عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 33
المنهج المدرسي والعولمة
العولمة فكرة ليست وليدة اليوم أو الامس، ولكنها ظاهرة قديمة قدم الانسان على سطح الارض، ولكن من الملاحظ أن الكثير يخلطون بين مصطلحين، الاول هو العالمية والثانى هو العولمة، فالعالمية هى رؤى أمل وتطلع إلي نقل الخاص إلي المستوى العالمى، اما العولمة فهى احتواء للعالم وفرض الهيمنة والسيطرة ومحو الخصوصية والذاتية.
ولقد أصبحت فكرة العولمة تيارا فكريا ينشغل به تفكير الدول والحكومات والشعوب، بل أن أصحاب النظم المعروفة فى السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا أصبحت لهم توجهات ورؤى جديدة نتيجة لانتشار هذا الفكر، ويستهدف هذا الفكر اعتبار العالم كله وحدة واحدة من كافة النواحى السياسية والاقتصادية والثقافية، وان العالم كله هو بيئة للانسان وفيه متسع للجميع، وعلى الرغم مما قد ينتج عن العولمة من تقدم وسيادة الدول المتقدمة الا أن العولمة أصبحت مسألة تلف للعالم كله وخاصة الدول النامية والفقيرة.
ماهية العولمة:
يمكن القول أن للعولمة معنى عاما وشاملا يتضمن فى جوهره الانتقال من المجال الوطنى أو الاقليمى(القومى) “International” إلي المجال العالمى أو الكونى “Global”، ذلك لان الكلمة الاولى تعنى وجود الحدود وخطوط الفصل، بينما الكلمة الثانية تعنى تجاوز الحدود وزوالها، وهذه الحدود تشمل الاحد المكانى والزمانى والبشرى.
وبهذا المعنى فان العولمة تمتد إلي كل مظهر وكل جانب من جوانب الحياة، بحيث يؤثر كل منها فى الاخر ويتاثر به، ولعل اهم هذه الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية.
العولمة ... عالم بلا حدود: العولمة كما سبق أن أشرنا هى تجاوز لجميع الحدود المكانية والزمانية والبشرية، واعتبار العالم كله قرية صغيرة تمحى فيها الخصوصية تتلاشى سلطات الحكومات وتتعاظم وتتفاقم "السلطات المشتركة"وهيمنتها على العالم.
وسائل تحقق أهداف العولمة:
1-تعظبم دور تكنولوجيا الاتصال والتواصل(القنوات الفضائية، الشركات العملاقة، الاعلام، الانترنت).
2-تأسيس نخبة تكون نموذجا للنجاح الاقتصادى والمهنى(وخاصة فى الدول النامية).
3-تشجيع اساليب المحاكاة للنخبة المختارة(وخاصة محاكاة اساليب التعبير اللغوى وطرق السلوك الاجتماعى).
4-تماثل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، بل ونقلها إلي الدول النامية خاصة.
العولمة .... تأثيرات متعددة المحاور:
· ففى الاقتصاد، تقوم العولمة على افتراضات الاقتصاد المفتوح، واللبرالية الجديدة التى تعتبر الاقتصاد الحر هو نهاية التاريخ، وتدعيم قيم المنافسة والانتاجية، وقد أقامت العولمة مؤسساتها الاقتصادية التى تكاد تشل حركة الاقتصادية الوطنية، ناهيك عن مؤسسات الأمم المتحدة، وعلى رأسها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، ومنظمة التجارة العالمية، والتكتلات الاقتصادية الكبرى التى تشمل الشركات المتعددة الجنسية وذلك كله بهدف الوصول إلي سوق بلا حدود.
· وفى السياسة، فان العولمة تبدو كما لو انها دعوة إلي الديمقراطية واللبرالية السياسية، ودعم حقوق الانسان والحريات الفردية، مع التركيز على نهاية (الدول القومية)ونهاية الحدود الجغرافية، وذلك بهدف الوصول إلي أرض بلا حدود(أي نهاية الجغرافيا كما يقال أحيانا).
