تحت المشيئة
ومن أشهر ما دندن حوله المعترضون من هذه الأخطاء - على سبيل المثال - ما يقع فيه بعض المدربين أثناء وصف النتائج الباهرة التي تحققها البرمجة في مجال سيطرة الإنسان على تصرفاته، مما قد يفهم منه تعظيم قدرة الإنسان في التحكم بمسار حياته بما يلتبس بمفهوم القدرية في هذا الشأن،
وما يعلمه كل مسلم يقينا أن حرية اختياره لتصرفاته إنما هي تحت مشيئة الله (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) وهذا ما نقوم - بفضل الله - بالتركيز الشديد عليه في دوراتنا، ونشهد بأن جميع من ينبه لذلك من المدربين المسلمين يعود فورا، بل يؤكد بداهة أنه لا يقصد بحال من الأحوال خروج العبد عن المشيئة الإلهية ، ومع علمنا بأن كثيرا من المدربين النصارى يقعون في مثل هذا الخلط، إلا أن بعضهم - ممن لا زالت فيه بقية فطرة - يؤكد في كلامه بأن المشيئة الإلهية هي التي تحكم الكون.
وفي المقابل فإن أحد إخواننا المخالفين لنا (وهو د.خالد الغيث) أوصله تضخيم أمثال هذه الأخطاء لنتيجة عجيبة مفادها أن "عبادة العقل الباطن هي إحدى ركائز البرمجة"!
وأقول : سبحان الله ، ما سر تضخيم هذه المسألة مع البرمجة العصبية ، رغم أن الأطباء كثيرا ما يبالغون في وصف فاعلية الدواء ولا يعترض عليهم أحد ، ومثلهم أكثر مسوقي الخدمات والمنتجات .
فإن قال قائل : إن المدربين يقعون في ذلك وهم في مقام تعليم بعكس هؤلاء ، قلت : إن غالبية من يحضر دورات البرمجة العصبية هم من المتعلمين المثقفين الواعين الذين لا يشعر المدرب معهم بأنه بحاجة ملحة للتنبيه على هذه المسألة بين الحين و الآخر .. على عكس من يتعامل معهم أولئك .. وبرغم هذا لا نجد من أقام الدنيا و أقعدها هناك كما فعل هنا .
حكاية المشي على الجمر
ومن الممارسات التي أثارت جدلا والتي اعترض عليها عموم مدربي البرمجة عالميا وإقليميا، اختبار المشي على الجمر، وهذا الاختبار يأتي في سياق تدريب وتقوية الثقة بالنفس وتحفيزها لتجاوز مخاوفها الداخلية لدرجة جعلها قادرة على اقتحام أصعب الأمور مثل المشي على الجمر، ومع تكرار رفضنا لهذه المبالغات لما فيها من المحاذير، نشير إلى أن الجمر المستخدم في هذه الدورات من نوع خاص خفيف الإحراق، وغالبا ما يغطى ببعض المواد التي تجعل هذه المهمة ممكنة،
كما نشير أيضا إلى أن تدريب الثقة بالنفس باجتياز حواجز النار أو مساحات الجمر ليس أمرا طارئا، فهو أسلوب متبع في جميع الكليات العسكرية في العالم، ولكن قبوله فيها لا يعني قبوله في الدورات التدريبية.
هذان مثالان للأخطاء التي يمكن تصحيحها بفضل الله، والتي لا تنقض أصل البرمجة، وهناك أخطاء أخرى وجدت، وستوجد، وسنعمل على معالجتها دوما بالتصحيح إن شاء الله كما هو شأن المسلمين في كل العلوم.
