عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 33
إلى متى تبقى أمة اقرأ لا تقرأ؟
يشهد عصرنا الحالي تطوراً تقنياً هائلاً، وثورة معلوماتية غير مسبوقة؛ حيث تتضاعف المعلومات الإنسانية كل خمس سنوات؛ وربما أقل من ذلك. وقد أصبح من الضروري أن يمتلك الطالب مهارة البحث وترتيب المعلومات واستيعابها بصورة سريعة وفعالة؛ تتيح له توظيفها والاستفادة منها بأقصى درجة ممكنة. وقد اهتمت الدراسات الحديثة باستحداث أساليب تعليم جديدة؛ ومن بين تلك الأساليب الواعدة القراءة السريعة والفعالة التي أصبحت مطلباً
مهماً في سبيل النجاح والتقدم؛ خصوصاً أن القراءة لا تزال هي المصدر الرئيس للمعرفة؛ حيث تقدر المعلومات التي تصل إلينا عبرها بما يقارب 80 في المائة.
إن الطفل الذي يقرأ بطلاقة، ويستوعب بسهولة في مواضيع مختلفة من العلوم والفنون التي تتناسب وسنه دون أن يبذل جهداً كبيراً ـ أي أنه يقرأ بدافع المتعة الشخصية ـ تصبح الفرصة لديه في التعلم وانفتاح الأبواب أمام مستقبله العلمي أفضل؛ وهذا ما يؤهله للحصول على وظيفة أفضل؛ وبذلك يتحقق له مستوى مالي جيد يجعله يشعر بالاستقلال الشخصي واحترام الذات.
وعلى النقيض من ذلك فإننا نجد الأطفال الذين يقرؤون ببطء لا يقرءون إلا الضروري من المواد الدراسية؛ حيث بينت دراسة أجريت في الولايات المتحدة أن هؤلاء الطلبة في الصف الرابع الابتدائي يمضون أسبوعيا ساعتين في القراءة المنزلية، في حين أنهم يمضون ما يقارب 21 ساعة في مشاهدة التلفزيون. وهم في الغالب لا يقرءون خارج المنهاج المدرسي؛ وهذا ما يجعلهم يعانون نقص الثقة بالنفس أثناء القراءة. هذا البطء في القراءة ينعكس على مناحي حياتهم المختلفة؛ وهو ما ذكره المركز القومي لصحة الطفولة والنمو في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث بين المركز أن معظم الأطفال بطيئي القراءة في الصف الثالث الابتدائي تستمر معهم هذه الصعوبة إلى الصف الثالث المتوسط؛ بل وإلى المراحل العمرية الأكبر. وهذا ما يحول دون تقدمه العلمي، ومن ثم الوظيفي، وربما استقراره النفسي والاجتماعي؛ وذلك ما يجعل صعوبة القراءة قضية كبرى. إن هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى أربعة أضعاف الوقت الذي يقضونه في جهد ذهني وبصري أكبر حتى يقرءوا نفس القدر من المعلومات التي يقرأها القارئ الجيد. ووفقاً لما سبق تبين أن هؤلاء الأطفال يبذلون جهداًً كبيراًً، وللأسف فإن نتاج تحصيلهم من القراءة يكون قليلاً مقارنة بأقرانهم الأطفال سريعي القراءة. إن الحجم الحقيقي للطلبة بطيئي القراءة أكبر مما يتصوره الكثيرون؛ إذ يوجد ما يقارب 20 في المائة من طلاب المدارس في أمريكا متأخرون كثيراً في القراءة؛ الشيء الذي قد لا يمكنهم من الاستمرار في التعلم؛ في حين أن طلبة الصف الثاني متوسط هناك لا يستطيعون تلخيص ما قرءوه.