· ولعل اخطر الجوانب التى تخترقها العولمة هو جانب الثقافة، فكتاب العولمة يعبرون صراحة أو ضمنا على أن العصر القادم سوف يتطلب توحيد القيم والرغبات والحاجات وأنماط الاستهلاك فى الذوق والمأكل والمسكن، وتنميط طريقة التفكير، والنظر إلي الذات والى الاخر، وغير ذلك من جوانب الثقافة والعلم والتعليم، وذلك بهدف الوصول إلي ثقافة بلا حدود.
التكنولوجيا مع أم ضد العولمة؟
أدت العولمة إلي ظهور مدن عالية التقنية ومنخفضة المشاعر الإنسانية وشركات متعددة الجنسيات، ولقد صاحب ذلك أن الدول القوية سادت العالم وستزداد هذه السيادة قوة وضراوة فى القرن القادم، وسلاحها فى ذلك هو المعرفة التكنولوجية المتقدمة التى تؤهلها لانتاج المعرفة، ومن هنا فان المعرفة ستكون أداة للسيطرة على الشعوب التى لا تمتلك المعرفة، وتعكس هذه الصورة الحاجة إلي الوجه الانسانى للعولمة حتى لا يسود الظلم، وحتى لا تنهار الدول الضعيفة وتزداد فقرا على فقر.
والمسألة هنا تعنى أننا فى حاجة إلي مواطن قادر على المشاركة وانتاج المعرفة والتكنولوجبا واستخدامها، وتوجيه هذا الاستخدام توجيها علميا صحيحا بما يحقق التقدم للفرد والمجتمع، وبما يحافظ أيضا على الهوية الثقافية ويغذيها ويطورها بشكل مستمر.
ومن الملاحظ أن الدول التى تسمى "بالدول المعولمة"تتبنى فكرا تربويا يستهدف الابناء ليكونوا مفكرين ومبدعيين قادريين على الإضافة إلي تراكمات العلم واثرائه، وبالتالى السيطرة على مصادر المعرفة المتطورة فى كافة المجالات، ومن ثم فان المواطن مطالب بأن تكون له بصمة خاصة به فى مسارات عملية التنمية وكل ما تحتاج من معرفة وتكنولوجيا متقدمة، ومن ثم فان نظمنا التعليمية لابد أن تكون قادرة على إعداد أجيال قادرة على إنتاج المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة، فالدول المتقدمة لم تقطع شوطا بعيدا فى طريق التقدم الا من خلال أبنائها الذين استطاعوا أن يضيفوا إلي المعرفة تراكمات جيل بعد جيل، وهم أيضا الذين صنعوا التكنولوجيا وأدخلوا عليها كل ما ظهر من تطوير، انها عقول البشر وما أتيح لهم من إمكانات، ومن هنا نقول أن امتلاك المعرفة المتقدمة والتكنولوجيا المتطورة أصبح سلاحا وقوة هائلة تضع الدول المتقدمة فى موقع الصدارة والتحكم والاستيعاب السياسي والاقتصادي والثقافي، اما الدول التى لا تمتلك المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة ليس أمامها الا أن تدور فى فلك دولة أو دول تمتلك هذه القوة المعرفية التكنولوجية.
المنهج المدرسي في مواجهة العولمة:
لابد أن تطور المناهج لمواجهة هذه الظاهرة ولعمل ذلك لابد أن نقوم بالأتى:
1-ندرس تماما ظاهرة العولمة والمفاهيم المرتبطة بها والتي يمكن تضمينها فى المناهج.
2-تحليل مناهج التعليم بهدف:
· التعرف على ما مدى تناول هذه المناهج للمفاهيم المرتبطة بالعوامة، سواء تناول إيجابي أو سلبي.
· التعرف على نوعية القيم التى يمكن أن ينتجها النظام
التعليمي فى المجتمع نفسه.
3- ألا نكتفي برصد الواقع، فعلى معدي المناهج أن يجلسوا معا لوضع خطة شاملة لكيفية تنمية القيم والاتجاهات التى تتواءم مع ظاهرة العولمة.