أخطاء عامة
ومما ينبغي التنبيه إليه أن إخواننا ذكروا وجود بعض المخالفات الشرعية التي تتعلق بالتدريب عموما (لا تمس البرمجة من حيث هي برمجة) مثل ما يحصل من مظاهر الاختلاط، أو الخلفيات الموسيقية أثناء التدريبات أو الاستراحات وغير ذلك مما هو مرفوض في كل الظروف، وليس في الدورات فقط،
وبهذا الخصوص أود التأكيد على أن هذا كله غير موجود في دوراتنا بحمد الله بل لقد كان للمتدربين السعوديين مواقف متكررة ومشهورة في الدورات المقامة خارج المملكة، استطعنا فيها - بفضل الله - إيقاف ما كان من هذه المنكرات بالتفاهم مع القائمين على الدورات، وفي معظم الأحيان لم نكن نواجه معارضة أو استياء من تصرفاتنا.
لا مشاحة في الاصطلاح
ومن ناحية أخرى فإن هناك خلافا علميا حول اعتبار البرمجة من أدوات العلاج الطبية، ونشير هنا إلى أن بعض الأطباء النفسانيين الذين عارضوا البرمجة،
إنما عارضوها من هذا الباب (وليس لأنها: وثنيات ودجل وسحر وشعوذة فليتنبه) وفي المقابل فإن كثيرا من الأطباء النفسانيين التحقوا بدوراتها حتى حصلوا فيها على درجة مدرب، ومنهم د.محمد الصغير، ود.أحمد حافظ، ود.ميسرة طاهر، وغيرهم. وأيضا هناك من الأطباء من شهد بفوائدها ولم يلتحق بها كالدكتور طارق الحبيب، وأما الأخصائيون النفسانيون الذين التحقوا بالبرمجة فهم جمع غفير.
وفي هذا السياق نذكر بأن هناك خلافا قديما من عشرات السنين بين الطبيب النفسي والأخصائي النفسي يشبه الخلاف بين الطب النفسي والبرمجة، وذلك فيما يتعلق بالتداخل بين (العلاج النفسي) الذي يستخدم العقاقير و(الإرشاد النفسي) الذي لا يستخدم العقاقير..
وما أراه شخصيا أن معظم ما يسمى (علاجا) في البرمجة قد يكون من نوع الإرشاد النفسي الذي لا يستخدم العقاقير، وإن كانت له آثار علاجية باهرة، والمسألة خلافية، ولا مشاحة في الاصطلاح، فالمهم هو النتائج.
مغالطة عجيبة
وهنا تعليق بسيط حول معلومة عجيبة مغلوطة وردت في بعض كتابات إخواننا المحذرين من البرمجة، فهم يصفون البرمجة بأنها تبيع الوهم للمرضى بأنهم سيصبحون أصحاء، وتبيع الوهم للأصحاء بأنهم سيصبحون متميزين،
وأنها إنما نشأت من دراسة حالات المرضى، ثم عممتها على الأصحاء،
وهذه معلومة مفتعلة بشكل يثير الدهشة، ويجعلنا نستغرب من هذا الإصرار على ابتكار أية تهمة للبرمجة وبأية وسيلة، وأجيب عن هذا بأن البرمجة اللغوية العصبية - كما هو مشهور ومعلوم بشكل واضح حتى لدى المحذرين منها..! -
إنما قامت بشكل أساسي على دراسة حالات الناجحين المتميزين، ومحاولة (نمذجة) حالات نجاحهم وتميزهم لتسهل عملية نقلها للآخرين ممن يشاركونهم نفس الميول الفطرية، بل إن درجة الممارس المتقدم لا تعطى إلا بعد أن يقدم المتدرب مشروعا يتمثل بـ(نمذجة) مهارة لدى أحد المتميزين في المجتمع، فأين هذا - يا جميع المنصفين - من زعم أن البرمجة (تطبيقات للمرضى تم تعميمها على الأصحاء)؟!
ومتى وأين وكيف تحدث أهل البرمجة عن نمذجة المرضى لتعميم حالاتهم على الناس؟!
ولكن، هل يعني هذا أن البرمجة لم تستفد من دراسة حالات المرضى؟ كلا..
