعل الخلقي والجزاء ثلاثة أنواع وهي :

1- الجزاء الأخلاقي : ويكون ثواباً أو عقاباً والجزاء الثوابي لممارسة القواعد الخلقية وهو الرضا عن الذات الذي يزيد الفكر نفاذاً وتزيد مهارات الإنسان اتقاناً ، أما ممارسة الرذلة فلها جزاؤها الأخلاقي أيضاً ويتمثل في ذلك الشعور الذي يعيد تثبيت القانون المنتهك وهو التوبة والصلاح أي اصلاح ما نقص أو أفسده الإنسان وهذا الإصلاح يقع بأشكال عدة :

- إما في عمل ناقص ويجب أن يعاد ويؤدي بطريقة مناسبة عاجلاً أو أجلاً .
- وإما في خطأ واجب إزالته وهذا يأتي في حق الله ويتطلب ذلك المغفرة من الله أما حق المجتمع فلا يغفر إلا بإبراء الذمة من الذين أسأنا لهم .

2- الجزاء القانوني : فيرتبط بارتكاب المحرمات القانونية وهذا في ذاته مفسدة ومن ثم يحتل هذا النوع من الجزاء كانته في دفع المفاسد الخلقية والقصد منه الردع والإصلاح وإثارة المودة والسلام بين الناس والحفاظ على مقومات الحياة الإنسانية .

3- الجزاء الإلهي : فهو يختلف عن النوعين السابقين فالجزاء الإلهي له طبيعته وإمتداداته وقد أورد القران الكريم الجزاء في شكلين هما :
الأول : الجزاء الالهي العاجل أي في الدنيا وهذا له جانبه المادي والمعنوي .
الثاني : الجزاء الالهي في الآخرة وهو إما الجنة لمن أطاع أو النار لمن غوى وأتبع هواه .

ومن منطلق هذه الأسس التي تشكل المصدر الأول التي يستمد منها الأفراد العاملين في مختلف المستويات الإدارية في المنشأة سلوكهم الأخلاقي ، يتضح أن نشاط المسلم الإداري عبارة عن رسالة يقوم بتوصيلها إلى أصحابها بإخلاص وأمانه أستامنه الله عليها ليؤديها حق أداء سواء كان مسئولاً في المنشأة أو موظفاً عادياً أو عاملاً تنفيذياً وهذا هو السلوك الأخلاقي الذي يساعد الفرد على تنفيذ أهداف الإدارة ومتطلباتها في شتى نواحي الحياة وهكذا نجد أن الدين هو المصدر المحكم للأخلاق رغم ما جاءت به المدارس الفلسفية والإجتماعية الغربية .

رقابة الضمير

تعتبر محاسبة النفس الخطوة الأولى على طريق الإلتزام الأخلاقي للأفراد فهي شكل من أشكال الرقابة الذاتية يطبقها الفرد على سلوكه الخاص وتزداد محاسبة النفس وضوحاً وتأثيراً عن الشخص السوي ، أما الشخص غير السوي فإنه لا يلتزم كثيراً بالمبادئ والقيم الأخلاقية وبالتالي فإنه لا يشعر بوظأة محاسبة الذات، أما الشخص السوي فإنه يواجه الصراعات الحادة اذا ما حاول القيام بمجموعة من السلوكيات التي لا تتفق مع المبادئ الأخلاقية ويفسر هذا الخرق للقواعد الأخلاقية بأنها شطارة أو رجولة مثل الكذب والسرقة والخيانة والرشوة والخداع والتضليل والدسيسة والاعتداء على حقوق الأخرين ...إلخ دون أن يتأثر أو يعاني من ضميره وإن كان من يتعامل معهم يتأثرون بدرجة كبيرة من هذا السلوك خاصة اذا نجح لبعض الوقت من تحقيق مآربه المادية والسلطوية من خلال هذه الوسائل .

العدالة الإدارية

ويقصد بذلك أن على المدير ان يعامل جميع موظفية المرؤوسين بحسن نية ، وأن يقيم أداءهم على أساس الكفاءة والإنتاجية وبدون تحيز إلى جانب أحدهم لأسباب تتعلق بالقرابة أو الدين أو الجنس أو الإتجاه السياسي لأن التفرقة والتحيز في تقييم الأفراد وطريقة توجيههم ينظر إليها على أنها سلوك لاأخلاقي .

الإستقامة

ويقصد بذلك اختيار السلوك الأخلاقي في اتخاذ القرارات وإصدار التعليمات وتوزيع أعباء العمل على الموظفين والتعامل مع العملاء بصدق والإعتراف بالمسئولية الإجتماعية تجاه البيئة التي تتعامل معها المنظمة فالمسئول مهما كان مركزه وسلطته في المنشأة يتعامل مع أعضاء التنظيم الإداري وهؤلاء لهم أهداف يتعاونون لتحقيقها ويتعين على الرؤساء الذي يضعون السياسات ويتخذون قرارات التزام مبدأ الاستقامة في مساعدة أعضاء التنظيم في تحقيق أهدافهم تماماً مثلما يسعون إلى تحقيق أهداف المنشأة .

القوانين والأنظمة

تعتبر القوانين ذات العلاقة من المصادر الرئيسية التي توجه عمل الإدارة في المنشأة ومن أهم القوانين التي تشكل مصدراً للسلوك الأخلاقي هي تلك الواردة في مواد دستور الدولة مثل قوانين العمل