عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
نظرة عميقة على أسباب البطء في القراءة وعلاجها
مقدّمة :
قيل لأرسطو : كيف تحكم على إنسان ؟ فأجاب : اسأله كم كتاباً يقرأ وماذا يقرأ ؟ ويقول هنري والاس : " أحيانا تكون قراءة بعض الكتب أقوى من أي معركة " ، وقيل في الحكم العربية " أن الكتاب هو الجليس الذي لا ينافق ولا يُمل ولا يُعاتبك إذا جفوته ولا يُفشي سرّك " .
ولقد ظّلت القراءة مطلباً منذ بدأنا التعلّم والتعليم ، وأصبحت التطوّر في إخراج مناهجها سيرةً لا تنتهي ،إبداعها يكمن في تقديمها على أفضل حال ، وقد بدأ الاتجاه لتعلّم " القراءة السريعة " كأحد الفنون الجديدة في هذا العصر ، وقدّم هذا العلم تغيّراً ملموساً وجديراً بالاحترام والتقدير ، في الوقت الذي يعاني منه بعض الأشخاص حول مشاكل القراءة ، ومصادرها أن أدّت إلى ظهور مشاكل كالبطء في القراءة ، وهو مشروع بحثنا هذا .
ونظراً لما تشكلّه هذه القضيّة من أثر بالغ على الفرد في تعلم القراءة في حدّ ذاتها ، فضلاً عن تعلم القراءة السريعة ، فقد قمت بمناقشة بعض النقاط التي أثيرت في كتب كثيرة وملتقيات متنوعة ودورات متخصصة ، وعلى رأي الأخصائيين الذي يرون بأن معرفة المشكلة وتحليلها وفهمها ، يوفر قاعدة قويّة للانطلاق منها لإيجاد الحلول المناسبة .
ولعل في هذه المقدّمة أشير إلى أهميّة " المكتبة " كمحفّز مهم للقراءة على العموم ، سواء في المنزل أو المدرسة ، وكذلك أهميّة تفعيلها من قبل الأسرة بما يتفق وسنّ الابن ، والذي ينشأ بناء على ذلك في حب القراءة والاطلاع .
أرجو من الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله رب العالمين .
وسأتناول في هذا البحث محورين مهمين ، يشكلان السبب الأول في بطء القراءة ، وهما ( مصادر مشاكل القراءة ، ومشاكل القراءة العشر ) ، وإليكم هذين المحورين بالتفصيل :
أولاً : مصادر مشكلات القراءة 1.
1.مصادر وهمية : وهي تلك التي تتعلقّ بالإيحاءات والبرمجة الذاتية المحبطة ، دون أن يكون للمشكلة وجود في الأصل ، كقول بعضهم ( أنا لا استوعب ، أنا لست ذكياً ، أنا كبير في السن ، أنا مشغول يومياً ... إلخ ) وهذه العبارات تأخذ حيّزاً في الذات والعقل فتكون البرمجة هنا سلبية ، مؤثرةً على القدرة الحقيقية للشخص على القراءة ، وهي كذلك من أسباب البطء كونها تشكّل عائقاً أمام محاولة القراءة بسرعة أكبر ، وذات العبارات تتكرر مع الأشخاص الذين يحبون القراءة ولكنهم يبرمجون أنفسهم على سلبية القراءة السريعة ، فيقول بعضهم ( لا بد من أن أعود للوراء للتأكد من قراءتي للمعلومة ، أو قوله أنا لا أستطيع تجاوز حد 300 كلمة في الدقيقة ) وهناك من الخرافات المتواترة عن الأهل والبيئة كتلك التي تقول ( بعد ما شاب ودّوه الكتّاب ) وهذه العبارات لها علاقة ببرمجة الذات والعقل ، وتأثيرها مع الوقت يؤدي إلى بطء القراءة وربما الابتعاد عنها نهائياً ، ولعلاج هذه المشكلة لا بد من معرفة أمور مختلفة ، إذ أن القراءة مثلاً لا تحتاج للذكاء أو الحفظ بل لكثرة تمارين ، إضافة إلى أن الأبحاث أثبتت أن نسبة الاستيعاب تكون أكبر مع القراءة السريعة لأولئك الذين يخشون من عدم الاستيعاب أثناء القراءة السريعة ، ولذلك فإن علاج المصادر الوهمية في الغالب يعود إلى برمجة الذات إيجابياً ، والاعتماد على تعزيز الثقة بالنفس ، من خلال تكرار بعض الجمل في أوقات مختلفة كقولنا ( أنا قارئ سريع ، أنا أستطيع القراءة بسرعة ، أنا أستوعب ما اقرأ بامتياز ... إلخ ) ، واستخدام البرمجة اللغوية العصبية (NLP) يساعد كثيراً في حل هذه المشكلة .
