ثانياً: فريق إدارة الأزمة:
تختلف طبيعة وأشكال الأزمات من عصر إلى آخر وفقاً للتطور التاريخي والتكنولوجي ووسائل الاتصال وعوامل البيئة، فأزمة الأمس غير أزمة اليوم، فالأزمة قديماً كانت بسيطة وغير معقدة، أما اليوم فاختلفت طبيعة حدوثها وتزايد تشابكها، وتغيرت علاقاتها وتنوعت عناصرها ومكوناتها وقوى الدعم لها والتأثير فيها. ولذلك استتبع الأمر اختلاف نظرة التصدي لها، فبعد أن كانت إدارة الأزمات إدارة فردية، اعتمدت عملية التصدي لها اليوم على قرارات جماعية تقوم على رؤية فكرية متكاملة لفريق متكامل للتعامل معها. (الخضيري: 1990م: 204).
ففريق إدارة الأزمات من وجهة نظر الباحث هو مجموعة من الأفراد المدربين المتخصصين في مجالات كثيرة تتوافق وطبيعة الأزمة، وهم الذين تسند إليهم عملية التصدي لقوى الأزمة المسببة والداعمة لها، والحد من خطورتها ومعالجتها بالموارد المتاحة وفي أقل وقت ممكن بأدنى خسائر ممكنة.
وتتحكم طبيعة الأزمة ونوعها وحجمها- كما ذكرنا آنفاً- بنوعيه تشكيلات هذا الفريق وعدد أفراده. ويستعان في ذلك بالخطط السابق وضعها وسيناريوهات مواجهة الأزمات المحتملة السابق إعدادها أيضاً.
ويمكن لقائد فريق إدارة الأزمة أن يُدخل بعض التعديلات الضرورية، أو يضع سيناريوهات جديدة لمواجهة الموقف إذا اختلفت طبيعة الأزمة أو وقوعها عن الأزمات السابقة التخطيط لها، والسابق تدريب فرق إدارة الأزمات عليها. (بدر: 1997م: 135).
ثالثاً: خصائص فريق إدارة الأزمات:
وجوب توافر عدة خصائص في هذا الفريق، نذكرها فيما يلي:
1- أن يكون أفراد الفريق مدربين تدريباً عالياً على مواجهة معظم المواقف المحتملة على اختلافها، ولابد من الاستفادة تدريبياً من الدول المتقدمة في هذا المجال كالولايات المتحدة، وبعض الدول الأوروبية التي اهتمت بهذا الجانب وسجلت لها مواقف ناجحة مع الأزمات. وترتبط هذه الفرق بإدارة الأزمة عند حدوث ما يتطلب المواجهة، أما في الأوقات العادية فلا بأس من بقائها ضمن وحداتها الرئيسة لضمان التغذية التخصصية. (الشعلان: 1999م: 141).
2- ألا تحكم أداؤهم إجراءات مقننة أو ثابتة، بل يجب أن يواجهون الموقف بحرية حسب تداعياته وظروف الأزمة التي يواجهونها.
3- أن يعمل الفريق بروح جماعية تربط أفراده وسائل اتصالات فعالة مثل الهواتف الجوّالة والوسائل الأخرى للتنسيق بين أعمالهم وفقاً للمواقف.
4- قيام الفريق بإطلاع قائده على الإنجازات والأعمال التي يقومون بها لمواجهة الأزمة في موقع العمل أولاً بأول، حتى يتمكن من التنسيق بين الفرق المختلفة كل حسب مهمته، ولمراعاة مستجدات الموقف.
5- ليس من الضروري أن يكون أعضاء الفريق الأزموي متفرغين فقط لأعمال هذا الفريق، بل من الطبيعي أن يكونوا منتمين إلى منظمات حكومية أو أهلية، في وظائفهم العادية. وعند الأزمة يتم استدعاؤهم ليقوموا بأدوارهم حسب طبيعة الأزمة التي حدثت بالفعل. (بدر: 1997م: 135).
