المماطلة:


وهناك سبب آخر لا يقل خطورة في إدخال بذور الفشل في كل عمل يقوم به الإنسان، وهو داء المماطلة والتسويف؛ ويعرف المختصون المماطلة بأنها: قيام بمهمة ذات أولوية منخفضة بدلاً من إنجاز المهمة ذات الأولوية الرئيسية، وهي أيضاً: الرغبة الكامنة في النفس لتأجيل القيام بالمهام والأعمال والمشاريع من خلال تقديم الأعذار، واختلاقها، وتبرير التأخير، ورفض الإقدام على أعمال معينة، أو رفض فرص وظيفية أو ترقيات مستحقة أو تغيير محيط العمل.. ويمكن علاج المماطلة بتفادي السلوكيات التي تولدها؛ ومن ضمنها نجد ترك العنان للتفكير مثل: استرجاع ذكريات جميلة أو التفكير في التقدير الذي سيلاقيه العمل بعد إنجازه، كما يمكن محاربة عوائق أخرى من قبيل تجنب تصرفات خاطئة: الغرق في مكالمات هاتفية لا حد لها، والثرثرة في ما لا ينفع، أو غيره.


تحديد الهدف نصف النجاح:


إن أعظم سبب للفشل يظل ملتصقاً بعدم تحديد هدف الإنسان في الحياة؛ وكثيراً ما يعيش بعض الناس أيامهم بدون هدف يضعونه لتحقيقه ولا غاية يتصورونها لأنفسهم، فيتيهون في صحراء الحياة بلا وصلة ترشدهم ولا مرفأ أمان يسعون لبلوغه، وعلى أنقاض هذا الوضع يتشكل الفشل شيئاً فشيئاً.. ولتحقيق أمنية النجاح، وجب أن يحدد المسلم هدفه في الحياة، أو أهدافاً كثيرة، ويمكنه تحديد هدف له ولأسرته في بيته، وهدف أو أهداف في مجال عمله وشغله، وهدف آخر في مسار تعليمه، أو في مجالات وميادين كثيرة أخرى، وعدم وضع المرء لتصور واضح لهدفه في الحياة يعيقه عن التحرك بطلاقة وعزم وثبات.


ويصف أخصائيو المهارات والتنمية الذاتية الذي لا هدف له في الحياة مثل "لاعب تم وضعه في الملعب دون شباك يسجل فيها". ويعتبرون أنه بمجرد أن يحدد الإنسان أهدافه يكون قد نبه نظام التنشيط الشبكي، حيث يصبح هذا الجزء من المخ مثل المغناطيس، يعمل على اجتذاب أي معلومة، أو ينتهز أي فرصة يمكن أن تساعد الشخص على تحقيق أهدافه بسرعة أكبر".


ولعل أعظم مثال يمكن أن نسوقه في هذا الباب لمن يحدد هدفه في الحياة، فتهون دونه العظام، وتسهل الصعاب، وتتذلل العقبات، هو موقف الرسول صلى الله عليه وسلم لكفار قريش راداً محاولة إغرائه وتحويل وجهته عن الهدف الذي جاء من أجله وهو نشر دعوته المباركة وتبليغ الوحي عن الله تعالى، ومحاربة الشرك والظلم، غير أنه صلى الله عليه وسلم ثبت ثباتاً عجيباً، فلم يتزحزح عن هدفه الواضح والساطع قيد أنملة.


مواصفات الفشل والنجاح:


ويبرز علماء النفس الفروق الشاسعة بين تفكير شخص يريد النجاح وآخر يريد الفشل:


فالذي يريد النجاح:


- يلتزم بتعهداته.


- يدرس المشاكل التي تواجهه جيداً.


- يحترم غيره من المتفوقين ويسعى للتعلم منهم.


- يعرف متى تكون المواجهة ومتى تقبل الحلول الوسط.


- يشعر بالمسؤولية حتى خارج نطاق دائرته.


- لا يتهيب كثيراً من الإخفاق أو الخسارة.


- قنوع ويسعى نحو الأفضل.


- يفضل احترام الناس لمواقفه على حبهم لشخصه وإن كان يسعى لتحقيق كليهما.


- يعترف بأخطائه إن أخطأ.


- يعبر عن اعتذاره بتصحيح الخطأ.


- دؤوب في عمله ويوفّر الوقت.


- يتحرك بخطى محسوبة.


- يتمتع بثقة في النفس تجعله دمثاً.


- يوضح الأمور ويفسرها.


- يبحث عن سبل أفضل للعمل.


أما الذي يريد الفشل فـ:


- يُطلق الوعود جزافاً.


- يلف ويدور حول المشكلة ولا يواجهها.