2. مصادر نفسية : وهي الحالة النفسية التي تشكّلت نتيجة تراكمات في النفس مع الزمن ، كأن يكون الشخص مصاب بعقدة في المدرسة ويردد ( رؤية الكتاب تذكرني بالإحباطات المدرسية ) ، وكذلك الشرود والقلق والانزعاج المستمر ، كل هذه الحالات تؤدي إلى بطء القراءة ، مما يعزز هذه المشكلة في ذات الفرد ، وبعضهم قد يتوتر أو يتمكّن منه الشرود بسبب ( تقليب الصفحات ) مثلاً ، وهو الأمر الذي عالجه بيتر كومب في كتابة ( الانطلاق في القراءة السريعة ) بطريقة المسح ( طريقة تتم عن طريق وضع الكف على الصفحة كاملة ومسحها بالكف ) ، ويمكن استخدام التمارين والإيحاءات النفسية باستمرار للتخلص من هذه السلبيات ، واستخدام طريقة ( الاسترخاء أو التنويم الإيحائي ) فهو وسيلة مناسبة للتخلص من الترسبّات النفسية ، التي قد تعيق القراءة ، إضافة إلى أنه يجب إدراك أن القراءة لا علاقة لها بما ترتب على المدرسة ، فللمدرسة أساليبها وبرنامجها الذي يجب أن تسير عليه ، بينما القراءة الذاتية تساعدك في اختيار ما تريد قراءته ، وبنفس راضية ( نحن هنا لا نناقش قضيّة تعلّم القراءة في المراحل المبكرة ، ويؤخذ بعين الاعتبار أن البطء في القراءة لا يعني عدم إجادة القراءة ) .
3. مصادر موضوعية : ونقصد بالموضوعية تلك الحالات التي تكون سبباً منطقياً في تأخر أو بطء القراءة ، فصعوبة المفردات اللغوية وتعقيدات الجمل مثلاً تعتبر سبباً منطقياً من أسباب البطء ، لأن الشخص يحاول فهمها ويحتاج إلى وقت أكبر ، وقراءة بطيئة ، إضافة إلى عنصر الملل الذي قد يتملّك البعض ، ويحول دون استمرارهم في القراءة ، ويؤثر بالتالي على سرعتهم .
4. مصادر تقنية : وهي المصادر التي تؤثر على الشخص تقنياً ، وقد تعود أسبابها لقلّة الوعي بأهميّتها ، وربما الاضطرار لاستخدامها في بعض الأحيان ، غير أن المدرك لإشكالياتها يعلم ضرورة التنبّه لها ، مثل قرب المادة المكتوبة من العين وإجهاد العين ( وقد تكون هذه المشكلة تحديداً من سلبيات التعليم في المرحلة المبكرة التي يجب أن تقوم بتعويد الطالب على المسافة المناسبة للقراءة ، وكذلك الجلسة الصحيحة للقراءة ) أيضاً وجود مكتب القراءة في غرفة النوم ، أو أن المقعد غير مريح ومرتفع ، ويمكن علاج مثل هذه الحالات باستخدام تقنيات القراءة الصحيحة كالجلسة الصحيحة ، والبعد المناسب عن الكتاب ، واختيار الأماكن المناسبة للقراءة ، والبعيدة عن التشتيت ، ولذلك نجد أن القرّاء الذين يعتمدون على القراءة في المكتبات العامّة يشكلّون نسبة القرّاء المناسبة لتحقيق معادلة القراءة في أجواء مناسبة جداً .