6- كما يمكن استدعاء الفريق من خارج المنظمة، ففريق أزمة الوادي المتصدع تم استدعاؤه من عدة منظمات (وزارات)، وزارة الصحة، وزارة الزراعة والمياه، وزارة الشؤون البلدية والقروية، حرس الحدود، وزارة الداخلية، خبراء من خارج المملكة.. الخ)، حيث حددت طبيعة الأزمة وحجمها ذلك الأمر.
7-أن يكون الفريق تحت قيادة قائد تتوافر فيه سمات شخصية مثل الشجاعة والتفاؤل والقدرة على تنمية العلاقات الشخصية، والثبات ورباطة الجاش، وقوة الإرادة، والقدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. كذلك لابد أن يتوفر فيه سمات موضوعية مكتسبة مثل القدرة على جمع المعلومات وتحليلها واستخلاص الأفكار التي ترشده إلى ما يجب عمله في مثل هذه الظروف، كذلك مقدرته على رسم التكتيكات المناسبة للموقف الأزموي، وتوظيف الموارد المتاحة أقصى توظيف. هذا مع توفر خبرة عملية في القيادة أثناء المواقف الصعبة. (الخضيري: 1990م: 209).

المرحلة الثالثة: احتواء الأضرار أو الحد منها:
وفي هذه المرحلة يتم احتواء الآثار الناتجة عن الأزمة وعلاجها، وهذه مهمة أساسية من مهام إدارة الأزمات التي تهدف في المقام الأول تقليل الخسائر إلى أدنى حد ممكن، ومنع الأضرار من الانتشار إلى الأجزاء الأخرى التي لم تتأثر بعد في المنظمة (الحملاوي: 1995م: 63). ويتم احتواء الأزمة باستيعاب نتائجها والاعتراف بأسبابها، ثم التغلب عليها، ومعالجة إفرازاتها ونتائجها. وتصل قمة النجاح في المعالجة إلى استغلال الحادث الأزموي في إحكام السيطرة على الكيان الإداري، وحفز مشاركة أفراده وزيادة انتمائهم وولائهم وبالشكل الذي يعظم من إنتاجيتهم (الخضيري: 1990م: 169).
وكذلك حشد كل القوى من أجل الإصلاح، واستنهاض الهمم من أجل المشاركة في احتواء الأضرار الناتجة عن الأزمة. ولا شك أن كفاءة فعالية هذه المرحلة تعتمد إلى حد كبير على المرحلة السابقة التي تم فيها الاستعداد والتحضير. إن تصاعد الأحداث يفرض على فريق الأزمة التفكير في آلية للحد من تفاقمها من خلال تحديد بدائل أولية للعلاج المسكّن، ثم للعلاج الأساسي، وتقسيم الفريق إلى قسمين يتولى أحدهما الجانب الأول من العلاج، ويتولى الثاني الجانب الآخر منه. والاختيار بين هاتين الطريقتين يتوقف على طبيعة الأزمة ومدى تسارع أحداثها، ثم مدى خطورة تفاقم الأزمة، وأخيراً قدرة فريق إدارة الأزمات وظروفهم. (البريدي: 1999م: 75).
وقد أورد الخضيري مثالاً لما ينبغي عمله في هذه المرحلة، فذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية اكتشفت جرثومة حاسب آلي دمرت قواعد المعلومات الخاصة بأجهزة وزارة الدفاع الأمريكية، وتوصلت إلى الفاعل الأساسي لهذه الجريمة الذي تبين أنه عالم شاب متخصص في عالم الإلكترونيات وتصميم برامج الحاسبات الإلكترونية. وكان موقف السلطات الأمريكية تجاهه هو احتواء هذا الشاب وعدم محاكمته وتحطيمه، ولكن طالبته بالبحث وإعداد برامج مناعة ضد اختراق فيروسات الحاسبات لأجهزتها، وفي الوقت نفسه ابتكار فيروسات لاستخدامها في تدمير برامج أجهزة الدول المعادية إذا لزم الأمر ذلك. (الخضيري: 1990م: 169).