4- من خلال المناهج لابد أن نؤكد على الاختلافات والتنوع الثقافي وان يكون لكل دولة ثقافة خاصة بها، وخاصة قضية اللغة القومية، ولابد أن يكون هناك اهتمام قوى باللغة العربية.
5- لابد من الاهتمام بالجوانب الوجدانية وما يرتبط بها من قيم معينة، وهذا الجانب مهمل جدا فى مناهجنا التعليمية.
6- ان يعاد النظر فى المناهج، وفى الدور الذي يقوم به المتعلم، فلابد أن يكون التعلم الذاتي له مكانة كبيرة عند المتعلم.
7- الأخذ بمفهوم الجودة الشاملة فى بناء المناهج وتطويرها، (كيف يمكن أن نقدم تعليم جيد فى ضوء إمكانات متواضعة؟)
8- الاهتمام بدراسة التاريخ بمنتهى الموضوعية وبدون زيف.
9- ان نهتم بالعلوم الحديثة التى يعبر عنها العصر وتجعل منا منتجين للمعرفة وليس مستهلكين لها فقط.
توجهات مقترحة لتخطيط المناهج:
يبرز من خلال ما سبق عدة سمات للعولمة، وتنشأ عن هذه السمات عدة تحديات تستلزم القيام بعدة إجراءات فى عمليات تخطيط المناهج الدراسية حتى يمكننا مواجهة هذه التحديات، وسوف نعرض فيما يلى بعض السمات، والتحديات التى تنشأ عنها، وبعض المقترحات لتخطيط المناهج لمواجهة هذه التحديات:
1-السمة:انفتاح الثقافات: ونعنى بها تلاشى الحدود الثقافية لتصبح هناك ثقافة عالمية واحدة.
التحدى: ضرورة التوازن بين الثقافة المحلية، والثقافة العالمية فى مناهجنا الدراسية.
المقترحات:
أ-تطبيق فكرة التعليم المتوائم الذي يمكن بواسطته تحقيق التكامل بين الخصوصية الثقافية، ومتطلبات المنظومة الحضارية العالمية.
ب-التعريف بثقافات الدول الأخرى وإنجازاتها وإبداعاتها وإبداعات علمائها مع التأكيد على إنجازات ثقافتنا وإبداعات علمائنا سواء فى الماضي أو الحاضر، ونوصى بعدم التركيز على الماضى واجتراره أو استنساخه.
ج-الاهتمام باللغة العربية كلغة قومية، بالإضافة إلي تعليم لغتين أجنبيتين كوسائل اتصال وتواصل بالعالم من حولنا.
د-تنمية التفكير الناقد كوسيلة لتنقية ما يصل إلينا من ثقافات الأخرين.
هـ- تنمية الولاء والانتماء كقيمتين ترسخان الهوية القومية والاعتزاز بها.
2-السمة:الانفتاح الاقتصادى: ونعنى به إزالة الحدود الاقتصادية ليصبح العالم كله سوق كبيرة موحدة تضم عدة أسواق ذات خصائص ومواصفات تعكس الطبيعة الإقليمية كما تعكس المواصفات التى يفرضها التكامل الاقتصادى.
التحدى: ضرورة اعتبار مقاييس الجودة العالمية هى المعيار الاساسى لمنتجاتنا الاقتصادية.
المقترحات:
إذا سلمنا بان جودة المنتج الاقتصادى تعتمد بالدرجة الاولى على جودة المنتج التعليمي، فان جودة المنتج الاقتصادى تقف عند عتبة المؤسسة التعليمية ، وجودة المعلم، وبناء على هذا يقترح:
أ-تطبيق مبدأ التعلم المتبادل حيث يتم ربط المؤسسات التعليمية بمؤسسات الإنتاج المناظرة لنوع التعليم الذي يقدم فى هذه المؤسسات، ويتردد المتعلم بين المؤسسة التعليمية، والمؤسسة الإنتاجية للتكامل بين ما هو نظري وما هو تطبيقي.
