هموم فتاة ملتزمة
تأليف
فضيلة الشيخ
سلمان بن فهد العودة
المشرف العام على موقع الإسلام اليوم
جاء في المقدمة: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
ضمن سلسلة: " الدروس العلمية العامة"، التي كنت ومازلت ألقيها -بحمد الله تعالى- في الجامع الكبير ببريدة، في مساء كل أحد.. كان من الضروري أن يكون للمرأة المسلمة نصيب من هذه الدروس؛ بوصفها جزءًا من الجسد الإسلامي الذي يتعين على القادرين صيانته من كل الآفات الطارئة عليه من خارجه، أو المنبعثة من داخله، والتي تستهدف عافيته، وتسعى لإغراقه في بحر من الآفات لا يملك النجاة منه.
كانت معالجة مشاكل المرأة هي بعض ما انعقدت له الدروس.. كما عالجنا من قبل مشاكل الشباب وهمومهم في سلسلة من الدروس، نُشر أحدها -وهو الحلقة الثالثة- في رسالة صغيرة بعنوان: "جلسة على الرصيف". وحظي من شبيبة هذه الأمة وصالحيها بقبول لا يستحقه؛ حيث طبع ووزع منه -خلال عام واحد- ما يزيد على ربع مليون نسخة، فلله الحمد والثناء.
وقد جاءتني رسائل كثيرة تطلب المشاركة في الحديث على قضايا المرأة المسلمة، ورسائل أكثر تقدّم تصورات واجتهادات عما يجب الحديث عنه، أو تشرح بعض الواقع الذي يحتاج إلى دراسة، أو تستحث الخطى؛ لتدارك خلل تَكْبُر رقعته مع الأيام.
فمن ثمَّ كانت هذه الدروس العديدة التي تعالج موضوعات تتعلق بحياة المرأة المسلمة: أمًّا، وزوجًا، وداعية، وهي تزيد على أربعة دروس منها:
1- هموم المرأة، وهو درس ألقي في يوم الأحد ليلة الاثنين الموافق: 13 ربيع الثاني من عام 1412 هـ.
2- هموم أخرى للمرأة، وهو درس ألقي في يوم الأحد ليلة الاثنين الموافق: 20 ربيع الثاني من عام 1412 هـ.
وسوف يصدر هذان الموضوعان في كتاب واحد -إن شاء الله-؛ لأنهما في الواقع موضوع واحد، وسيضاف إليهما موضوع ثالث مشابه كنت ألقيته في شهر رمضان المبارك عام 1411 هـ، في مسجد الجاسر ببريدة.
3- هموم فتاة ملتزمة، وهو درس ألقي في يوم الأحد ليلة الاثنين الموافق 25 جمادى الأولى من عام 1412 هـ. وكلها ضمن "الدروس العلمية العامة".
وهذا الدرس الأخير هو الكتاب الذي بين يديكَ بعد تعديله وتصحيحه بما يناسب الكتاب المقروء، وهو يشكل الحلقة الثانية من سلسلة "من مكتبة المرأة"، والأولى كانت "نداء الفطرة".
وأنا مدين بالفضل لله تعالى فهو الموفق لكل خير، الفضل فضله، والبركة منه، ونحن به وإليه، ثم إنني مثن على مشاركات الإخوة الفضلاء، والأخوات الفضليات؛ ممن كاتبوني، وهاتفوني، وساعدوني على معرفة ما يدور -أو بعض ما يدور- في مجتمعات المرأة؛ ومن ثَمَّ تلمس سبل الحل، فلهم جميعًا مني وافر الشكر والدعاء.
وقد كنت وعدت في آخر هاتيك الدروس بمواصلة طرق الموضوعات المتعلقة بالمرأة في دروسي العلمية، وفي بعض الكتيبات والرسائل المختصرة. ولقد أثبتت مثل هذه الرسائل جدواها الكبيرة: في صغر حجمها، وتيسير أسلوبها، والربط بين النصوص الشرعية وبين واقع المجتمع. فلا يُعالَج الواقع المنحرف علاجًا اجتهاديًّا بعيدًا عن هداية الشريعة؛ بل تكون النصوص القرآنية والحديثية هي النبراس الذي يهتدي على نوره المهتدون، ويسترشد به السارون؛ فيتم بذلك توجيه الناس إلى حقيقة دينهم بطريقة تلمس واقعهم، وتخاطب قلوبهم، وتضرب على الوتر الحساس في نفوسهم -كما يقولون-.