5. مصادر صحيّة : وهي المصادر التي ترتبط بشكل وثيق بصحّة الشخص ، وتحول دونه ودون الاستمرار في القراءة ، كمشاكل الرقبة ، أو مشاكل الظهر والتهام مفاصل الأقدام ، وآلام متنوعة في الجسم وعدم الالتزام بالوصفات ، ومثل هذه المشاكل يمكن التعامل معها من خلال عمل تمارين رياضيّة مناسبة ، والكتابة باعتدال الرقبة ، وأن تلامس القدمين الأرض بالكامل ، واستقامة الظهر وإراحة العضلات ، وإن احتاج الأمر للطبيب فلا بأس باستشارته .
ثانياً : مشاكل القراءة
1. القراءة بصوت منخفض : وقد أثبتت كل الكتب والمناهج التدريبية التي تتناول القراءة السريعة أن هذه العادة تعتبر واحدة من أكبر العوائق التي تمنع التطوّر ، ولذلك لا بد من التغلب عليها ، غير أن توني بوزان أثبت خلاف ذلك ، حيث أشار إلى أن الكثير ممن أجبروا أنفسهم على الامتناع على القراءة بصوت منخفض قد فقدوا الاهتمام بالقراءة ، حث بذلوا جهداً كبيراً ولعدّة أسابيع متواصلة لأداء مثل هذه المهمة الصعبة والمستحيلة ، غير أنّه أشار ـ أي توني ـ إلى ضرورة علاج هذه المشكلة من خلال اختزالها بين الوعي واللاوعي ، بمعنى آخر التقليل من الاعتماد عليها ويشير إلى أن الجانب الايجابي يتشكّل في أنها تساعد على التذكر ، وفي هذا الصدد أتذكر مقولة صينية جميلة تقول : "أنت لا تستطيع أن تفتح كتاباً من الكتب دون أن تتعلم منه شيئاً " .
2. استخدام الأصابع للإشارة مع القراءة : من المفيد استخدام الأصابع في القراءة ، لكن الإشكالية التي تعيق هذا الاستخدام تكمن في طريقة استخدام الإصبع ، فالبعض يقوم باستخدامها بحيث تُغيّب بعض المفردات ، أو تحدّ من جانب الرؤية ، وفي هذه الحالة يجب أن نتّبع خطوات استخدام الإصبع إما بطريقة صحيحة ، أم استخدام قلم أو مؤشر مناسب للقراءة .
3. التراجع أو إعادة القراءة : لقد أثبتت الدراسات قدرة العين على التقاط أربع كلمات في الثانية ، ونظراً لأن البعض يستخدم عينه لالتقاط كلمة واحدة فقط ، وهو الأمر الذي يقود البعض إلى الخوف من عدم الفهم ، والحقيقة أن المشكلة تعود لعدم الثقة بالنفس . وهذا ما يسبب بطأً في القراءة ، ويرى توني بوزان أن هذا الحالة تشكل وجهاً من وجوه الخداع البصري غير الواعي ، ويرى الحلّ في القراءة بدون العودة للوراء مهما كان السبب ، والتزايد في سرعة القراءة بشكل مستمر ، ولعل هذه العادة من أكثر العادات انتشاراً في العالم ، ولا بد من الوقوف عليها بجديّة أكبر لتخليص الكثيرين منها .
4. مشكلات التعلّم : الكثيرين من القرّاء يقوم بتبديل مواقع الحروف وبالتالي يشكّل هذا الأمر عنده تباطؤاً في القراءة ، وهناك ما يقارب 20% من الأطفال يعانون من هذه المشكلة ، ويرى بعض المدربين أن 80% ممن يعتقدون أنهم مصابون بهذه المشكلة أنهم غير مصابين ، وربما واجهوها في بداية تعلمهم وبالتالي أثّرت عليهم ، ويمكن علاج هذه المشكلة باستخدام الدليل البصري ، وزيادة السرعة تدريجياً . وأعجبتني مقولة لطاغور يقول فيها : " لا يمكنك عبور البحر بمجرد الوقوف عليه والتحديق في الماء .
