ثالثا:مقومات الإبداع:
تمتلك النفس البشرية طاقات كامنة من المواهب والقدرات التي تؤهلها لبلوغ درجة المبدعين والمبدعات، فالشاعرة المجيدة، والمعلمة الفعالة، والإدارية الناجحة، والأم الماهرة، والمربية الفاضلة، والداعية المؤثرة..؛ يستخدمون قدراتهم الإبداعية بطريقة معينة لتشمل عدة مناحي واتجاهات؛ فالطاقة الإبداعية لعقولنا مصدر غني بالطاقات الخام التي لا تنضب، فضلا عن المهارات الإبداعية التي يمكن أن نتعلمها ونتدرب عليها.
فالمرأة مأسورة –غالبًا- لنمطية معينة في التفكير، تكاد تتجمد عليها، فينضب التفكير وتشح الموارد، فتتراكم المشاكل اليومية والمسائل التربوية التي مجموعة الحل فيها خالية من الحلول، فالإبداع في التفكير ضرورة ملحة لمواجهة التيارات المتلاطمة والأمواج العالية من الفتن والأزمات ، وأصبح أسلوب الإجابة الواحدة الصحيحة ركامًا من الماضي التليد لأن مجموعة الحل مليئة بأنواع الحلول التي يمكن استغلالها بطرق التفكير الإبداعية.
ويمكن إجمال مقومات التفكير الإبداعي بعدة أمور كالتالي:1-
1- الصحة النفسية للمبدع :يرى علماء النفس التربويون أن المبدع شخصية تمتلك مجموعة من القدرات الظاهرة والسمات الباطنة المنعكسة على السلوك منها:
- التفاؤل: وهي النظرة الطيبة للأمور، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "ويعجبني الفأل: قالوا : وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الطيبة"، فالتفكير الإبداعي يحتاج إلى هذه الكلمة الطيبة ليندفع بحماس وحكمة نحو الهدف المراد تحقيقه، مع إيمانه اليقيني بالقضاء والقدر خيره وشره.
- المرونة في التفكير: وهي القدرة على التكيف السريع مع المواقف والمشاكل الطارئة، وذلك بأن يمتلك المبدع سيلاً كبيرًا من الأفكار المتنوعة، ويساعده في ذلك طلاقته في التعبير عن هذه الأفكار وتصويرها واقعيًا، فيستطيع تصنيع الحلو من الليمون الحامض، وهذا ما حدث –فعلاً- مع النساء الأوليات المؤمنات المهاجرات اللاتي استجبن لأمر الله ورسوله ، واستطعن التخلص من ركام الجاهلية والانطلاق في فضاء الدين الجديد، فهذه امرأة سعد بن عبادة بعد أن استشهد زوجها بـ"أحد" استولى عم بناتها على ميراثهن ، فأتت رسول الله تسأله عن ذلك، فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فنزل قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم.. )..الآية[ النساء:11]؛ فيقسم النبي -صلى الله عليه وسلم- ميراث البنتين ، وحق الزوجة ، والباقي للعم. [الحديث في الصحيحين]. فسؤال تلك المرأة الجليلة كان سببًا لفصل الحكم في قضية ميراث النساء إلى قيام الساعة .
- الإحساس بالمشكلات والإدراك الدقيق للثغرات وقراءة ما بين السطور: ويتمثل في الإحساس المرهف للتعرف على المشكلات العادية التي تصبح مع مرور الأيام رانًا ثقيلاً يصعب إزالته وعلاجه، فتدرك تمامًا نواحي القصور في الأفكار الشائعة، وتنظر بعين ثالثة للأمور، ومثال على ذلك: تلك الصحابية الجليلة التي عرضت على رسول الله صنع منبر له يقوم عليه عند خطبته للناس، وذلك عندما ازدحم الصحابة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم-، وضعف صوته أمام الحشود المتوثبة لسماع ورؤية نبضات رسول الهدى نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم-. [أخرجه البخاري].
- التجديد: ويرى المبدع أنه نسيج وحده من الخبرات والقدرات فلا يقبل بتكرار الحلول ولا أن يسد مسد الخبر، فلا يرضى بتكرار نفسه ولا تكرار أفكار غيره،مثل ما ذكر عن أديسون أنه كرر تجربة المصباح الكهربائي1800 مرة لم يكرر إحداها مرتين، يقول: الذكاء والعبقرية1% منه إلهام ووحي،99% عرق وجهد وكفاح .
2-حب التنظيم : وهذه إحدى المقومات المهمة للوصول إلى الإبداع في تنظيم التفكير والوقت والأولويات والأهداف ، فلا يطغى شيء على شيء من الأهداف، فمنهجية التفكير لديه واضحة ودقيقة، فنجد أعماله لوحة رسام رائعة في ترتيب الألوان وتناغم الشخوص.
3-البيئة الواعية: وتتمثل البيئة الواعية في عدة أمور:
-التغلب على العادات: فالعادات هي في الأصل استجابات نمطية متكررة وغير إبداعية لعمل شيء بالطريقة نفسها والظروف نفسها؛ كالأكل والشرب والنوم والاستيقاظ، لكن هناك الكثير من العادات التي تحتاج إلى تغيير في نمطيتها وتطويرها بشكل إبداعي، مثال على ذلك:ما رأته السيدة الزهراء فاطمة بنت النبي- صلى الله عليه وسلم- من انكشاف جسد المرأة المتوفاة وهي محمولة على السرير، فأخبرت أسماء بنت عميس ، فأخبرتها أنها رأت في الحبشة النساء يغطين بالعباءات على سرير الموت، وفي ذلك ستر لهن، وتغيير للنمطية المعتادة فأوصت بذلك رضي الله عنها، ثم غلب ذلك الفعل بالمرأة المحمولة على سرير الموت.
4-تشجيع روح المغامرة والجرأة: وتتمثل حقًّا البيئة الواعية الرفيعة في الجيل القرآني الفريد الذي تخرج من مدرسة النبوة ونهل من معينها الرقراق، فمن أمثلة ذلك: موقف أم عمارة في غزوة أحد، وأم سليم في غزوة حنين، وأم حرام في ركوب البحر.
فالمبدع لا يتملكه الخوف من النقد لينكفئ على نفسه ويطوي أفكاره، لذا قال الله تعالى في وصف المؤمنين: (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)[ المائدة: 54]. فمادام أن العمل على صواب، فلا يخاف المبدع لومة لائم، ولا داعي لإضاعة الوقت في التفكير في هذا النقد أو الرد عليه ، بل يدير ظهره لَهُ ويتوكل على الله، ومن ذلك بيعة أم عمارة في العقبة الأولى مع النقباء من الأنصار.
5-تسخير الإمكانات المتاحة : فالمبدع يستفيد من تجارب الآخرين ومجهوداتهم الخيرة سواء بالقراءة أو المشاورة أو المحاكاة، ويبني عليها أفكاره ولو كانت مجرد فكرة صغيرة، ولا تكون الظروف التي حوله عائقًا له من الانطلاق نحو الهدف،يقول العالم النفساني (الفرد أدلر):إن من أسمى خصائص الإنسان قدرته على تصيير القوى السلبية قوى إيجابية، ومن أمثلة ذلك :
-المجاهدات الصابرات في أرض الرباط والعراق والشيشان وغير ذلك.
- ذوات الحاجات الخاصة اللاتي يمتلك بعضهن قدرات إبداعية رائعة في التعامل مع التقنيات وغير ذلك.
المفضلات