كما أن صغر حجم الرسالة يسهل انتشـارها، وقراءتها، والانتفاع بها، في وقت ثقل على الناس فيه أن يجلسوا ليقرؤوا وسط صخب الحياة المتواصل، وفي زحمة المشاغل والأعمال التي لا تكاد تترك للإنسان فرصة للجلوس والقراءة. ولقد تفطن لذلك خصوم الإسلام؛ فصاروا يطبعون روايات الجيب، والقصص البوليسية الصغيرة، التي يقرؤها الإنسان في قعدة واحدة.
وصار النصارى يطبعون كتب التنصير في رسالة بحجم راحة اليد، ولا تزيد أوراقها على العشرين أو الثلاثين، ثم يطبعون منها ملايين النُّسخ، ويترجمونها إلى كل لغات الدنيا، ووضعوا برنامجًا ألا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخلته تلك الرسالة، وربما نجحوا في تحقيق 50% -تقريبًا- مما يريدون، وقدموا للناس معلومات مغرية عن دينهم؛ تدعو قارئها إلى أن يبحث عن المزيد، ثم يربطونه ببعض المراجع والكتب، أو بعض الشخصيات، أو بعض المؤسسات والدور-التي تزوده بما يحتاجه للحصول على مزيد من المعلومات-.
لذا فرسائلنا هذه تخاطب فئة معينة من الناس، وهي لا تشغلهم عن دين ولا عن دنيا، ولعلها ترغبهم في خير، أو تردعهم عن سوء. صحيح أنها لا تغني عن قراءة كتب أهل العلم ومراجعتها، ولكنها لا تعوق عن ذلك؛ بل هي سبيل ومعبر إليه، وعلى سبيل المثال: ففي هذه الرسالة حشد طيب من الكتب والرسائل والمؤلفات التي ينصح بقراءتها، والانتفاع بها.
كما أن من الناس من ليس له إلى العلم بسبيل؛ بل هو مشغول بعمله، أو وظيفته، أو مؤسسته، أو تخصصه.. فهو بحاجة إلى لون من العلم يلائمه، ويناسب فهمه، ولا يأخذ من وقته الكثير.
قد يَعجب القارئ الكريم من هذا الاستطراد، وإنما هو بيان "لوجهة نظري" في مثل هذا اللون من النشاط العلمي الدعوي، الذي لا يقدِّم نفسه على أنه بديل عن كتب العلم الموسعة، ولا عن مؤلفات الفحول الكبار من السابقين واللاحقين؛ ولكنه يقدِّم نفسه على استحياء على أنه جهد متواضع، وما كان ليجد طريقه إلى النشر لولا إلحاح الكثيرين من المستمعين، الذين يرون أنهم أقدر منا على معرفة أهمية مثل هذا العمل، ومدى تأثيره، وقدر الحاجة إليه، وما من إنسان إلا ويسُرُّه أن يكون مفتاحًا لخير، أو مغلاقًا لشر.. جعلنا الله جميعًا كذلك.
وقبل الختام أشير إلى محاضرة ألقيت بعنوان: "طبيعة المرأة بين السلب والإيجاب"، وهي تسير في الاتجاه نفسه، وستكون -إن شاء الله- ضمن هذه السلسلة المباركة. ولا يفوتني أن أكرر شكري وتقديري لكل اللواتي ساهمن في تعزيز هذه الأحاديث، وتزويدها بالمادة العلمية، سواء ما يتعلق بشرح الواقع، أو باقتراح الحلول، أو بالنقد والملاحظة، وإنني أعتز بهذا كما أعتز بذاك. وأقول للجميع: لن نزال بخير مادامت القلوب متآلفة، والجهود متضافرة، والنقد الهادف البنَّاء يروح ويغدو بسيفنا.
ويجب أن يكون لدينا قناعة كبيرة في أن النقد الهادف، والحوار الناضج، البعيد عن الصخب والضجيج، والصراخ واللجاج هو البديل الشرعي عن تبادل التهم، والسباب، والظنون الكاذبة. والذين يتركون ما أحلّ الله إلى ما حرم هم الذين يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؛ بل هم شر من ذلك؛ لأنهم اشتروا الضلالة بالهدى، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين. أسأل الله أن يبارك بهذه الجهود، وينفع بها المجتمع المسلم ذكرانًا وإناثًا. كما أسأله أن يوفق العلماء والدعاة إلى بذل المزيد من الجهد الموجه إلى المرأة.. المرأة التي أصبحت هدفًا لسهام كثيرة.
والحمد لله أولاً وآخرًا، وصلوات الله وسلامه على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المفضلات