فقد استفادت منها بالتأكيد، شأنها في ذلك شأن جميع العلوم التي تتعرف على الشيء بضده، فمثلا.. كانت مراقبة حالات المصابين بالجلطة من أكثر الأمور التي ساعدت الأطباء في التعرف على وظائف المخ، فعندما يتكرر تعطل وظيفة عضو من الأعضاء بسبب وجود جلطة في نفس المكان لدى عدة أشخاص، نعرف حينها أن هذا الجزء من الدماغ مسؤول عن وظيفة ذلك العضو، وكذلك بمراقبة حالات القلق والخوف والانهيار العصبي نتعرف على كثير من جوانب الحالة النفسية الصحية للإنسان، بل نتعرف منها على بعض جوانب التميز لديه أيضا.. وفي اعتقادي أن إيقاف العدسة عند هذه التطبيقات (البديهية في العُرف العلمي) وتوظيفها في سياق أن البرمجة (تطبيقات للمرضى تم تعميمها على الأصحاء)..
هذا استغلال غير حسن، وهو أشبه ما يكون بمن يصف تجربة (بافلوف) الشهيرة بأنها (تطبيقات للكلاب تم تعميمها على البشر) أو من يتذكر فجأة أن كثيرا من الدراسات الطبية عبارة عن (تطبيقات للفئران تم تعميمها على بني آدم)..
هل هذا منطق مقبول؟! ألا يجعلنا هذا نتوقف عند المنهجية التي يبني إخواننا عليها أحكامهم علينا؟
دعوى السحر
وقبل أن أختم مقالي أشير إلى بعض الإشكالات التفصيلية التي ذكرها الإخوة المعارضون للبرمجة، والتي إنما وردت عليهم بسبب بعدهم عن واقع البرمجة، وهكذا دائما حال من يحكم على الأشياء بالإمساك بها من أحد أطرافها.
يشير الإخوة إلى تركيز (جرندر) و(باندلر) في كتابهما الأول (بنية السحر) على أن البرمجة استمدت كثيرا من تطبيقاتها من أعمال السحرة، وينقلون من الكتاب المذكور عددا من المقاطع التي تصرح بهذا من وجهة نظرهم،
وأقول:
إن الرد على هذا المأخذ لطيف جدا، وذلك - باختصار -
أن من اتضحت له أساليب البرمجة يفهم بوضوح عبارات السحر المذكورة في كتاب (بنية السحر) على أنها من باب قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري وغيره: (إن من البيان لسحرا) وليست من باب قوله صلى الله عليه وسلم: (حد الساحر ضربة بالسيف)!
والمؤلفان وإن ذكرا في بعض المواضع أن تأثير البرمجة يشبه تأثير السحر الحقيقي (المحـرّم) فذلك لأنه لا غضاضة لديهما في اعتبار السحر من الأمور الفاضلة، ولكن هذا لا يعني أن في تطبيقات البرمجة طقوسا سحرية من العقد والنفث والطلاسم،
ولقد مرّت علينا السنون مع البرمجة ولم نصادف فيها شيئا من هذا، وخلاصة المسألة ترجع إلى القاعدة الشرعية التي تقول: العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني. فحتى وإن كان اللفظ والمبنى (Magic أي: سحر) فإن المقصد والمعنى ليس (العقد والنفث) بل المعنى المجازي للسحر اللغوي، والسياق يؤكد هذا بوضوح شديد. ومن لطيف ما يذكر حول حديث: (إن من البيان لسحرا) أن البخاري رحمه الله قد أورده في كتاب الطب! ومعلوم شأن فقه البخاري رحمه الله في تصنيف أبواب كتابه.
تقارير مضخمة
وأما الإشكال الأخير فهو استشهاد الإخوة المعارضين ببعض التقارير الأمريكية التي صدرت عن جهات علمية بالغ إخواننا في وصفها بالموثوقة حتى عدوها مستشارة الأمة الأمريكية ، وهذه التقارير تقلل من شأن البرمجة من الناحية العلمية.
