إن للتواضع الفكري معان عدة فقد :


يعني عدم التعصب للرأي.


ويعني أن تكون مستعدا لفحص الأدلة والمواقف حتى لو كان هذا الفحص سيقود لرأي يتعارض مع ما تعرفه أو تعتقده .


ويعني أن لا تجعل الرأي جزء من شخصيتك ولا نوعا من أنواع عزة النفس..


التواضع الفكري يعني أن تتوقف عن اعتقاد أن الآراء إما أن تكون ”صوابا أو خطأ“ ”أبيض أو أسود“ بل تعتقد بتدرج الصواب والخطأ واختلاف وجهات النظر ووجود المناطق الرمادية.


في بعض الأحيان تكون ”لا أعلم“ هي أعلى مواقف الحكمة عند الحوار حول موضوع لا تعرفه.


من تاريخنا العظيم


إن من يتأمل مثل هذه الآثار من تاريخنا المضيء يعلم أن ديننا هو دين التفكير :


قال علي رضي الله عنه: ولا يستحي من يعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول الله أعلم.


قال مالك: من فقه العالم أن يقول لا أعلم.


قال الشعبي: لا أدري نصف العلم


أختم بقصة شهيرة تروى عن عمر تدل على قمة التواضع الفكري مع أنه كان حينها أمير المؤمنين


قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب لَا تُغَالُوا فِي مُهُور النِّسَاء فَقَالَتْ اِمْرَأَة : لَيْسَ ذَلِكَ لَك يَا عُمَر إِنَّ اللَّه يَقُول " وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا " مِنْ ذَهَب - قَالَ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود - فَلَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا فَقَالَ عُمَر : إِنَّ اِمْرَأَة خَاصَمَتْ عُمَر فَخَصِمَته " طَرِيق أُخْرَى عَنْ عُمَر فِيهَا اِنْقِطَاع " قَالَ الزُّبَيْر بْن بَكَّار : حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَب بْن عَبْد اللَّه عَنْ جَدِّي قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : لَا تَزِيدُوا فِي مُهُور النِّسَاء وَإِنْ كَانَتْ بِنْت ذِي الْقَصَّة - يَعْنِي يَزِيد بْن الْحُصَيْن الْحَارِثِيّ - فَمَنْ زَادَ أَلْقَيْت الزِّيَادَة فِي بَيْت الْمَال فَقَالَتْ اِمْرَأَة مِنْ صِفَة النِّسَاء طَوِيلَة - فِي أَنْفهَا فَطَس - مَا ذَاكَ لَك قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَتْ : إِنَّ اللَّه قَالَ " وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا " الْآيَة فَقَالَ عُمَر : اِمْرَأَة أَصَابَتْ وَرَجُل أَخْطَأَ




قال ابن تيمية معلقا على هذه القصة :


إن هذه القصة دليل على كمال فضل عمر ودينه وتقواه ورجوعه إلى الحق إذا تبين له ، وأنه يقبل الحق حتى من امرأة ، ويتواضع له ، وأنه معترف بفضل الواحد عليه ولو في أدنى مسألة ، وليس من شرطِ الأفضل أن لا ينبهه المفضول لأمرٍ من الأمور ، فقد قال الهدهد لسليمان { أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأٍ بنبأٍ يقينٍ } [ سورة النمل / 22 ] ، وقد قال موسى للخضر { هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً } [ سورة الكهف / 66 ] ، والفرق بين موسى والخضر أعظم من الفرق بين عمر وبين أشباهه من الصحابة ، ولم يكن هذا بالذي أوجب أن يكون الخضر قريباً من موسى فضلاً عن أن يكون مثله ، بل الأنبياء المتِّبعون لموسى كهارون ويوشع وداود وسليمان وغيرهم أفضل من الخضر .