والسخاء عشرة تسعة في الرجال وواحداً في النساء؛؛ والشجاعة والكرم عشرة تسعة في العرب وواحداً في بقية العالم؛؛

والشهوة عشرة أقسام تسعة في النساء وواحداً في الرجال.


فقال الحجاج : فأخبرني ما يجب على المسلم في السنة مرة ؟

فقال الغلام : صيام رمضان.

فقال الحجاج : وما يجب في العمر مرة ؟

فقال الغلام : الحج إلى بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا .

فقال الحجاج : فأخبرني عن أقرب شيء إليك ؟

فقال الغلام : الآخرة .

ثم قال الحجاج: سبحان الله يأتي الحكمة من يشاء من عباده ما رأيت صبياً أتاه الله العلم والعقل والذكاء مثل هذا الغلام.

فقال الغلام : أنا أهل لذلك.

فقال الحجاج : فمن أحق الناس بالخلافة ؟

فقال الغلام : الذي يعفو ويصفح ويعدل بين الناس.


فقال الحجاج : فأخبرني عن النساء ؟

فقال الغلام : أتسألني عن النساء وأنا صغير لم أطـّلع بعد على أحوالهن و رغائبهن ومعاشرتهن

ولكني سأذكر لك المشهور من أمورهن؛؛ فبنت العشر سنين من الحور العين؛؛ وبنت العشرين نزهة للناظرين؛؛

وبنت الثلاثين جنة نعيم ؛؛وبنت الأربعين شحم ولين؛؛ وبنت الخمسين بنات وبنين؛؛

وبنت الستين ما بها فائدة للسائلين؛؛ وبنت السبعين عجوز في الغابرين؛؛ وبنت التسعين شيطان رجيم؛؛ وبنت المائة من أصحاب الجحيم.


فضحك الحجاج وقال: أي النساء أحسن؟

فقال الغلام : ذات الدلال الكامل والجمال الوافر والنطق الفصيح التي يهتز نهدها ويرتاح ردفها.

فقال له الحجاج : أخبرني عن أول من نطق في الشعر؟

فقال الغلام :سيّدنا آدم عليه السلام وذلك لما قتل قابيل أخاه هابيل.

أنشد آدم يقول :

بكــت عــينـي وحـق لـها بكاهـــا *** ودمــــع الـــعـــين منهمل يسيح

فـــمـا لـي لا أجــود بسـكـب دمع *** و هـابــيل تضمّنـه الـضــريـــــح

رمــى قــابـيـل هـــابــيــلاً أخـــاه *** والحد في الثرى الوجه الـصبيح

تغـــيرت البـــلاد ومـــن عـــليها *** فــوجــــه الأرض مــغــبر كشيح

تـــبدل كـــل ذي طــعــم ولــــون *** لـــفـقـدك يا صــبــيـح يا ملــــيح

أيا هـــــابــيل إن تــقــتـل فإنــــي *** عـــليك الــــدهر مكتـئـب قريــح

فأنت حياة من في الأرض جميعاً *** وقــــد فــقـدوك يا روح وريـــح

وأنـــت رجــيــح قــدر يـا فصيح *** سلـــيم بـل ســـميح بــل صبيـــح

ولــــسـت مــيـت بـــــل أنت حي *** و قــابــيــل الشــقي هو الطريـح

علـــــيه السخــط من رب البرايا *** و أنت عـــليـــك تسليم صريـــح

فأجابه إبليس يقول :

تـنوح على البلاد ومن عليها *** وفي الفردوس قد ضاق بك الفسيح

وكـــنت بها وزوجك في نعيم *** مــن الــمــولـى وقـلـبك مسـتريـــح

خـدعتك في دهائي ثم مكري *** إلــــى أن فـــاتـك الــعيــش الرشيح


فقال الحجاج : أخبرني يا غلام عن أجود بيت قالته العرب في الكرم ؟

فقال الغلام : هو بيت حاتم طي.

حيث يقول: ـــ

وأكرم الضيف حتما حين يطرقني *** قبل العيال على عسرٍ و إيسارِ

فقال الحجاج : أحسنت يا غلام وأجملت وقد غمرتنا ببحر علمك فوجب علينا إكرامك ثم أمر له بألف دينار وكسوة حسنة و جارية وسيف وفرس.


وقال الحجاج في نفسه : إن أخذ الفرس نجا.. وإن أخذ غيرها قتلته..


فلما قدمها له قال الحجاج : خذ ما تريد يا غلام..

فغمزته الجارية. وقالت : خذني أنا خير من الجميع فضحك الغلام وقال ليس لي بك حاجة وأنشد يقول : ـــ

و قــرقعــت اللجان بـــرأس حــمراً *** أحــــب إلىّ مــما تــغــمـزيني

أخـاف إذا وقعــتِ عــــلى فراشــي *** وطالت علتي لا تصحبينـــي

أخـــاف إذا وقــعــنا فــي مضـــيـقٍ *** وجار الدهر بي لا تنصريني

أخـــاف إذا فـقــدتِ المــال عــندي *** تــمــيلي للخصام وتهجريني

فأجابته الجارية تقول : ــ

معاذ الله أفـــعــــل مـــا تــــقــول *** ولو قُطِعت شمالي مع يميني

وأكتم سر زوجــي فــي ضميري *** وأقـــنع باليسير وما يــجيني

إذا عاشـــرتني وعرفت طـــبعي *** ستــعــلم أنـــني خــير القرين


فقال الحجاج : ويلك ألا تستحين تغمزينه وتجاوبينه بالشعر.

فقال الغلام : إن كنت تخيرني فإنني أختار الفرس أما إن كنت ابن حلال فتعطيني الجميع.

فقال الحجاج : خذهم لا بارك الله لك فيهم.

فقال الغلام : قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مرة أخرى.

ثم قال الغلام : من أين أخرج يا حجاج ؟

فأجابه الحجاج : أخرج من ذاك الباب فهو باب السلام.

فقال الجلساء للحجاج : هذا جلف من أجلاف العرب أتى إليك وسبَّكَ وأخذ مالك فتدله على باب السلام! ولم تدله على باب النقمة والعذاب ؟

فقال الحجاج : إنه استشارني والمستشار مؤتمَن...

وخرج الغلام من بين يدي الحجاج سالماً غانماً بفضل الله ثم بفضل ذكائه وفهمه ومعرفته وحسن إطلاعه