عضو جديد
- معدل تقييم المستوى
- 0
قصة .. فنجان قـهوة
جلست وهي تتأمل فنجان القهوة .. فنجانا عاش معها بقهوته المتحجرة .. منذ سنين ..
ولا زالت كلمات جدتها التي أبلغتها بها ترن في أذنها .. وهي تقرأ لها ما بفنجانها .. : { حظك يكسر الرشاد .. نصيبك قدام الباب .. قريب يخبط .. ويطير بيك .. لحوش السعد ... } ..
كلمات بسيطة .. نطقت بها جدتها الحنون .. منذ سنوات مضت .. جعلتها .. تعيش حلما جميلا .. وتسترق السمع والنظر .. لكل طارق على الباب ..
عاشت تبني بيت الأحلام .. وتفرشه بالأماني .. وهي تحلم بشقاوة أطفالها .. وطلبات زوجها .. وتغرس في ربوعه أزهار المحبة .. ورياحين الوفاء .. وتغاريد الهـناء .
حتي أنها .. اختارت لأبناءها .. أجمل الأسماء .. وخيطت في المفارش أحرف أسرتها الصغيرة .. و جعلت حرفها وحرف زوجها المرتقب .. في المركز .. وحولها تدور أحرف الصبيان والبنات .
ولم تنسى أن ترسم .. على الورق .. شكل بيتها .. وتفاصيله من حجرات وممرات .. فقسمت المكان .. على أسرتها الصغيرة .. هنا مكان البنات .. وهنا مكان الصبيان .. أما هي وزوجها .. فجناحهما مفصول .. ولونت الجدران .. ونوع الأثاث وألوانه .. في تناسق بديع.. بين الجدران وأثاثه ..
وحول البيت .. حديقة غناء .. بها ألعاب للأطفال .. وحوض سباحة .. وساحات خضراء .. وزهور من جميع الأنواع .. فهي تعشق .. الزهور والخضرة .. والأرجح أن زوجها .. المنتظر .. سيكون مثلها محباً لجمال الطبيعة .. عاشقا للمروج .. والورود .. ألم تقل لها جدتها { أن حظها يكسر الرشاد .. } .. فحظها لا بد أنه سيحضر لها .. الزوج الحنون .. والأب العطوف .. والقلب المحب ..
أحلام وردية .. تعيشها وهي تطير بأجنحة الخيال .. على حدائق الأماني .. فتحصد .. حياتها الزوجية .. كما ترغب أن تعيشها .. بسعادة .. في جو عائلي رائع .. مفعم بالحب والحنان .
هكذا .. كانت تعيش .. وعلى نغمات كلمات جدتها .. تغزل أروع وأجمل قصص فارس الأحلام الذي سيخطفها .. من هذه الحياة الرتيبة .. الى حياة زاخرة بكل جديد .. حياة زوجية .. مفعمة بحيوية الطفولة .. وعنفوان الشباب .. فمن حلم .. إلى آخر أجمل وأروع .. تعيش .. وتنام .. وتستيقظ .. وهي في الانتظار .. وتجد لفارسها الأعذار .. فهو لن يخذلها .. فنبوءة .. جدتها .. حقيقة وليست .. خيالا .. هكذا ترسخت .. في أعماقها .. وأصبحت واقعا .. غير قابل للشك أو الزوال .
مضت السنون .. تحمل معها .. عبق ذكريات الزمان .. وأصبح صدى كلمات جدتها .. يخف .. ويختفي .. ووهج نبوءتها يخبو ويضمحل .. مع غزو الشيب .. لشعرها الطويل ..
وخطوط التجاعيد وجدت طريقها .. لوجهها .. ووميض عينيها .. بدأ في التلاشي .. وعنفوان الشباب أصبح من علامات الماضي البعيد .. حتى أحلامها .. غمرتها الشيخوخة .. فأصبح فارس الأحلام .. من كبار السن .. خط الشيب شعره .. وتثاقلت خطواته .. وحصانه الأبيض .. ترهل جسمه .. وفقد الكثير من رشاقته .. أما بيت الأحلام ..فقد أصبح أقل حجماً .. وحديقته تضاءل حجمها .. وأوراق أشجارها تساقطت.. وأكثر أزهارها قد ذبل.. وأصبح الأطفال أقل عددا.. فالعمر له حكمه وقوانينه .. فعمرها كبر .. عن تربية عديد من الأطفال ..
وهكذا انكمشت الأحلام وشـاخت .
وبيد دبت فيها الرعشة والوهن .. أخذت تقلب الفنجان .. الذي عاش معها ومع ذكرياتها الجميلة .. ســنين طويلة .. كان يحمل لها عبق الماضي .. وأحلام المستقبل .. ومع دمعة أبت إلا أن تنزل .. أخذت يدها المرتعشة .. تجهز الفنجان لتغلفه من جديد .. في كيسه .. وليرجع لمخبئه لحين أن تحتاجه .. لتعيد أسطوانة النبوءة وأطياف أحلامها .. التي لم تتحقق .
وفجأة .. تجمدت اليد .. ووجم الوجه .. وهي تتفحص الفنجان .. فقد أصبح رمزاً .. لليأس والاحباط .. وعلامة وهم وخيال .. بعد أن كان عنوان أمل .. وجسرا إلى حياة مفعمة بالطموحات والآمال .. وما أن وصلت بتفكيرها .. إلي هذا الحد .. حتى أمسكت بالفنجان .. بكامل كفها .. ورمت به بكل قوتها .. على حائط حجرتها .. فأصبح هشيماً .. تناثرت أجزاؤه في كل مكان .. كما تناثرت أحلامها .. لتصبح كأنها لم تكن .
من تألـيفي .. نأمل الأطلاع والرد
التعديل الأخير تم بواسطة نادية أمال شرقي ; 26-Jul-2009 الساعة 03:10 PM
المفضلات