المرحلة الرابعة: استعادة النشاط:
تتضمن هذه المرحلة استعادة النشاط من عدة جوانب داخلية وخارجية من داخل المنظمة حيث الأصول المادية والمعنوية، والخارجية، مثل الأطراف الأخرى المتأثرة بنتائج الأزمة. إن مرحلة إعادة التوازن للوضع السابق أو على نحو أفضل - وهو أمر يستحق أن يكون هدفاً لذاته- يستوجب من الإدارات المحلية وعياً بأهمية المرحلة وتطلعاً للإنجاز، وقدرة على التخطيط على نحو متكامل وسريع، وتحديداً بيناً لأوجه العون التي يمكن أن تدعم بها السلطات المركزية. هذه الجهود كما ينبغي ألا يكون الاهتمام في هذه المرحلة مقصوراً على إعادة البناء، بل في زيادة وفعالية التدابير التي تحول دون (أزمات) مستقبلية مماثلة أو على أقل تقدير الحد من أضرارها المحتملة بأعلى درجة ممكنة (الطيب: 1980م: 69).
وتتمثل عناصر هذه المرحلة كما يراها الأعرجي والدقامسة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لممارسة النشاطات الاعتبارية في المنظمة دون أي تأخير في ظروف الأزمات. ويتم تحديد الاحتياجات اللازمة للمواقع المختلفة التي تأثرت بالأزمة مع تقديم الموارد اللازمة لاستعادة النشاط الاعتباري. ثم تخفيف آثار الأزمات بالحد من استمرار أساب حدوثها. وأخيراً تبادر المنظمة بتوجيه رسالة وحملة إعلامية مناسبة للجمهور من خلال وسائل الإعلام- إذا استدعى الأمر ذلك- حول الأضرار التي سببتها الأزمة، وكيف تم التعامل معها (الأعرجي، ودقامسة: 2000م: 792).
وهناك ثلاثة اعتبارات أساسية لتحقيق الكفاءة والفاعلية في عملية استعادة النشاط (التوازن) هي كما يلي:
1- الرغبة والحرص على إعادة التوازن أي إعادة الحياة الطبيعية للمنطقة المتأثرة بالأزمة من كافة الأطراف والجهات المعنية.
2- معرفة ما ينبغي تحقيقه في مرحلة إعادة التوازن، إذ عادة ما تفتقر الإدارة والأجهزة المحلية إلى تصور كامل لمتطلبات هذه المرحلة. فيجب دعم ذلك من السلطات المركزية بالخبرات والإمكانيات التي تمكن فريق الأزمة من استعادة النشاط.
3- القدرة على إنجاز فعاليات مرحلة إعادة التوازن، وهو جانب يستوجب قدرات فنية وإدارية وإمكانيات كبيرة، ودعماً مالياً من السلطات المركزية للمناطق المتضررة، ودعم كل ذلك بسياسة عامة للحكومة تجعل عملية إعادة الحياة الطبيعية للمناطق المنكوبة والمتضررة هدفاً ممكن التحقيق من خلال المشاركة الفعالة والإيجابية من ساكني المنطقة المنكوبة ووحدات الحكم المحلي، والإدارات الإقليمية والسلطة المركزية. (الأحمدي: 1407هـ: 184).
وفي هذه الحالة يجب تشكيل لجان عديدة تختص بإعادة البناء ووضع الضوابط لعدم تكرار ما حدث، إضافة إلى إجراء البحوث والدراسات المختلفة حول المسببات، مصدر نشوء الأزمة، ومسارها، والكيفية التي تمت بها مواجهتها، مع التركيز على السلبيات.. ودراسة أسبابها ووضع الحلول لعدم تكرارها (الشعلان: 1999م: 173).