ومن النتائج التي خلص إليها أهل التخصص أن هناك الكثير من الدراسات، والأرقام المفزعة التي أبرزت تحديات كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية. ونتيجة لهذه المعلومات المقلقة، ولعظم شأن هذا الموضوع وأهميته للأمة؛ فقد أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في خطاب حالة الاتحاد عام 1996 أن مسألة القراءة قضية قومية ذات أولوية وطنية لضمان أن كل طفل في أمريكا يجب أن يصبح قادراً على أن يقرأ بشكل مستقل في نهاية الصف الثالث الابتدائي. كان هذا الخطاب بمثابة المحرك للكونجرس الأمريكي عام 1997 لتكوين الهيئة الوطنية للقراءة؛ تلك الهيئة التي تهتم بمتابعة التوصيات ودعم الأبحاث الجديدة ومعرفة التقنيات التعليمية الفعالة للقراءة. وقد تم بعد ذلك إجراء عدد هائل من الدراسات والأبحاث الخاصة بالقراءة من حيث محتوى المادة المتعلمة، واكتشاف المهارات والطرق، والوسائل العلمية الحديثة للمعلم، وتطوير مهارات الطلاب بما يتناسب والتقدم العلمي الحاصل. إلخ.
إن متوسط الوقت الذي نمضيه في القراءة سنويا مقارنة بالشعوب المحبة للقراءة مثل الشعبين الياباني والفرنسي يعد هزيلاً للغاية؛ وهذا ما يدعو للدهشة والاستغراب من أمة كانت أول كلمة في كتابها المقدس "اقرأ"، علاوة على ذلك أن واقع مستوى قراءة الطلبة في مجتمعنا يعد أقل بكثير مما نرجو، ولا يزال ينقص معظمهم كثير من المهارات اللازمة للقراءة، ومن أهم المشكلات التي يعانون منها أثناء القراءة: البطء في القراءة, وضعف حصيلة المفردات, وقلة التركيز, والملل، والشعور سريعا بالإرهاق، وضعف القدرة على تحليل ونقد النص, وضعف الاستيعاب والتذكر...إلخ. (هذا ما أبرزته كثير من الدراسات المحلية).
إننا بحاجة إلى أن تصبح القراءة قضية قومية ذات أولوية وطنية، وأن ننشئ هيئة وطنية مرنة تمتلك الأدوات المعرفية اللازمة على أن تتكون من مربين وباحثين وآباء ومثقفين. كذلك نحن بحاجة إلى وسائل وطرق جديدة تجعل من القراءة عملية سهلة وماتعة ومفيدة؛ أي أن نجعل الكتاب صديقا مقرباً إلينا في البيت والمكتب والحافلة والطائرة وأماكن الانتظار؛ بدلاً من استغراقنا في أحاديث لا فائدة منها في أحسن الأحوال. بالإضافة إلى تقديم برامح وتقنيات متطورة لتعليمهم، وتوافر المدرس الكفء المدرب تدريباً جيداً مع الاستفادة من البرامج التعليمية الحاسوبية والمرئية. ستكون المقالة القادمة، إن شاء الله، عن القراءة السريعة والفعالة، وأهميتها في زيادة قدرتنا على القراءة بسرعة تصل إلى ثلاثة أضعاف وأكثر مع زيادة قدرتنا على الفهم والتركيز والتذكر وفي مدة قصيرة لا تتجاوز ستة أسابيع.
أخيراً: عزيزي القارئ إن ما أهدف إليه في هذه المقالة هو توضيح حجم مشكلة القراءة لدينا، وفي دولة سبقتنا علمياً، وكيف تم التعامل معها؛ حتى تتحقق الفائدة المرجوة من تجاربهم وبحوثهم، وننظر في موضوع القراءة كقضية وطنية كبرى تستلزم كثيراًً من الدعم والجهد والبحث والتطبيق؛ ومن ثم نبحث عن وسائل وطرق متقدمة في تعليم القراءة السريعة والفعالة كي نفسح المجال للطلاب ليصبحوا قراء طلقاء ـ محبين للمعرفة ـ، وكتابا مفكرين قادرين على الاستيعاب والتعلم والإضافة إلى التجارب الإنسانية بما يليق بأمة اقرأ - فإن أمة لا تقرأ لا ترقى
المفضلات