ب*- التواصل المعرفي:
التواصل المعرفي هو الذي يهدف إلى نقل واستقبال المعلومات، وهو تواصل يركز على الجوانب المعرفية ومراقيها، أو بتعبير آخر إنه يركز على الإنتاجية والمردودية. ويهدف هذا التواصل إلى نقل الخبرات والتجارب إلى المتلقي وتعليمه طرائق التركيب والتطبيق والفهم والتحليل والتقويم بصفة عامة. إنه يهدف إلى تزويد المتلقي بالمعرفة والمعلومات الهادفة. ومن ثم، يقوم هذا التواصل على تبادل الآراء ونقل المعارف وتجارب السلف إلى الخلف.
ويساهم السلوك اللفظي وغير اللفظي في التواصل المعرفي إذا تم احترام شروط السيكولوجيا التي تحيط بالمتلقي أو يعيشها. فالرفع من الإنتاجية المعرفية لايتم إلا عبر سلوكات لفظية ديموقراطية تعتمد على روح المشاركة واللاتوجيهة والتسيير الذاتي والتفاعل الديناميكي البناء، وعبر سلوكات لفظية وغير لفظية مثل حركات التنظيم والحركات الديداكتيكية وحركات التقويم والتمجيد. وهكذا لايمكن عزل التواصل المعرفي عن التواصل الوجداني إلا من باب المنهجية ليس إلا. وثمة صنافات بيداغوجية في مجال التواصل المعرفي كصنافة بلوم Bloom التي تتمثل في المراقي التالية:
1- المعرفة
2- الفهم
3- التطبيق
4- التحليل
5- التركيب
6- التقييم.
ث-الجانب الحركي:
يمكن الحديث عن التواصل الحركي والحسي الذي يتناول ماهو غير معرفي ووجداني. ويتمظهر هذا التواصل في إطار السبرينطيقا والآلية والمسرح الميمي والرياضة الحركية… ويتضمن هذا التواصل في المجال التربوي" مجموعة متسلسلة من الأهداف تعمل على تنمية المهارات الحركية، واستعمال العضلات والحركات الجسمية."7. ومن أهم صنافات هذا التواصل الحركي نجد صنافة هارو Harrow التي وضعها صاحبها سنة 1972. وتتكون هذه الصنافة من ست مراق أساسية، وهي:
1- الحركات الارتكاسية
2- الحركات الطبيعية الأساسية
3- الاستعدادات الإدراكية
4- الصفات البدنية
5- المهارات الحركية لليد
6- التواصل غير اللفظي.
7- التواصل من المنظور الفلسفي:
يذهب مجموعة من اللسانيين إلى أن اللغة وظيفتها التواصل كفرديناند دو سوسير الذي يرى في كتابه " محاضرات في اللسانيات العامة" (1916) أن اللغة نسق من العلامات والإشارات هدفها التواصل خاصة أثناء اتحاد الدال مع المدلول بنيويا أو تقاطع الصورة السمعية مع المفهوم الذهني. وهو نفس المفهوم الذي كان يرمي إليه تقريبا ابن جني في كتابه " الخصائص" عندما عرف اللغة بأنها " أصوات يعبر بها قوم عن أغراضهم". ويعرف أندري مارتيني André Martinet اللغة بأنها عبارة عن تمفصل مزدوج وظيفتها التواصل. ويعني هذا أن اللغة يمكن تقسيمها إلى تمفصل أول وهو المونيمات( الكلمات)، وبدورها تنقسم إلى فونيمات( أصوات)، ومورفيمات( مقاطع صرفية)، وهي تشكل التمفصل الثاني. لكن الأصوات لايمكن تقسيمها إلى وحدات أخرى لأن الصوت مقطع لا يتجزأ. وإذا جمعنا الفونيمات بعضها البعض كونا مونيمات، وإذا جمعنا الكلمات كونا جملا، والجمل تكون الفقرات والمتواليات، والفقرات تكون النص، ويكون النص- تأليفا واستبدالا- ما يسمى باللغة التي من أهدافها الأساسية التواصل.
ويذهب رومان جاكبسون إلى أن اللغة ذات بعد وظيفي، وأن لها ستة عناصر وست وظائف: المرسل وظيفته انفعالية، المرسل إليه وظيفته تأثيرية، والرسالة وظيفتها جمالية، والمرجع وظيفته مرجعية، والقناة وظيفتها حفاظية، واللغة وظيفتها وصفية.
إذا كان الوظيفيون يرون أن اللغة واضحة تؤدي وظيفة التواصل الشفاف بين المتكلم والمستمع فإن أزوالد دوكرو Ducrot يرى أن اللغة ليست دائما لغة تواصل واضح وشفاف، بل هي لغة إضمار وغموض وإخفاء. ويعني هذا أن الفرد قد يوظف اللغة كلعبة اجتماعية للتمويه والتخفية وإضمار النوايا والمقاصد. ويكون الإضمار اللغوي لأسباب دينية واجتماعية ونفسية وسياسية وأخلاقية. فمهرب المخدرات قد لا يستعمل اسم مهرباته بطريقة مباشرة بل يستعمل الرموز للإخفاء كأن يقول لصديقه: هل وصلت الحناء ؟ كما أن أسلوب الأمر في الشريعة الإسلامية يستعمل للوجوب والدعاء والندب، وهذا يعني أن اللغة فيها أوجه دلالية عدة مما يزيد من غموضها وعدم شفافيتها التواصلية.