مشاركة أفراد المجتمع:
وتمثل عملية مشاركة المجتمع في هذه المرحلة خطوة مهمة، فواجب مدير الأزمات أن يضع في اعتباره حشد قوى المجتمع عن طريق الوسائل الإعلامية ببعث روح القيم الإسلامية في المجتمعات الإسلامية على سبيل المثال التي تقوم على التضحية والفداء، والبذل والعطاء، وتمجيد بطولاتها، وحث قوى المجتمع على المشاركة في عملية إصلاح ما أفسدته الأزمة. وتحتاج عملية المشاركة هذه إلى أربعة جوانب هي كما يلي: (الخضيري: 1990م: 244):
1- تطلعات الجماهير في محيط تأثيرات الأزمة: فمدير الأزمة الناجح هو الذي يربط هذه التطلعات بمفهوم الأمان والبقاء والسلامة والاستقرار لضمان الحياة الحالية بعد مشيئة الله للأجيال الحالية، أو المستقبل السعيد للأجيال الصاعدة من الأبناء والأحفاد والأقرباء.
2- نقاط الضعف في قوى صنع الأزمة: وهنا لابد من إعلام المجتمع بقوى صنع الأزمة، سواء كانوا أطرافاً خارجيين أو داخليين فاعلين، وجب كشفهم للمجتمع على أنهم يكنون له شراً مستطيراً، ويكتمون كراهية وعداءً لقوى المجتمع، وتحفيز المجتمع ضدهم.
3- نقاط قوتنا: من حيث ترابط قوى المجتمع، وقوفه خلف قياداته، وحرصها على إسعاد المواطنين ، وأن إدارة مجتمع الأزمة إنما هي امتداد للقائد التاريخي مؤسس هذا الكيان العظيم، الذي اختار الإسلام ديناً يدين به في الحقوق والواجبات، لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.
4- معوقات تعيق إدارة الأزمة: ومنها تفشي السلبية والانهزامية أو القوى المعارضة، وسيادة حالة عدم الولاء، وسيادة المعارضة من قوى تعارض مصالح المنظمة، أو القوى العميلة للخارج.
المرحلة الخامسة: التعلم:
تتضمن هذه المرحلة دروساً مهمة تتعلمها المنظمة من خبراتها السابقة، وكذلك من خبرات المنظمات الأخرى التي مرت بأزمات معينة يمكن للمنظمة أن تمر بها. ولا تقوم كثير من المنظمات بما تتطلبه هذه المرحلة بسبب الاعتقاد الخاطئ أن تحليل الماضي يعني إعادة فتح الجراح التي اندملت (الحملاوي، وشريف: 1997م: 148).
وبمعنى آخر تستخلص المنظمات في هذه المرحلة الدروس والعبر من الأزمات التي واجهتها سابقاً في محاولة للاستفادة منها مستقبلاً، كما تقييم كفاءة وفعالية خطط وبرامج إدارة الأزمات السابقة بقصد تحسينها تمهيداً للتعامل مع الأزمات المستقبلية. ويتم دمج الدروس المستفادة من الثغرات في الخطط السابقة في الخطط المعدة للأزمات المستقبلية.
وأخيراً يتم إجراء تقييم موضوعي للخطط وممارسات وقرارات التعامل مع الأزمات المتشابهة في دول أجنبية أو أجهزة إدارية أخرى للاستفادة منها كدروس في المنظمة. (الأعرجي، والدقامسة: 2000م: 793). وهنا يجب الاستفادة من خطط وتجارب وممارسات التعامل مع الأزمات في الدول الأجنبية والأجهزة الإدارية المختلفة بغرض زيادة كفاءة وفعالية التدابير والنظم التي تمنع أو تحد من قابلية المنظمات للتعرض للأزمات.