- يمقت الناجحين ويترصد مثالبهم.


- يرضى بالحلول الوسط في الأمور الأساسية ويواجه في الأمور الفرعية التي لا تستحق المواجهة.


- لا يهتم إلا بمحيط عمله الضيق فقط.


- يتوجّس في قرارة نفسه من النجاح.


- يتبجح بأن هناك من هم أسوأ منه حالاً بكثير.


- يسعى لاكتساب محبة الناس لشخصه أكثر من إعجابهم بمواقفه، ومستعد أن يتحمل بعض الازدراء ثمناً لذلك.


- يتنكر للخطأ قائلاً: هذه ليست غلطتي أنا.


- يعتذر ثم يعيد ارتكاب نفس الخطأ.


- كسول ومضيع للوقت.


- يتحرك بسرعتين فقط: سرعة جنونية وأخرى بطيئة جداً.


- يفتقر إلى الدماثة، فهو إما أن يكون خنوعاً، وإما مستبداً على التوالي.


- يغلف الأمور ويشوشها.


- يتحفز للكلام بلا هوادة.


- مقلد، ويتبع الروتين باستمرار.


- بليد ومثبط للعزائم.




إلى كل فاشل:


ويقدم خبراء علم النفس الاجتماعي أيضاً نصائح إلى كل فاشل يحبو جاهداً نحو سبيل النجاح في الحياة:


ـ كما لك حق التنفس وحق الارتواء وحق الملبس والمسكن، فإن لك الحق أن يكون لك دور في الحياة، وإصرارك على أداء هذا الدور هو الذي يجعلك قادراً على تحقيقه.


ـ والخطوة الأولى في قطع طريق طويل لا تختلف عن الخطوة الأخيرة، إلا في أن صاحبها يكون في البداية على شك من أمره، بينما يكون على يقين منه في النهاية.


ـ من نعم الله تعالى على البشرية، أن الممكنات أكثر من المستحيلات، وأن كل أمر مستحيل يحيط به ألف أمر ممكن.


ـ القصور المبنية على الرمال، سرعان ما تدمرها الرياح والمياه، كذلك النجاحات قصيرة الأمد.


ـ جرب ما لم يجربه غيرك، ولك امتياز ما تصل إليه من النتائج.


ـ المطلوب أن تكون مرناً حتى مع خططك كما هو مطلوب في تعاملك مع نفسك، فأداة التخطيط الخاصة بك يجب أن تكون خادمة لك، لا سيدة عليك.


ـ المحاسبة لا تعني المحاكمة، ولذلك فهي ليست من أجل إصدار أحكام إدانة أو براءة، وإنما هي من أجل تحسين العمل وتطويره، ولكن حاسب نفسك بتجرد، لتتجنب محاسبة الآخرين لك بانحياز.


وكثيراً ما سمعنا قصصاً من الغرب لبعض النابغين في مجالاتهم الذين حُكم عليهم بالفشل، وبعد ذلك نجحوا نجاحاً أبهر العقول:


"هنري فورد" أفلس خمس مرات قبل أن ينجح أخيراً وينشأ شركة فورد للسيارات، التي تملأ العالم بسياراتها الفخمة، وهذا "والت ديزني" تم فصله من عمله كمحرر في إحدى الجرائد، لافتقاره إلى الأفكار الجديدة، وقد أفلس عدة مرات قبل إنشائه لعالم الأطفال والرسوم "الكارتونية" الشهيرة في العالم بأسره.


أما معلم "توماس أديسون"، مخترع الكهرباء، فقد قال عنه معلمه في صباه أنه أغبى من أن يتعلم أي شيء، وتوماس أديسون نفسه قد اخترع (1500) اختراع فاشل، قبل أن ينجح ويخترع الكهرباء، والكاتب المعروف "لوي تولستوي" مؤلف كتاب "الحرب والسلام" طرد من الجامعة، ووصف بأنه غير قابل للتعلم.


هذه النماذج كلها وغيرها نجحت، بعد أن صدر حكم الآخرين عليها بالفشل، غير أنها استوفت شروط النجاح التي يمكن استخلاصها من تحويل أسباب الفشل إلى دوافع للنجاح والتفوق.


ويمكن للمسلم أن يستفيد من قصص هؤلاء وغيرهم بأن يدرك أنه يمكن أن تكون في الفشل -في حد ذاته- بذور نجاح معنوي وروحي، وذلك برد الأمر إلى الله تعالى، والتأمل الصادق مع النفس، والعمل بإخلاص وجد، وبعد ذلك ستنبعث شعلة من التوهج الداخلي تدفعه إلى الحياة بشكل أفضل، وينتصب له الأمل الذي يقوده نحو النجاح.