ب-الالتزام بمبدأ التعليم من اجل التمكن والإتقان فى تقويم مخرجات العملية التعليمية .
ج-اشتراك المؤسسات الإنتاجية فى عملية تخطيط المناهج وتصميمها بحيث يتم الربط بين المناهج الدراسية، وسوق العمل من حيث تضمين المناهج بالمهارات المطلوبة لهذه المهن.
3-السمة:الاعتماد المتبادل:ونعنى به انه فى ظل الظروف التى تفرضها التغيرات والتحديات من حولنا لا تستطيع دولة بمفردها أن تحقق اكتفاء ذاتيا أو أن تتغلب على مشكلاتها، ولابد من التعاون والاعتماد المتبادل بين الدول لحلها، وهذا يتطلب التفكير الجماعي فى كيفية التغلب على هذه المشكلات.
التحدى: لا يزال التعليم لدينا يعد الفرد على التفكير الفردي فى حل المشكلات التى تواجهه، والمطلوب هو التحول من القدرة على التفكير الفردي إلي التفكير الجماعي فى كيفية التغلب على المشكلات.
المقترحات:
أ-التركيز على الأنشطة التعليمية والأنشطة الصفية على الأنشطة الجماعية التى تتيح للمتعلم أن يعمل ويفكر بطريقة جماعية تعتمد على توزيع الأدوار حسب إمكانات كل فرد فى المجموعة.
ب-الاتجاه إلي استخدام استراتيجية التعلم التعاوني بكافة صورها، واستراتيجية التعلم فى مجموعات، وحل المشكلات عن طريق اشتراك مجموعة من الطلاب فى التفكير ووضع الخطط وتنفيذها لحل المشكلات.
ج-تكليف مجموعات من الطلاب بإجراء دراسات مبسطة أو مقالات علمية بحيث تتاح لهم فرصة التفكير الجماعي، وتبادل الآراء والخبرات أثناء هذا العمل التعاوني الجماعي.
4-السمة:السيادة التكنولوجية: ونعنى بها أن هناك دول تنتج الأساليب التكنولوجية المتقدمة وتسيطر بها على كافة القطاعات فى العلم والعمل وتستطيع أن تمنح أو تمنع هذه الأساليب لمن تريد، وبالتالى تضمن السيادة فى هذه القطاعات.
التحدى: لا نزال نستهلك هذه الأساليب التكنولوجية ولا ننتجها، ونريد أن نتحول من مستهلكين لهذه الأساليب إلي منتجين لها.
المقترحات:
أ-الاهتمام بالتعليم التكنولوجي الذى يركز على الوعي المهنى، ويهتم فى المقام الأول بالجانب التطبيقى الذى يضمن اعداد المتعلم بمستويات مختلفة من المهارات والقدرات الفنية والتطبيقية المتخصصة.
ب-تطعيم المنهج بأنشطة تكنولوجية تكسب المتعلم كيفية تطبيق المعلومات واستخدامها، وغرس سلوكيات حسب الاستطلاع العلمى لديه.
ولا يدعى الكاتب بانه قد ألم بجميع جوانب حركة العولمة، أو قدم جميع التوجهات المقترحة فى تخطيط المناهج لمواجهة هذه الحركة، ولكن يحمل مضمون هذه الورقة وجهة نظر الكاتب فى حركة العولمة من زاوية معينة، وبعض وليس كل التوجهات فى تخطيط المناهج لمواجهة التحديات التى تفرزها هذه الحركة والتي رأى الكاتب أهميتها فى هذا الصدد. (نقلا عن: محمد أمين المفتى)
وفى ضوء ما سبق اتضح لنا ماهية العولمة، وخطورة هذه الظاهرة، وأهمية أن يعاد تخطيط وتطوير المناهج لمواجهة هذه الظاهرة وتحدياتها، من اجل اعداد مواطن المستقبل القادر على مجاراة متطلبات وثورات العصر الحديث .
المفضلات