إن إجابة السؤال "ما مقومات الخبير؟" معقدة وتضرب بجذورها في العناصر التالي شكلت عالمنا الحديث, وما زالت تشكله حتى الآن.
في العصور الأولى للبشرية, كان "ألفا" هو الحاكم لمن حوله, ولم يكن يهم أبدا أنه لا يعرف أي شيء أكثر مما يعرفه أفراد القبيلة؛ فقدراته الجسدية كانت تحمي موقفة المسيطر على الآخرين, وقد يفوض بعض سلطاته لمن يثق فيهم إذا خدم هذا مصالحه, وإذا حاز شخص ما على دعمه, فقد يعني هذا التنازل بالكامل له عن بعض مسئولياته وسلطاته.
وقد كان القيام بهذا الأمر خطوة ذكية؛ فمع تطور الحضارات, صار من الصعب أكثر وأكثر أن يصبح شخص واحد فقط هو القادر على تقديم إجابات لكل من في القبيلة, وإذا كان هناك شخص يعرف متى قد تفسد المحاصيل أو متى قد يقل تكاثر الحيوانات يصبح هذا الشخص مفيدا للقبيلة, والقائد الذكي كان يمكنه بسهولة أن يدرك أن دعمه لهذا الشخص الذي يسمى كاهن القبيلة سينتقل إليه مسئولية مواجهة الظواهر الطبيعية, وإذا سار شيء ما على نحو خاطئ, يصبح هذا الكاهن هو كبش الفداء الذي يواجه غضب أفراد القبيلة. إن الفرد "ألفا" الذي علم قوة التأييد كان خبيرا في الأساس في شيء واحد: إدارة الناس, وسماحة بظهور طبقة الكهنة خلق نوعا من تقاسم القوى وأخرج إلى الحياة فكرة تخصص المعرفة.
إن الأشخاص الذين كانوا يعلمون سبب فساد المحاصيل فهموا بالطبع مسألة "إدارة السماء", هذا لأنهم أدركوا وفسروا التغيرات التي تحدث في العالم من حولهم, وهكذا أصبحوا خبراء في كل الأمور الطبيعية والمقدسة, وهم قد حصلوا على دعم الفرد "ألفا" لأنهم كانوا قادرين على فهم احتياجات المجتمع ومن ثم تلبيتها من خلال معرفتهم بالأحكام السماوية. لقد جعلهم الحصول على دعم الفرد "ألفا" خبراء فجأة, وبذلك تشبثوا واستمروا في السعي إليه بمحاولاتهم الدائمة لمعرفة ما عليهم قوله لإسعاده ودفعه إلى مكا فأتهم.
وبتأصل هذا الدعم أصبح الشخص القادر على تفسير الأحكام السماوية نوعا جديدا قائما بذاته من الألفا, حتى إن الكاهن كان يمكنه في بعض الأحيان أن يقول أشياء قد لا يوافق عليها الفرد "ألفا" قائد القبيلة. كيف؟ يتذكر الفرد "ألفا" بأنه- أي الكاهن- لم يكن يفكر بنفسه, بل كلن رسولا للسماء.
وبمجرد حصول الكاهن على تبعية أولئك الذين يؤمنون بأنه المفسر لمشيئة الآلهة يقل احتياجه لدعم الفرد "ألفا" شيئًا. فقد أصبح "الخبير" الجديد في وضع يمكنه من خلق هيكل نفوذه الخاص به. ومع نمو المجموعات الفرعية في هذا الهيكل قامت كل مجموعة منها بتأسيس نظام وتسلسل هرمي لمشاركة النفوذ مع المرؤوسين, وتشارك الرؤساء المعرفة مع مساعديهم بشكل انتقائي ليتمكن المساعدون من القيام بمهام الدعم المطلوبة منهم فقط بفاعلية- مثل أداء رقصة شعائرية- لا أكثر ولا أقل. وتجد أولئك الأقرب إلى قمة التسلسل يتطلعون لاكتساب أكثر المعارف غموضا, والتي قد ينبثق عنها اكتساب لغة وسلوكيات أكثر غموضًا. وفهم شفرة هذه اللغة وتلك القواعد السلوكية كان أمرا حتميا ليصبح الفرد واحدا من هؤلاء الخبراء.
في هذا النموذج لتطور الخبرة, أصبحت عقولنا البدائية البجلة للفرد "ألفا" تبحث عن شخص يملك المعرفة والنفوذ الكافيين ليجب عن أسئلة الحياة الضخمة, وهذا يظهر في صورة عدة في حياتنا اليومية.