5. فقدان التركيز والنشاط المفرط : حيث يقوم البعض باستخدام السرعة على حساب الفهم والتركيز ، وهذا ما يضعف من مستوى الاستيعاب ، حيث يتغلّب النشاط على التركيز ، وهذان الأمران لا بد وأن يكون بينهما توازن جيدّ حتى يحققا الرغبة المنشودة ، وقد أكّدت إحدى الإحصائيات أنه في أمريكا وحدها ما يزيد على ثلاثة ملايين طفل يعانون من مسألة التركيز . ومن أهم الأسباب في هذه المشكلة صعوبة المفردات ، أو صعوبة إدراك الأفكار المعروضة ، أو عدم ملائمة سرعة القراءة ، أو الحالة الذهنية غير الملائمة ، أو فقدان الاهتمام أو سوء التنظيم ، ولعلاج مثل هذه المشكلة فإن أخذ راحة بين 30 ـ 60 دقيقة من القراءة ، وتحفيز الذات ، والدوام على التدريب واستخدام الدليل البصري الذي يساعد على التركيز ، والألعاب المثيرة والذكية والألغاز وما إلى ذلك ، ويمكن الاستشهاد بمركز القراءة السريعة كأحد المراكز التدريبية القائمة على تقديم تدريبات تساعد على التركيز كتدريبات الومضة والكلمات العمودية ، ولقد أجريت العديد من الدراسات حول التحقق من تأثير حركة العين على معدل السرعة في القراءة ومستوى الفهم ، ومن هذه الدراسات:
- دراسة فلتشر Fletcher (1993) التي أجراها على مجموعتين من المراهقين ، مجموعة تعاني من صعوبات في القراءة ، والأخرى لا تعاني من الدراسة إلى تحسن في مستوى الفهم لدى المجموعة التي لا تعاني من صعوبات في القراءة.
- دراسة سوفك وآخرون Sovik and others (2000) أجراها على عشرين من الأطفال في سن 12 عاماً ، بهدف التحقق من فعالية حركة العين وتأثيرها في سرعة القراءة ، والعلاقة بين القراءة الصامتة والقراءة الجهرية ، كل هذه تعبر عوامل مساعدة في التخلّص من مشكلة فقدان التركيز .
6. الهدف : حيث أنّ البعض يقوم بالقراءة دون هدف محدد ، بعشوائية مفرطة ، وقراءة القصص ببطء شديد للاستمتاع ، وقراءة كل ما يقع في يدك ، والملل من الإكمال ، فالقراءة بلا هدف تقلل من سرعة القراءة بل وتؤثر عليها ، ويجب الانتباه لذلك ، من خلال تحديد نوع المادة المكتوبة ، وتحديد المطلوب بالضبط ( هل هو للفهم أو للحفظ أم .. ) ، وتحديد زمن بداية ونهاية للقراءة ، وهذا الأخير طبّقته فعلاً ونجحت في ذلك ، وقد نلاحظ هذا الدروس التي تكون في نهايتها اختبار ، إذ يضطر الشخص للقراءة بلا ملل ولا كلل في سبيل الحصول بهدف الوصول للاختبار ، فإما الإجابة والاستمرار وإما عدم الاستجابة والتوقف ، وكان كان الإمام أبو داود يُفصّل ملابسه ولا ينسى الكتب ، فقد فصّل كماً واسعاً وكماً ضيقاً ، فقيل له في ذلك ، فقال : " الواسع للكتب والآخر لا أحتاج إليه " .
وباختصار شديد نلخّص هنا بعض العوامل التي تساعد في زيادة سرعة القراءة ، وهي كالتالي :
1. توفر القاموس اللغوي الخاص بكل شخص ، مما يساعد على الفهم الشامل والسريع .
2. فحص العين للتأكد من سلامتها ، لأن ضعف الرؤية يؤدي إلى بطء القراءة .
3. التركيز على مفتاح الكلمات والأفكار الرئيسية في المادة المقروءة .
4. توسيع مدى العين بحيث تقرأ جمل وليس كلمات .
5. ضبط معدل القراءة حسب الغرض من القراءة ، وصعوبة المادة .
6. تحديد الهدف من القراءة قبل البدء فيها ، حيث تتحدد السرعة حسب الهدف من القراءة .
المفضلات