وهنا أقول باختصار أيضا: وفي مقابل هذه التقارير أيضا تقارير وتجارب ومعاهد تبنت البرمجة وتطبيقاتها،
والقاعدة الفقهية تقول: الاجتهاد لا ينقض بمثله، وهذا الاختلاف طبيعي حول علم لازال في نشأته، ولا ينبغي تحميله أكثر مما يحتمل، ومن ناحية أخرى، فإن المدربين العرب المسلمين - بعد أكثر من خمس سنوات من التعامل البرمجة - أصبح لهم فيها رأي علمي معتبر من واقع تجاربهم ونتائجهم، ولهم أيضا اجتهادهم واعترافهم الذي لا ينقض بمثله من اجتهاد بعض الغربيين أو عدم اعترافهم.
وبالمناسبة.. فإن هنالك زعما غريبا مفاده أن المدرب العربي المسلم ممنوع من تقديم تقنيات البرمجة في ثوب إسلامي صحيح، لأنها مرتبطة بسلسلة شهادات معتمدة من الاتحاد العالمي..
وهذا فرض لا يصح إلا من الناحية الإنشائية فحسب، إذ لا قيمة له البتة على أرض الواقع، بل إنه يرسم بسمة التعجب والدهشة على شفة كل من التحق بدورة من دورات البرمجة التي يقيمها أهل الخير في السعودية والخليج (وهم عامة مدربي البرمجة بفضل الله) لأنه يجدنا نسهب جدا (جدا) في الاستشهادات والمفاهيم الإسلامية الشرعية التي لم تخطر على بال مؤسسي الاتحاد العالمي للبرمجة،
بل إن قصة المدرب الشيخ د.عوض القرني مع رئيس الاتحاد العالمي (وايت ود سمول) أصبحت مشهورة، حيث ناقشه في عدة جلسات لمدة ستة أيام،
ثم قال الشيخ عوض: لقد اختل توازن كلامه من كثرة النقاش والحوار الذي دار بيني وبينه، وأخيرا تحدثت معه عن الإسلام وكان ذلك في آخر جلسة، فدمعت عيناه وقال إن كان هذا الإسلام فأنا مسلم!
وقد قال (وايت) هذه الكلمة بحضور ستين ممارسا، وكان هناك أيضا أربعة من أساتذة الجامعات في المملكة، ومع معرفتنا بأن الدكتور وايت لم يسلم وإنما قال هذه الكلمة لبيان الإعجاب فقط، ولكن كلمته هذه تدل على تأثره الإيجابي الكبير بالمفاهيم التي يقدم المدربون المسلمون البرمجة من خلالها، خصوصا أنه طلب نسخا مقروءة ومسموعة من القرآن الكريم،
وطلب أيضا عباءة لزوجته،
وهنا أتساءل بكثير من التعجب: كيف يزعم إخواننا هذا الزعم، ورئيس الاتحاد العالمي (بذاته) رضي أن تقدم أصول البرمجة أمام عينيه بلباسها الإسلامي ولم ينكر ذلك، بل أصبح - كما أعلن - أكثر رغبة وتفاعلا مع مشروع تدريب البرمجة في البلاد العربية والسعودية خصوصا؟!
وكيف يزعمون ذلك ونحن على أرض الواقع نقدم دوراتنا داخل المملكة وخارجها بما هو من مفاهيم الإسلام القائمة قبل البرمجة، أو بما لا يتعارض مع الإسلام من تقنيات البرمجة الحديثة.
(أنا لم أقل: نستطيع أن نقدم.. بل أقول: لقد قدّمنا الدورات ومنحنا الشهادات المعتمدة من الاتحاد العالمي، ولا مجال لتخمين هل نستطيع ذلك أم لا..!).
المفضلات