ما مدى أهمية المغامرة في حياتنا , يقولون: "الحياة إما أن تكون مغامرة جريئة.. أو لا شيء". وهي مقولة صادقة إلى أبعد الحدود إذا علمنا أن الحياة بلا مغامرة شبيهة بنهر راكد لا حركة فيه ولا حياة. فلو بدأنا ننظر لحياتنا نجد أننا منذ الإستيقاظ نبدأ مهامنا ونشاطاتنا ونفعل الكثير منها بطريقة مختلفة و جديدة عما مضى فعليه حياتنا أيضا تعتبر مغامرة فالإنسان في هذه الحياة يواجه العديد من التغييرات حتى يستطيع بلوغ الغايات والآمال , ولكن أحيانا في بعض الحالات لا تستحب المغامرة ويفضل فيها الانسحاب وإيثار السلامة .
لدينا نوعين من المغامرين وهما كالآتي:
1-النوع الأول : يشكل 90% من المغامرين و هو الذي يقدم على الأمر دون دراسة متأنية و دون حساب دقيق للنجاح اوالهزيمة ودون دراسة للظروف والقدرات بالتالي يقعون في الكثير من المشاكل.
2- النوع الثاني : هو الذي يمتلك قدراً كبيرا من الأصول ويدرس إمكانية النجاح والصعوبات التي يمكن ان تواجهه ويضع خطط للخروج منها.
بما اننا نعلم ان لكل شئ أصول في هذه الحياة فنجد أن للمغامرة أصول ايضاً :
o وجود هامش الخسارة: مادامت تسمى مغامرة فلابد من وجود نسبة من الخسارة قد تكون 50% تزيد أو تنقص ولكن على المغامر أن يتوكل على الله أولا وأن يكون ذا ثقة كبيرة بالنصر ما دامت هناك فرصة للنجاح , ولكننا دوما نحب ان نمشي جنب الحائط كما يقولون خوفا من هذه الخسارة فلماذا ننسى قول رسولنا الكريم : " اعقلها وتوكل".
oغلبة الظن بالنجاح : يجب دوماً إستخدام قانون التوقع (توقع إيجابي) بحتمية النجاح والتفاؤل بهذا الأمر.فقد قال الرسول لى الله عليه وسلم : " تفاءولوا خيرا تجدوه"
oالنظر للنتيجة: المغامر يقدم على المغامرة وهو ينظر لنهاية المطاف ويرى النتيجة.
oعدم المبالاة بالمثبطين: نجد ان الكثير منا لايحب التحول من وضع لآخر ويخاف من كل ما هو جديد خشية من الخسائر لذلك قد يؤثرون على المغامر بتخويفه من النتائج السلبية وتضخيم حجم الصعوبات ويبرزون العراقيل مع ذكر النماذج التي خاضت التجربة و فشلت ولكن المغامر لايبالي بهذا الرأي ويصر على خوض التجربة دوما.
oالقياس على التجارب الناجحة :من منا ليس لديه مثل أعلى في الحياة يقتبس من أفعاله وكلامه لأجل الوصول لبعض ما حظى به هذا الشخص.
وقد قيل : "أن قدرة الإنسان على أن يضع نفسه مكان شخص آخر تعد عنصرا هاما في حل المشكلات في الحياة الواقعية".
oقوة صناعة القرار: المغامر يعرف جيدا كيف يتخذ القرار ويتحمل تبعاته كلها بل يملك قدرا كبيرا من الجرأة والقوة وإعداد النفس لتحمل ما يمكن أن يترتب على قراره ويعد البديل عندما لا تنجح المغامرة.
oالثقة بالنفس: وهي من أهم صفات المغامر ولهذا لا يتأثر بعوامل التثبيط والتخويف من البعض , بل لديه إستعداد كامل لقبول الخسارة أو النجاح.
oعدم الخوف من الفشل: المغامر لا يخشى الفشل لأن لديه القدرة على تحويل التجارب الفاشلة إلى نجاح بالإستفادة من الأخطاء فيها وينطلق مرة ثانية وثالثة إلى أن يصل لهدفه ويرتقي القمة . فدعونا دوما نتذكر كلام الله سبحانه وتعالى في آياته المحكمات: " و قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون".
و من أروع الامثلة على أهمية المغامرة وأصولها هي ما فعله السلطان العثماني محمد الفاتح عندما حاصر القسطنطينية فاستعصت عليه وعلى جيشه لقوة تحصيناتها وعلو أسوارها ولا سيما من ناحية مضيق البسفور ولذلك فشلت كل المحاولات الهجومية من جانب الأسطول البحري لجيوش محمد الفاتح لاقتحام الأسوار ففكر وقال لنفسه : لم لا نغزو المدينة من الخلف من ناحية مضيق القرن الذهبي ؟ فكانت تلك الفكرة غريبة ومستحيلة إذ كيف سينقل الاسطول الإسلامي سفنه إلى خلف القسطنطينية دون أن ينتبه المدافعون عنها لذلك ,فعرض الفكرة على قواد جيشه ومفادها أنه سينقل سفن الأسطول على اليابسة إلى أن ينزلها الماء مرة أخرى من ناحية مضيق القرن الذهبي ويفاجئ أهل القسطنطينية بمهاجمتهم من خطوطهم الخلفية حيث الأسوار المنخفضة والتحصينات الضعيفة فأعجب قواد جيشه بالفكرة بعد أن شرح لهم ماذا سيفعلون بالضبط حيث سيقوم الجند بجر السفن على الطريق البري الواقع بين الميناءين لمسافة ثلاثة أميال فقاموا بتمهيد الأرض وتسويتها في ساعات قليلة وأتوا بالواح من الخشب دهنت بالزيت ووضعوها على اليابسة بطريقة يسهل بها إنزلاج السفن وجرها حتى وصلت إلى نقطة آمنة فأنزلوها إلى مياه مضيق القرن الذهبي والعدو غافل عن كل ذلك وحيث لم يتوقع أحد ذلك أبدا ففوجئ أهل القسطنطينية بتكبيرات العثمانيين المدوية وهتافاتهم المزلزلة ثم اندفع الجنود من السفن إلى اليابسة ليهاجموا القوات الرومانية المدافعة عن المدينة دون أن يكون هناك حاجز مائي بين المدافعين والمهاجمين فكان النصر والفتح العظيم للإسلام والمسلمين. في هذه القصة نرى أن معظم أصول المغامرة قد تم إستخدامها بصورة فاعلة فقد كانت الفكرة مغامرة أدت لنصر المسلمين وعلو شأنهم.
في الواقع لا يوجد شخص ناجح أو مبدع لم يغامر ولم يخلق الإنسان ليسير جنب الحائط فقط بل عليه أن يسعى ويكابد ويتوكل على الله قبل كل شئ فلو لم يغامر الكثيرين لما وجدت كثير من الأشياء والتقنيات الحديثة التي أسهمت في ثراء الحياة الإنسانية في شتى المجالات.