ويذهب رولان بارت Roland Barthesبعيدا عندما اعتبر أن اللغة هي بعيدة عن التواصل، وجعلها لغة سلطة مصدرها السلطة. ويعني هذا أن الإنسان عبد للغة وحر في نفس الوقت. فالمتكلم عندما يتحدث لغة أجنبية فهو خاضع لقواعها وتراكبيها ولمنظومتها الثقافية، ولكنه في نفس الوقت يوظف هذه اللغة كيفما يشاء ويطوعها جماليا وفنيا, فاللغة الفرنسية استبدت كثيرا بالشعب الجزائري لمدة طويلة مما أخضعته لقواعدها وسننها اللساني؛ وعلى الرغم من ذلك نجد الأدباء الجزائريين بقدر ما هم خاضعون لهذه اللغة الأجنبية يتخذونها سلاحا لهم بكل حرية للتنديد بالاستعمار الفرنسي ونقده والهجوم عليه وتطويع تلك اللغة وتعربيها. كما أن السلطة الحاكمة قد تفرض اللغة التي تناسبها لفرض سيطرتها السياسية والإيديولوجية إذ بالقوة قد نفرض اللغة، كما أن اللغة هي التي تمنح السلطة السياسية للفئة الحاكمة.
وهكذا، نستنتج أن اللغة قد تكون أداة للتواصل الشفاف كما يمكنها أن تكون لغة للإضمار والتمويه والإخفاء كما يمكن أن تكون أداة للسلطة وسلطة في نفس الوقت.
وقد طرح مفهوم الأنا والغير في الخطاب الفلسفي كثيرا من الإشكاليات التي تنصب كلها في كيفية التعامل مع الغير وكيف يمكن للأنا النظر إلى الغير؟!
يذهب الفيلسوف الألماني هيجل على أن العلاقة بين الأنا والغير هي علاقة سلبية قائمة على الصراع الجدلي كما توضح ذلك نظريته جدلية السيد والعبد. أما جان بول سارتر فيرى أن الغير ممر ووسيط ضروري للأنا إلا أن الغير جحيم لا يطاق لأنه يشيىء الذات أو الأنا. لهذا يدعو سارتر إلى التعامل مع الغير بحذر وترقب وعدوان، وأنه يستحيل التعايش بين الأنا والغير أو التواصل بينهما مادام الغير يستلب حرية الأنا ويجمد إرادته. لذلك قال: " أنا والآخرون إلى الجحيم".
بيد أن ميرلوبونتي رفض نظرية سارتر التجزيئية العقلانية، واعتبر أن العلاقة بين الأنا والغير إيجابية قائمة على الاحترام والتكامل والتعاون والتواصل. وأساس هذا التواصل هواللغة. أما شيلر فيرى أن العلاقة بين الأنا والغير قائمة على التعاطف الوجداني والمشاركة العاطفية الكلية مع الغير ولا تقوم على التنافر أو البغض والكراهية. ويرى جيل دولوز أن العلاقة التواصلية بين الأنا والغير في المجال المعرفي البنيوي قائمة على التكامل الإدراكي.
8- التواصل من المنظور السيميائي:
تندرج تحت إطار سيميولوجيا التواصل أبحاث كل من برييطوPrieto وجورج مونان Mounin وبويسنس Buyssens ومارتينيه Martinet وغيرهم. وهؤلاء جميعا يتفقون على أن العلامة السوسيرية تتشكل من وحدة ثلاثية وهي: الدال والمدلول والقصد. وهم يركزون كثيرا في أعمالهم على الوظيفة التواصلية. ولاتختص هذه الوظيفة التواصلية بالرسالة اللسانية المنطوقة فحسب، بل توجد في أنظمة غير لسانية أخرى كالإعلانات والشعارات والخرائط واللافتات والمجلات والنصوص المكتوبة وكل البيانات التي أنتجت لهدف التواصل. وتشكل كل الأنماط المذكورة علامات، ومضامينها رسائل أو مرسلات MESSAGES.
وهكذا يقصي أنصار سيميولوجيا التواصل ذلك النوع من سيميولوجيا الدلالة التي تدرس البنيات التي تؤدي وظائف غير وظيفية التواصل المعتمد على القصدية كما لدى رولان بارت مثلا.
ونستشف من خلال أبحاث ورؤى مؤسسي هذا الاتجاه أنهم يميلون كل الميل تلافيا لتفكك موضوع السيميائيات إلى الفكرة السوسيرية بشأن الطبيعة الاجتماعية للعلامات. وحصروا السيميائيات بشكل واضح ودقيق في دراسة أنساق العلامات ذات الوظيفة التواصلية.
وبناء على ذلك فإن أفضل تناول حسب برييطو هو القول: " إن ما يميز الوظيفة التواصلية عن الوظيفة الدلالية حصرا هو القصدية التي تتجلى في الأولى لا الثانية" 8.
إن السيميولوجيا حسب بويسنس عليها" أن تهتم بالوقائع القابلة للإدراك، المرتبطة بحالات الوعي، والمصنوعة قصدا من أجل التعريف بحالات الوعي هذه، ومن أجل أن يتعرف الشاهد على وجهة التواصل في رأي بويسنس هو ما يكون موضوع السيميولوجيا"9.
وقد ساهم أنصار هذا الاتجاه في بلورة المشروع السوسيري القاضي بأن اللغة هي نظام للتواصل كما فعل كل من تروبوسكوي ومارتينيه وبرييطو، حيث اهتموا اهتماما بالغا بدراسة أنظمة الاتصال غير اللغوية وطرائق توظيفها كالإعلان وأرقام الحافلات… وغيرها من الأنظمة، بل تطور هذا الاتجاه أساسا بتطور علم الدلالة.
التواصل .zip
اتمنى أن يكون الموضوع والملفات المرفقة أضافة لكم معلومات مفيدة
المفضلات